الولايات المتحدة تدفع ثمناً فادحاً بسبب المعضلة السورية

نشر في 22-09-2013
آخر تحديث 22-09-2013 | 00:01
رسم أوباما «خطوطاً حمراء» سرعان ما اختفت، نادى بأن «على الأسد أن يرحل» ولم يحرك ساكناً لتحقيق ذلك، ووعد بتسليح الثوار السوريين إلا أن السلاح لم يصل إليهم. واليوم، بعد أن استفاض في الحديث عن «ضمير الإنسانية»، تخلى عن كل ذلك مقابل السير على درب الدبلوماسية الروسية الكثير التعرجات.
 نيويورك بوست بات سلوك باراك أوباما الغريب الذي يعرض العالم لخطر التحول إلى بؤرة بالغة الخطورة، صادماً حتى بالنسبة إلى أولئك الذين يشعرون بالقلق حيال تعامل هذا الرئيس الأميركي مع أزمة الأسلحة الكيماوية السورية.

أولاً، ولَّد أوباما شعوراً بالحيرة تجاه تصريحات الرئيس الأميركي العلنية.

باستثناء جيمي كارتر، حرص كل الرؤساء الأميركيين خلال القرن الماضي على ألا يلزموا أنفسهم بأي خطوة لم يعنوها حقاً. ففي الدبلوماسية العالمية، تحمل العبارة "تكلمت الولايات المتحدة" ثقلاً خاصاً. نتيجة لذلك، صارت الكلمة الأميركية ملزمة للولايات المتحدة.

لكن أوباما استنفد مخزون الثقة هذا. قلل هذا الرجل، الذي يحب رنة صوته، من قيمة هذا الالتزام في خطاباته وظهوره المتكرر على شاشة التلفزيون. فرسم "خطوطاً حمراء" سرعان ما اختفت، نادى بأن "على الأسد أن يرحل" ولم يحرك ساكناً لتحقيق ذلك، ووعد بتسليح الثوار السوريين إلا أن السلاح لم يصل اليهم. واليوم، بعد أن استفاض في الحديث عن "ضمير الإنسانية"، تخلى عن كل ذلك مقابل السير على درب الدبلوماسية الروسية الكثير التعرجات.

يكمن الخطر الثاني في وجهة النظر القائلة إن روسيا اكتسبت على الأرجح حق النقض في بعض أوجه السياسة الخارجية الأميركية. ففي المقال الذي نشره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخيرا في New York Times، أوضح أن "حق النقض" الذي يتمتع به لا يقتصر على السياسية الخارجية، بل يشمل أيضا مواضيع ثقافية مثل "تميز" الولايات المتحدة.

يدعي بوتين أن الاتحاد السوفياتي ("إمبراطورية الشر" وفق رونالد ريغان) مساوٍ للولايات المتحدة، ويتذكر الفترة التي "كنا فيها حلفاء" خلال الحرب العالمية الثانية. لكنه نسي أن يذكر أن الاتحاد السوفياتي كان متحالفاً مع ألمانيا النازية، وأنه لم ينضم إلى الفريق الآخر إلا بعد اجتياح هتلر لأراضيه.

في طرفة عين، تراجع أوباما إلى المرتبة الثانية أمام بوتين. وحرص وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال تحدثه أخيراً في جنيف على إظهار مَن يدير الدفة حقاً، فذكر أن جولة جديدة من المحادثات بشأن سورية ستبدأ قريباً لمناقشة خطط المرحلة الانتقالية في هذا البلد. ووجه دعوة إلى إيران والمملكة العربية السعودية للمشاركة فيها.

لكن اللافت للنظر أن الصفقة التي حاكتها موسكو وتبناها أوباما تمنح بشار الأسد الحرية المطلقة ليقتل السوريين، ما دام أنه يحجم عن استعمال الأسلحة الكيماوية.

لطالما أرادت موسكو أن يبقى الأسد في السلطة حتى انتهاء ولايته في شهر مايو المقبل. وهذا بالتحديد ما قبِلَ به أوباما، بما أن الصفقة تمنح سورية حتى شهر يونيو المقبل كي تفي بوعود موسكو.

يأمل محور دمشق- موسكو- طهران سحق الثورة السورية خلال الأشهر الستة إلى السبعة التالية، ومن ثم إجراء انتخابات صورية يُعاد فيها انتخاب الأسد أو أحد أعوانه رئيساً.

بكلمات أخرى، وافقت الولايات المتحدة على التخلي عن تصريح أوباما بأن "على الأسد الرحيل" مقابل تبني المسيرة التي تقودها روسيا. وهكذا تجاهلت واقع أن الأسد مجرم حرب، مما يشكل إشارة إلى مجرمي الحرب الحاليين والمستقبليين حول العالم، إشارة تؤكد لهم أنهم يستطيعون التملص من العقاب.

ستكون الولايات المتحدة الخاسر الأكبر على الأرجح، بغض النظر عن المنحى الذي ستتخذه التطورات في سورية. فإن بقيت عصابة الأسد في السلطة، فلا تملك أي سبب يدفعها إلى التخلي عن حُماتها الروس والإيرانيين. أما إذا انتصر الثوار، فلن ينسوا بسهولة خيانة أوباما.

علاوة على ذلك، تعزز وجهة النظر، التي تعتبر أن قادة الولايات المتحدة مجرد مجموعة من الهواة (حتى إن بعضهم يتولون مناصب لا يملكون القدرة على الاضطلاع بها)، نزعات أشد خطورة.

تحدث بوتين المنتصر يوم الجمعة الماضي عن تحالف جديد "يضمن السلام والاستقرار"، وتتولى فيه روسيا، والصين، وإيران مناصب قيادية. وفي قمة عُقدت في مدينة بشكيك في قرغيزستان، استقبل قادة الدول الإحدى عشرة، التي تؤلف ما يُدعى "مجموعة شنغهاي"، بوتين استقبال البطل.

تؤكد الرسالة الضمنية التي حملها هذا الحدث أن أوباما نفر حلفاء الولايات المتحدة، ويعجز حتى عن توحيد حزبه الديمقراطي، في حين أن القائد الروسي قادر على تشكيل ائتلاف "للسلام".

تتفاخر وسائل الإعلام الروسية والإيرانية والصينية بأن "مجموعة شنغهاي" تتحول تدريجيا إلى "حلف شمال الأطلسي الأوراسي"، في حين أن حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة يبدو مشلولاً بسبب تهرب أوباما وتقلباته.

بالإضافة إلى ذلك، شجعت معمعة أوباما السورية إيران على التصلب في موقفها من المسألة النووية. ففي الخطاب الذي ألقاه الرئيس الإيراني حسن روحاني في قمة بشكيك، حاول أن يربط مسألة الأسلحة الكيماوية السورية بادعاء إسرائيل المزعوم لامتلاكها ترسانة نووية. كذلك شدد على أن طهران مستعدة لاستئناف المحادثات مع مجموعة 5+1 كي تضمن الإقرار "بحقها الشرعي" بتخصيب اليورانيوم، متجاهلة خمسة قرارات صادرة عن مجلس الأمن تطالب بوضع حد لعملية التخصيب هذه.

على نحو مماثل، ذكر رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، في مقابلة معه يوم الخميس: "نقوم بما نشاء... ولا يمكنهم فعل أي أمر حيال ذلك". كذلك تشير وسائل الإعلام الإيرانية إلى محادثات مع روسيا هدفها مساعدة إيران على بناء محطات طاقة نووية جديدة. ومن الممكن أيضا إعادة إحياء خطة مشابهة وقعتها إيران مع الصين قبل نحو عشر سنوات.

علاوة على ذلك، أقنعت وجهة النظر القائلة إن أوباما، لأسباب عقائدية وانعدام كفاءته، يقود الولايات المتحدة إلى تراجع استراتيجي دفعت دولاً كثيرة في أوروبا الشرقية، وجنوب القوقاز، ووسط آسيا، والشرق الأوسط، وأميركا اللاتينية إلى مراجعة سياساتها الخارجية.

أخيراً، تبعث المسألة السورية برسالة أخرى: رغم أن كل الدول تستطيع استخدام القوة لتفرض إرادتها (في عام 2008، اجتاحت روسيا جورجيا واحتلت 25 في المئة من أراضي تلك الدولة)، حُرمت الولايات المتحدة وحدها من حق تطبيق حتى القانون الدولي. وهذا هو نوع "التميز" الأميركي الذي ضمنه أوباما.

* أمير طاهري | Amir Taheri

back to top