حوار الطرشان: الدرهم

نشر في 05-10-2013
آخر تحديث 05-10-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان قرية صغيرة جميلة، عدد سكانها القاطنين على إقليمها قليل نوعاً ما، متعاونون متحابون بأحسن ما يكون عليه التعاون والتحاب، تستطيع أن تصفهم بالمحافظين الذين يترددون على الدوام من تغيير العادات التي جبلوا عليها.

وفي قريتهم هذه رجل صالح ورع يحبه الناس في الله وهو يبادلهم الحب فيه، والورع هذا لا يتوانى للحظة عن نصح الآخرين إن كانوا بحاجة إلى النصيحة، مثابر دون كلل على إرشاد قومه لجادة الصواب التي يتبعها في السر والعلانية.

وبينما هم كذلك في دعة واطمئنان وعيش رتيب، فإذا بشخص غريب- إبليس- يزورهم ويقترب منهم ويتودد إليهم، ويمنيهم بالأماني، غايته من وراء ذلك كله صرفهم عن الصراط المستقيم الذي يجتهدون في السير على جادته، وقد كانت طريقته في الغواية في تلك الشجرة التي تقع خارج حدود القرية.

فالغريب يقول لهم ويلح عليهم بالقول إن الشجرة التي ترون إنما هي شجرة مباركة في عروقها وجذعها وأوراقها، ففيها تكمن السعادة التي لا تنقطع وفيها تجدون الحب الأبدي، ولن تخسروا شيئاً إن أنتم اقتربتم منها وتباركتم تحت ظلها وتمسحتم بأغصانها، ويتردد الناس قليلاً وبعد ذلك يأخذون بالاقتراب منها والتبرك بها والتمسح بأغصانها، وربط الخيوط على أوراقها لعل البركة التي يمنيها الغريب لهم أن تتلبسهم.

وبهذه الغواية ينتشي الرجل الغريب عندما يرى الناس على هذه الشاكلة، ولا يقطع تلك النشوة سوى الرجل الصالح الذي يأتي مسرعاً ليزجر الناس وينهرهم من الاقتراب من هذه الشجرة، فيتصدى له الرجل الغريب بكل ما أوتي من قوة إلا أن الرجل الصالح وبقوة إيمانه يصرعه أرضاً.

***

يأس الرجل الغريب من مقاومة الرجل الصالح، ففكر في حيلة يسحبه بها، لعلها تنطلي عليه وبعد ذلك يهزمه شر هزيمة.

اقترب الغريب من الصالح وقال له مالك والناس يا هذا، دعهم وشأنهم فإن اهتدوا إلى الصراط المستقيم فلن تستفيد شيئاً، وإن هم اهتدوا إلى صراطي المعوج فلن تخسر شيئاً أيضاً، فينهره الرجل الصالح إلا أن الغريب يكمل حديثه دون ملل ليقول، سوف تجد تحت وسادة رأسك كل صباح "درهمين من ذهب" ضعهم في جيبك واترك غيرك يفعل ما يريد.

افترق الاثنان ليعود الرجل الصالح إلى منزله ليستريح من عناء يوم طويل، وفي صباح يوم جديد أخذ ضمير الرجل الصالح يتأرجح تارة نحو الخير وتارة أخرى نحو الشر، يناجيه يقول له اقلب الوسادة لعل الغريب صادقا في ما يقول، وبعد تردد مصطنع يقلب الرجل وسادته ليجد تحتها "درهمين من الذهب الخالص"، التفت ناحية اليمين وناحية الشمال بعدها مد يده على الدرهمين فالتقطهما ووضعهما في جيبه.

استمر الحال على مدى ستة أيام متواصلة، وفي اليوم السابع قلب الوسادة كالعادة ولكنه لم يجد الدرهمين، فاستشاط غضباً وذهب على الفور إلى الرجل الغريب الذي يجلس تحت الشجرة وحوله الناس يتبركون ويتمسحون بها، فقام له الغريب وطرحه أرضاً بسهولة، فقال الرجل الذي كان صالحاً، كيف استطعت التغلب عليّ، فقال الغريب "بفضل الدرهمين يا هذا"... انتهى.

***

نعم، إنه الدرهم الذي استطاع بريقه أن يغير توجهات الدول، فبدلاً من أن تقف مع الحق وتذود عن حياض الإنسانية نجدها بسببه وبدافع منه، تلزم الصمت وتغض البصر، عن كل الجرائم التي تراها شاخصة أمامها، فإذا كانت الدول كذلك، فإن الأفراد أضعف كثيراً من أن يقاوموا بريقه... والسلام.

* ملاحظة:

فكرة القصة للأديب الكبير- توفيق الحكيم ـ فقط صغتها بأسلوبي.

back to top