روابط وثيقة... هل يمكن أن تصمد العلاقات الصينية الروسية؟

نشر في 30-03-2013
آخر تحديث 30-03-2013 | 00:01
صحيح أن تفوّق الولايات المتحدة بعد حقبة الحرب الباردة دفع البلدين إلى التقارب، لكن المعطيات الجغرافية وتنامي نفوذ الصين تضمنان أن تصبح بكين وموسكو منافستين استراتيجيتين على المدى الطويل.
 ذي دبلومات مع زيارة شي جين بينغ إلى روسيا، يبدو أن مصالح موسكو وبكين تتداخل في مسائل متزايدة بما يفوق ما يتصوره الكثيرون، فهناك إجماع سائد منذ فترة طويلة في الغرب وأماكن أخرى، بأن التصادم يبدو أنه سيكون مصير العلاقة بين الصين وروسيا. وفق هذا الخطاب، صحيح أن تفوّق الولايات المتحدة بعد حقبة الحرب الباردة دفع البلدين إلى التقارب، لكن المعطيات الجغرافية وتنامي نفوذ الصين تضمنان أن تصبح بكين وموسكو منافستين استراتيجيتين على المدى الطويل.

ثمة جانب صحيح حتماً في هذا الرأي: في الحد الأدنى، تضمن هذه العوامل أن يكون انعدام الثقة عنصراً دائماً في هذه العلاقة الثنائية. بالتالي، يتجاهل هذا الواقع مجالات التعاون المحتملة بين روسيا والصين ولا يكشف عن حقيقة العلاقة الصينية الروسية الموقتة.

إذا أردنا استخلاص استنتاج معين من رحلة الرئيس شي جين بينغ إلى روسيا، فيمكن القول إن هذه العلاقة تملك قدرة تحمل أكثر مما توقع المحللون سابقاً. ثمة أهمية رمزية وراء قرار شي جعل روسيا أول وجهة سفر له بصفته زعيم الصين الأساسي، كما أنه يولي بكل وضوح أهمية كبرى إلى هذه الزيارة.

 أمضت وسائل الإعلام الرسمية الصينية الأسبوع الماضي وهي تغطي تلك الرحلة والروابط الصينية الروسية بأدق التفاصيل، وقد قيل إن شي كان يحسّن مهاراته المحدودة في اللغة الروسية، حتى إنه حفظ بعض الأشعار الروسية لإعطاء انطباع قوي أمام مضيفيه. نظراً إلى رغبة موسكو الشديدة في أن يعتبرها الجميع قوة عظمى، عمد شي على الأرجح إلى وضع بوتين ورفاقه على رأس رحلاته الخارجية.

قد تكون رحلة شي حدثاً يقع لمرة واحدة، لكن ترتكز العلاقة الصينية الروسية المتنامية على تعاون طويل الأمد. بعد ساعات قليلة من وصول شي إلى روسيا يوم الجمعة، أعلن رئيس شركة الطاقة الروسية العملاقة «روسنفت» أن الشركة توصلت إلى «اتفاق مبدئي» لزيادة صادراتها النفطية السنوية إلى الصين بأكثر من ثلاثة أضعاف، من 15 مليون طن في السنة الماضية إلى 45 أو 50 مليون طن في تاريخ غير محدد من المستقبل (بحلول عام 2018 على الأرجح). هكذا ستصبح الصين أكبر جهة تستهلك النفط الروسي. كجزءٍ من الاتفاق، ستطور شركة «روسنفت» و»شركة البترول الوطنية الصينية» بشكل مشترك 3 منشآت نفطية بحرية بالقرب من بحر بارينتس فضلاً عن إنشاء 8 مستودعات تخزين برية في شرق سيبيريا.

كذلك، تتوقع شركة «غازبروم» عقد اتفاق أخيراً مع بكين في نهاية هذا الشهر على أن ينص على تصدير 38 مليار متر مكعب من الغاز إلى الصين سنوياً. يُقال أيضاً إن شركة «غازبروم» تسعى إلى الحصول على قرض كجزءٍ من هذه الصفقة لبناء خط أنابيب لنقل الغاز إلى الصين عبر سيبيريا، بما يشبه القرض الذي وفرته الصين إلى شركة «روسنفت» بقيمة 25 مليار دولار في عام 2009 من أجل بناء خط أنابيب نفط بين شرق سيبيريا والمحيط الهادئ.

ثمة مصالح مشتركة مهمة بين الفريقين في ما يخص التعاون في مجال الطاقة. تتوقع شركة النفط البريطانية (BP) أن يُسجَّل أكثر من نصف ارتفاع الطلب على السوائل العالمية في عام 2030 في الصين، وسيصبح حينها استهلاك الغاز اليومي في بكين (46 مليار قدم مكعب) مساوياً لمجموع استهلاك الغاز في الاتحاد الأوروبي في عام 2010. بدأت الصين منذ الآن تنافس الولايات المتحدة على مستوى صادرات النفط، وتتوقع شركة النفط البريطانية أن تسجل الصين والهند %94 من زيادة الطلب على النفط الخام بحلول عام 2030. وفق «إدارة معلومات الطاقة»، ستستورد الصين %75 من النفط الذي تستهلكه في عام 2035.

يطرح هذا الوضع كله عدداً من المعضلات في وجه صانعي السياسة الصينيين بما أن البحرية الأميركية تسيطر على الممرات البحرية العالمية. على الرغم من ارتفاع الميزانية العسكرية بنسبة تفوق العشرة في المئة خلال عقد من الزمن، فإن اتكال الصين المتزايد على الطاقة الخارجية قدرتها على زعزعة مكانة القوات البحرية الأميركية والمتحالفة. في هذا السياق، اعتبر زميلي روري ميدكالف حديثاً أن أوساط الدفاع الأميركية لاحظت جميع هذه التطورات.

يبدو أن احتياطيات النفط والغاز في روسيا ستكون حتماً من أكبر مصادر الطاقة التي تمر بطرقات برية إلى الصين، لذا ستبقى محصّنة في وجه أي اضطرابات في البحر. لكن يصعب تقييم مصلحة روسيا في اختراق أسواق الطاقة الصينية. لا يزال الاقتصاد الروسي يتكل بشدة على صادرات الطاقة التي لا تفيد موسكو كثيراً نظراً إلى ثورة الطاقة العالمية الحاصلة راهناً. في حال إبرام اتفاقية في مجال التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قد تصل هيمنة روسيا على أسواق الطاقة في الاتحاد الأوروبي إلى نهايتها. في تلك المرحلة، سيتوقف استمرار الحيوية الاقتصادية في موسكو على الدول الآسيوية، وعلى رأسها الصين والهند.

Zachary Keck

back to top