في المسألة الإيرانية... مازال أمامنا وقت!

نشر في 17-02-2013
آخر تحديث 17-02-2013 | 00:01
هناك مدرسة تقول إن أفضل أسلوب «لاختبار» إيران هو عرض اتفاق نووي نهائي يعِد بتخفيف العقوبات مقابل تنازلات كبيرة من طهران. وإذا أخفقت إيران في استغلال هذا الاقتراح، يكون ذلك برهاناً قاطعاً محلياً ودولياً على أن سبب الجمود ليس العدائية الأميركية، بل التعنت الإيراني.
 سي إف آر في السادس والعشرين من فبراير، ستستأنف الولايات المتحدة وإيران مرة أخرى عاداتهما الدبلوماسية في ما يُدعى محادثات مجموعة الدول الست بشأن برنامج إيران النووي المتنازع عليه. وبينما يراقب هذان العدوان القديمان أحدهما الآخر عن كثب، نرى اليوم عدداً من النماذج المتضاربة بشأن الطريقة الأنسب للتعامل مع طهران.

تذكر مدرسة أفكار جديدة ناشئة أن الأسلوب الأفضل "لاختبار" إيران يقوم على عرض اتفاق نووي نهائي على هذه الدولة يعِد بتخفيف العقوبات إلى حد ما مقابل الحصول على تنازلات كبيرة من طهران. وإذا أخفقت إيران في استغلال هذا الاقتراح، يكون ذلك برهاناً قاطعاً للمجتمع المحلي والدولي على أن سبب هذا الجمود ليس العدائية الأميركية، بل التعنت الإيراني.

لكن تلك المقاربة لا تأخذ في الاعتبار أن عملية ضبط السلاح هي بالضرورة عملية تصاعدية، فضلاً عن أنها لا تقدم أي بديل عملي لدبلوماسية "الخطوة الخطوة" المعتمدة راهناً.

يشمل برنامج إيران النووي مجموعة واسعة من منشآت التخصيب، ومحطات بناء أجهزة الطرد المركزي، وشركات استخراج اليورانيوم، وآلاف العلماء في مختبرات الجامعات والحكومة. تخصب إيران اليورانيوم إلى نسبتَي 5% و20% على حد سواء، مجريةً التجارب على أجهزة طرد عالية السرعة. ويبدو أنها تعمل راهنًا على بناء المزيد من منشآت التخصيب.

لا يمكن التعاطي مع برنامج مماثل للبرنامج الإيراني المتعدد الطبقات والوجوه إلا بشكل تدريجي، بما أن التفاصيل التقنية والقواعد الخاصة بعمليات التفتيش أكثر تعقيداً من أن تُعالج في اتفاق واحد.

علاوة على ذلك، في حال عرضت الولايات المتحدة على إيران اتفاقاً نهائياً، يبقى لطهران الحق في الاعتراض على بنوده والتفاوض بشأنها، مقدمةً اقتراحات مقابلة. ومن المستبعد أن يقبل المجتمع الدولي بفرض المزيد من العقوبات أو باللجوء إلى القوة قبل أن تُؤخذ اعتراضات إيران كلها في الاعتبار. لذلك ستغرق الصفقة الكبرى، التي يُفترض بها أن تؤدي إلى لحظة من الوضوح والصفاء، في عملية ضبط الأسلحة الحالية الطويلة.

من العقبات الأخرى ظهور مجموعات بين الشعب والنقاد في إيران تؤيد استمرار هذا البرنامج. فنشهد اليوم تنامياً لشعور عام يعتبر أن إيران تملك الحق في تطوير قدرات نووية. ومع تقدم هذا البرنامج النووي، يتحول إلى مصدر فخر للشعب الذي اعتاد إخفاقات الثورة وأوجهها السلبية.

علاوة على ذلك، تنشأ اليوم مؤسسة بيروقراطية وعلمية تملك اعتباراتها الخاصة لدعم هذا الاستثمار النووي، فلا يمكن لقيادة دينية تتعاطى مع شعب كثير الاضطرابات وأجهزة أمنية نافذة أن تتخلى بسهولة عن ورقتها النووية الرابحة.

يُظهر كل ما تقدم أن الطريقة الفضلى للتعاطي مع التحدي النووي الإيراني تقوم على التخفيف من أبعاده الخطيرة. يجب أن يبقى التركيز على تخصيب إيران اليورانيوم إلى نسب عالية وعلى منشآتها النووية تحت الأرض المخبأة في الجبال خارج مدينة قم. توصلت طهران، على ما يبدو، إلى مسار عبقري يتيح لها تحقيق التقدم النووي، مسار يشمل زيادة جهازها الذري المدني حجماً وتعقيداً إلى درجة تسمح لها بالعبور بشكل سريع ومفاجئ إلى القنبلة. تعمل إيران، من دون انتهاك قواعد عملية التفتيش التي تقودها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على توسيع قدراتها، مخبئةً إياها تحت غطاء القانون. فبما أن إيران تستطيع استخدام الكثير من التقنيات النووية المدنية لأهداف عسكرية، يمكنها أن تؤسس بنية تحتية نووية من دون أن تتخطى توجيهات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

يكمن التحدي الدبلوماسي في عرقلة مسار تطوير السلاح النووي هذا بفرض قيود كبيرة على برنامج إيران النووي. وما زال بإمكاننا تحقيق ذلك من خلال عملية تتقدم بشكل تدريجي ومتوالٍ.

من الحكمة أن يتخلص المسؤولون الأميركيون من حالة الذعر التي أصابتهم، ويمنحوا هذه العملية الدبلوماسية بعض الوقت. لطالما بدت المسألة الإيرانية ملحة، ولكن يتوافر دوماً وقت للتعاطي معها. على واشنطن أن تقر بما يبدو جلياً. فبالنظر إلى مقاربة إيران التدريجية، قد تمر سنوات قبل أن تمتلك بنية تحتية فاعلة لتخصيب اليورانيوم، تبني ترسانة نووية، وتطور أساليب لإيصالها إلى هدفها. وإذا ارتضت الولايات المتحدة بجدول زمني مضغوط، فإنها تحد بذلك من خياراتها وتجعل التوصل إلى حل أكثر صعوبة.

وبينما تقيم الولايات المتحدة مرة أخرى المأزق الإيراني، عليها أن تتجاهل الدعوات إلى صفقة نهائية. فتاريخ المواجهة بين إيران والمجتمع الدولي يوحي بأن الإصرار على اعتبار هذا الوضع أزمة ملحة لا يفيد إلا الجمهورية الإسلامية. والمفارقة أن القوى الغربية هي مَن أوجد هذه الظروف الملحة. وللتخلص من المأزق الذي صنعته أيديها، تقدم لإيران المزيد من التنازلات والحوافز.

لتفادي تكرار هذه النتيجة، من الحكمة أن نتمتع بحس التناسبية وأن نعلي من شأنه، وأن نعرف جيدا أن مرور الوقت يخدم في النهاية مصالح الولايات المتحدة لا تلك الثيوقراطية التي ترزح تحت أعبائها الاقتصادية.

* راي تاكيه | Ray Takeyh

back to top