إيران... تهديدٌ وهمي؟

نشر في 10-10-2013 | 00:01
آخر تحديث 10-10-2013 | 00:01
حين كان ديك تشيني نائب الرئيس في الإدارة السابقة، كان يصر بشكل متكرر على ضرورة أن تقصف الولايات المتحدة الإيرانيين لنسف طموحاتهم النووية. حظي هذا الموقف بتأييد السيناتور جون ماكين وعدد كبير من السياسيين الآخرين، من جمهوريين وديمقراطيين، على المستوى المحلي والخارجي معاً.

لكن ماذا لو كان ذلك الموقف ينمّ عن هستيريا غير مبررة؟ هل يمكن أن تكون إيران أكثر من مجرد تهديد وهمي؟

وفق المقابلات التي جرت مع خبراء استراتيجيين عسكريين وضباط الاستخبارات المحلية، وبعد مراجعة التحذيرات التي امتدت على 34 سنة بشأن التهديد الذي تطرحه إيران على المصالح الأميركية الحيوية، تبين أن التهديدات المخيفة ترتكز على الشكوك والفرضيات وبعض البيانات القيّمة. يبدو الوضع من نواحٍ عدة نسخة جديدة من التهديد العراقي المزعوم الذي أدى إلى خوض الحرب، لكن تدرك أوساط الاستخبارات هذه المرة عدم وجود أي أسلحة دمار شامل.

اليوم، مع بروز مؤشرات على احتمال ذوبان الجليد بين الولايات المتحدة وإيران، يرى عدد من الخبراء بشؤون المنطقة ضرورة تكوين صورة دقيقة عن إمكانات إيران وطموحاتها النووية. في الأسبوع الماضي، تحدث الرئيس باراك أوباما عبر الهاتف مع الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً حسن روحاني طوال 15 دقيقة (إنها المرة الأولى التي يتحدث فيها رئيسا البلدين منذ ثلاثة عقود)، وقد ناقشا هذه المسألة النووية. كانت تلك المحادثة التي أثارت سخط المتشددين في الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران خطوة أساسية في المسار الدبلوماسي الذي يتبعه البيت الأبيض والذي بدأ قبل فترة قصيرة من وصول روحاني إلى سدة الرئاسة في شهر أغسطس.

 

ابتسامات خادعة

 

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أبرز الرافضين لما حصل معتبراً أن التواصل المباشر مجرد حماقة، وقد سخر من أوباما لأنه صدّق ابتسامات روحاني الخادعة.

كذلك، أكد نتنياهو على وجود سبب وجيه لتبرير الخوف الشديد من برنامج إيران النووي: {خلال فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، يمكن أن نتوقع من إيران أن تكسب الاستقلالية الكافية كي تتمكن من تطوير وإنتاج قنبلة نووية من دون الحاجة إلى استيراد التكنولوجيا أو المواد. لا بد من استئصال [التهديد النووي] عبر جبهة دولية بقيادة الولايات المتحدة}.

لكن انتظروا لحظة! لم يكن هذا الكلام الذي تفوه به نتنياهو يتعلق بالمحادثة بين أوباما وروحاني. بل إنه جزء من خطاب ألقاه خلال جلسة أمام الكنيست شبه الفارغ في يناير 1995. هذا صحيح: طالب نتنياهو منذ 18 سنة بأن تتحرك الولايات المتحدة ضد إيران لأنها ستطور أسلحة نووية قريباً. بعبارة أخرى، يبدو سجل نتنياهو في هذا الملف فاشلاً.

لإجراء تقييم أفضل، يمكن اللجوء إلى كلية الحرب الأميركية باعتبارها أهم مؤسسة تعليمية عسكرية لتدريب أعلى المسؤولين في الجيش على وضع الاستراتيجيات وإجراء الأبحاث. يقول كريستوفر ج. بولان، ضابط استخباري سابق في الجيش كان قد عمل ضمن فريق الأمن القومي في عهد نائبَي الرئيس غور وتشيني، وهو يدرّس الآن الاستراتيجيات العسكرية في كلية الحرب: {إيران لا تطرح أي تهديد على المصالح الأميركية الحيوية. هم لا يريدون تصنيع أسلحة نووية. أظن أن البعض بالغوا حين دعوا إلى إبداء ردة فعل أكثر عدائية}.

هذا الموقف يشبه الاستنتاج الذي تم التوصل إليه في عام 2007 ضمن {تقديرات الاستخبارات الوطنية}، وهي عبارة عن تقييم موثوق لمسائل الأمن القومي يعكس أحكام 16 وكالة استخبارية أميركية. وفق ذلك التحليل، علّقت إيران برنامجها النووي في عام 2003. وفي وقت سابق من هذه السنة، قال وزير الدفاع السابق ليون بانيتا: {وفق المعلومات الاستخبارية التي نملكها، لم يتخذ [قادة إيران] القرار باستئناف تطوير الأسلحة النووية}.

يصر بعض المتشددين في الغرب على أن هذه التحليلات والتوقعات المنطقية لا يمكن تطبيقها على إيران لأن قادتها مجانين. لكن وفق أحد المسؤولين في استخبارات البنتاغون، استنتجت وكالات الأمن الحكومية عالمياً أن قيادة إيران عاقلة وهي تتخذ قراراتها على المستوى الرسمي.

يقول جودت بهجت، أستاذ في شؤون الأمن القومي وخبير متخصص بسياسة الشرق الأوسط في جامعة الدفاع الوطني (معهد تحت إدارة هيئة الأركان المشتركة التي توفر تدريباً عسكرياً عالي المستوى في مجال استراتيجية الأمن القومي): {هم ليسوا مجانين ولا أغبياء. هم منطقيون ويعلمون أن تصنيع القنبلة لا يصب في مصلحتهم}.

ثمة تفصيل آخر في هذا المجال: كان آية الله علي خامنئي، القائد الأعلى في إيران، قد رفض رسمياً التسلح النووي في إحدى الفتاوى حيث أعلن أن امتلاك أسلحة مماثلة هو {خطيئة فادحة}. ربما تبدّل ذلك الموقف، لكن سيحصل التبدّل على حساب مصداقية رجل الدين داخل الأوساط الإسلامية.

ماذا عن التهديد الإيراني المزعوم ضد إسرائيل؟ أعلن مسؤولون عسكريون أميركيون، مثل الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أن الدولة اليهودية يجب ألا تخشى الوضع. يدرك قادة إيران أن الاعتداء على إسرائيل سيعني تدمير بلدهم على يد القوات العسكرية الغربية. حتى كبار المسؤولين الإسرائيليين اعترفوا بذلك. في السنة الماضية، قال أفرايم هاليفي، مدير الموساد السابق: { أظن أن إسرائيل قوية بما يكفي لتحمي نفسها. في نهاية المطاف، لا تتمتع إيران بالقدرة على تدمير دولة إسرائيل}.

بعد فترة قصيرة على خطاب روحاني أمام الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي، طالب عضو الكونغرس الجمهوري، مايك روجرز من ميشيغان، وهو رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، بأن تنهي إيران إنتاج {اليورانيوم المُخصّب بنسبة تفوق الـ20%} (أي المواد المُعدّة لصنع الأسلحة) قبل بدء المحادثات النووية.

مشاريع نووية مدنية

 

لكن تكمن المشكلة في واقع أن إيران لا تملك أي مواد معدة لصنع الأسلحة. أشارت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شهر أغسطس إلى أن إيران أنتجت اليورانيوم المنخفض التخصيب لتنفيذ مشاريع نووية مدنية وهي تحتفظ بمستوى ثابت نسبياً من المخزون.

قد تغير إيران مسارها طبعاً فتبدأ بإنتاج اليورانيوم العالي التخصيب، لكن يقول مسؤولون استخباريون راهنون وسابقون إن ذلك الأمر لن يحصل من دون أن تعلم وكالات الاستخبارات الغربية فوراً، وسيكون ذلك القرار بالنسبة إلى إيران أشبه بالانتحار. قدم جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية، شهادته أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ هذه السنة وقال: {أحرزت إيران تقدماً خلال السنة الماضية، ما يجعلها أكثر قدرة على إنتاج اليورانيوم الكافي لتصنيع الأسلحة عبر استعمال منشآتها المعلنة ومخزونها من اليورانيوم، إذا اختارت فعل ذلك. لكن رغم ذلك التقدم، تشير تقديراتنا إلى أن إيران لن تستطيع تحويل المواد التي تحتفظ بها وإنتاج اليورانيوم الذي يخولها تصنيع الأسلحة من دون اكتشاف ذلك النشاط}.

لا نقصد انتقاد عضو الكونغرس روجرز، لكن من الواضح أن بعض صانعي السياسة لا يفهمون مدى صعوبة تصنيع قنبلة نووية. لا تستطيع إيران أن تحصل على مواد لتصنيع الأسلحة بكل بساطة ثم تَصِل رأساً حربياً بصاروخ وتبدأ بتفجير أجزاء من العالم. لا بد من هندسة آلية قصف واختبار الأسلحة واتخاذ خطوات أخرى كثيرة قبل أن تتمكن إيران من طرح تهديد فعلي. يمكن أن تطور باكستان قنبلة بوتيرة بطيئة، من دون أن تشعر بالقلق من احتمال هجوم الدول الغربية المستاءة. لا تتمتع إيران بتلك الميزة. يقول بولان: {حتى لو نجحوا في الحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب، ستمر سنوات قبل أن يحوّلوه إلى سلاح. التوقيت ليس عاجلاً. أمامنا سنوات قبل تفاقم المخاطر، إذا كانت الحكومة تهدف فعلاً إلى تصنيع الأسلحة، مع أني أظن أنه ادعاء مشكوك به}.

ما سبب هذا الخوف المفرط من إمكانات إيران النووية؟ يتعلق أكبر خوف مشروع بعدم اكتمال تعاون إيران الأخير مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بما أن الاستخبارات تشير إلى أن البلد أجرى سابقاً اختبارات نووية مع تطبيقات عسكرية محتملة داخل منشأة عسكرية اسمها {بارشين}، يطالب المفتشون بدخول تلك المنشأة. لكن يصر الإيرانيون على أن المنشأة تُستعمل حصراً لتصنيع الأسلحة التقليدية، وهم يعتبرون أن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية زاروا الموقع في عام 2005 ولم يكتشفوا أي أمر مشبوه. ربما يقول الإيرانيون الحقيقة وربما لا يفعلون. لكنهم يستفيدون حتماً من إثارة حيرة العالم.

منذ الثورة الإسلامية في عام 1979، ظهرت دعوات مستمرة من الولايات المتحدة لتغيير النظام في إيران. يعتبر الخبراء أن هذا الموقف يجعل الإيرانيين يشتبهون بنوايا الحكومة الأميركية: هل تشعر واشنطن بالقلق من تلك الأسلحة فعلاً أم أن المسؤولين يبحثون عن طرق للإطاحة بالنظام الشيعي؟

هذا ما يضع إيران في موقف صعب. يخشى قادتها أن يؤدي قرارهم الأحادي الجانب بإلغاء احتمال تطوير سلاح نووي دفاعي إلى تعريض البلد لغزو محتمل. لكنهم يعلمون أنهم إذا بدأوا بصنع قنبلة، سيتعرضون لهجوم الجيش الأميركي القوي والغاضب.

لكن تواجه الولايات المتحدة سيناريو معقداً بالقدر نفسه إذا قررت مهاجمة إيران. بحسب رأي الخبراء الاستراتيجيين، سيؤدي أي اعتداء مماثل إلى إثبات خطاب {القاعدة} بأن الولايات المتحدة تشن حرباً على الإسلام. يقول بهجت، الأستاذ المتخصص بشؤون الأمن القومي: {إذا قصفناهم، ستتعزز مظاهر الفوضى في الشرق الأوسط. يعلم الإيرانيون أنهم لا يستطيعون محاربة الولايات المتحدة من جيش إلى جيش. لهذا السبب، طوروا وسائل أخرى لجعلنا ندفع الثمن إذا هاجمناهم. ثمة روابط دينية وسياسية بين الشيعة في بلدان مختلفة، ولا شك أنهم سيردّون بأي طريقة ممكنة. سيتخذون قراراً عسكرياً مكلفاً بالنسبة لنا}. قد تهاجم الجماعات الإرهابية، الوسيلة الواقعية الوحيدة التي يمكن أن تستعملها إيران للرد، في مضيق هرمز (الممر البحري الوحيد من الخليج العربي إلى البحر المفتوح، وهو أساسي لنقل نفط الشرق الأوسط إلى الغرب).

الأسوأ من ذلك هو أن أي اعتداء سيكون كفيلاً بتأخير قدرة إيران على تطوير سلاح نووي لبضع سنوات فقط بحسب خبراء استراتيجيين ومسؤول مرموق سابق في الاستخبارات الأميركية، وسيثبت المتشددون بذلك حاجة الدولة إلى أسلحة دمار شامل كنظام ردع.

لهذه الأسباب كلها، يبقى التفاوض مع إيران خطة ذكية بحسب رأي الخبراء الاستراتيجيين العسكريين. يدرك البلدان نتائج وضع المراوحة السائد. يوضح بهجت: {سيسهل التوصل إلى اتفاق مع إيران. لدينا نقاط مشتركة مقبولة نسبياً لمساعدتنا على إقرار اتفاق يصب في مصلحة الجميع. أظن أننا نستطيع عقد اتفاق خلال ثلاثة أشهر}.

قد يعتبر الكثيرون أن هذا التوقع تفاؤلي بشكل مفرط، لكن من المعروف أن التحذيرات المتواصلة منذ أكثر من 30 سنة بشأن إمكانات إيران النووية الوشيكة لم تتحقق بعد.

back to top