في سورية: إما خطوات كبيرة أو لا شيء

نشر في 31-05-2013
آخر تحديث 31-05-2013 | 00:01
سيؤدي أي تدخل غير حاسم في سورية إلى نتائج عكسية ولن يخيف إيران، بل سيقنع القادة الإيرانيين بأن الولايات المتحدة لا تملك الرغبة الكافية في خوض حرب كبيرة في المنطقة.
 سي إف آر نسمع مجموعة من الأصوات النافذة من الليبراليين الدوليين إلى الصقور المحافظين في واشنطن تنادي بأن التدخل الأميركي في سورية سيتسبب أيضاً بضرر بالغ لحليف بشار الأسد الأقرب، إيران.

ستبرهن الأعمال العسكرية في سورية، وفق هذه الحجج، أن الولايات المتحدة جادة في تطبيقها الخطوط الحمراء، ولا شك أن ملالي إيران المتمردين سيتأثرون بهذه الخطوة ويخيب ظنهم، ما يدفعهم إلى كبح حماستهم النووية والالتزام بالاتفاقات الدولية بشأن الحد من انتشار الأسلحة النووية.

ولكن نظراً إلى أن أي تدخل قد تقدِم عليه إدارة أوباما سيكون متردداً وناقصاً، لا استعراضاً كبيراً للقوة العسكرية، فمن المستبعد أن ينهي الحرب الأهلية السورية ويخيف الحكام الإيرانيين.

يتطلب التدخل، الذي قد يقود الثوار إلى نصر حاسم، أكثر من مجرد مناطق حظر جوي وأسلحة. من الضروري أن يؤدي هذا التدخل إلى شلّ قوة الأسد الجوية، وأن يشمل إنزال القوات على الأرض، كذلك على الولايات المتحدة أن تأخذ القيادة في تنظيم قوة عسكرية إقليمية تحظى بموافقة جامعة الدول العربية ودعم أصولها الاستخباراتية وقواتها الخاصة. وينبغي أن تلي ذلك مهمة إعادة هيكلة سورية وحل صراعاتها الطائفية، وكما برهنت حرب العراق بأسى، قد تكون عملية إعادة صياغة المؤسسات الوطنية على أنقاض حرب أهلية أكثر كلفة، مقارنة بالتدخل العسكري الأصلي.

بما أن كل هذه الخطوات ضرورية إذا أردنا التخلص من الأسد ووضع حدّ للعنف، فعلى الولايات المتحدة أن تتقبل الحاجة إلى تدخل قوي، فما من حل سهل أو وسط. علاوة على ذلك، سيؤدي أي تدخل غير حاسم في سورية إلى نتائج عكسية ولن يخيف إيران، بل سيقنع القادة الإيرانيين بأن الولايات المتحدة لا تملك الرغبة الكافية في خوض حرب كبيرة في المنطقة.

ثمة وجه مثير للاهتمام لجدال الدائر في واشنطن. صحيح أن أكثر من 70 ألف سوري قُتلوا منذ بدء الحرب الأهلية، وأن نظام الأسد انتهك على ما يبدو كل أعراف الحرب ومبادئها باستخدامه أسلحة كيماوية ضد مدنيين، إلا أن الأصوات المنادية بتدخل كبير تكاد لا تُسمع.

ما زال إرث العراق يلوح في الأفق، وتبدو الولايات المتحدة، التي سئمت الحرب وضحّت بالكثير في ساحات القتال في الشرق الأوسط، مترددة في الانطلاق في حملة جديدة. فلا تملك إدارة أوباما أو نقادها في الكونغرس، حسبما يظهر، شهية لإعادة بناء الأمم. كذلك يظهر جلياً التردد الأميركي في الإقرار بأن أنصاف الحلول، مثل تسليح الثوار أو فرض منطقة حظر جوي، لن تنهي على الأرجح معاناة الشعب السوري في وجه أقلية علوية مصممة يقودها الرئيس الأسد المستبد، الذي لا يتردد في تنفيذ عمليات تطهير إثني في صراع حتى الموت.

ستقدّم حرب طويلة في سورية لإيران المزايا عينها التي حصدتها من غزو الولايات المتحدة العراق، فما إن بدأت الولايات المتحدة عملية إعادة بناء العراق حتى أصرّ الجنرالات والسياسيون والخبراء على أن من المستحيل فتح جبهة ثانية في الشرق الأوسط. وفيما عملت واشنطن على حلّ مشاكل العراق، تجاهلت تمرد إيران وانتهاكاتها.

فبينما كانت إيران تستمتع بحصانة ضد القوات العسكرية الأميركية نتيجة انشغال واشنطن بحرب العراق الأهلية، عمل أتباع طهران في العراق على توجيه الاعتداءات بشكل منظّم ضد الجنود الأميركيين، مستخدمين أجهزة تفجير مبتكرة. كذلك ساهموا في تعطيل المهمة الأميركية. في تلك الأثناء، أخرجت إيران بنيتها التحتية النووية من مخبئها وطوّرتها.

إذا علقت إدارة أوباما المترددة جداً في حبال الحرب السورية، فستُعامل إيران على الأرجح بالدرجة ذاتها من الحذر، تماماً كما فعلت إدارة بوش الأكثر تشدداً، متفاديةً أي مواجهة مباشرة مع إيران وممتنعةً عن إصدار أي تحذيرات بشأن برنامج إيران النووي. نتيجة لذلك، ستزداد إيران جرأة واستعداداً لاجتياز العتبة النووية وتأكيد هيمنتها في المنطقة.

لا شك أن انتصار الثوار الحاسم في سورية وسقوط سلالة الأسد سيشكلان ضربة قوية لإيران، نظراً إلى أن سورية كانت دوماً سبيل إيران الأهم إلى "حزب الله" التابع لها، ولكن من المستبعد أن يحقق الثوار النصر من دون تدخل أميركي حاسم واسع النطاق.

ولكن نظراً إلى الضغوط العامة المتنامية لوقف العنف، قد تبدأ واشنطن قريباً تدخلاً تدريجياً يعمّق تورطها ببطء من دون أن يؤدي إلى نتيجة حاسمة، لكن هذه التدابير الناقصة لن تؤثر في حكام إيران المتشددين، الذين يخوضون راهناً صراعاً بالغ الأهمية بشأن مستقبل الشرق الأوسط.

من المؤكد أن الملالي في طهران سرّوا باستدارة أوباما البارزة نحو آسيا، وهم مقتنعون أن الولايات المتحدة تريد الانعتاق من الإرث العربي، لكن التدخل الأميركي الكبير سيحمل الملالي على التوقف والتفكير. أما تنفيذ الولايات المتحدة تدخلاً متردداً في سورية، فلن يحقق أي هدف غير تقوية عزمهم.

تكمن المفارقة في أن التدخل، الذي يهدف إلى إقناع القادة الإيرانيين بأهمية الخطوط الحمراء الأميركية، قد يدفعهم إلى التفكير في أن برنامجهم النووي في مأمن من الرد الأميركي.

* راي تاكيه | Ray Takeyh

back to top