وهم التسوية في سورية

نشر في 21-03-2013
آخر تحديث 21-03-2013 | 00:01
من المؤسف أن الظروف الدولية مع تواصل الخلاف بين الشركاء عبر الأطلسي مستمرة حول إمكان التوصل إلى تسوية لإنهاء حالة الجمود المميتة هذه في سورية، إذ تُصوِّر رسالة النظام الوحيدة الانتفاضة كعمل مرتزقة وإرهابيين يقومون دوماً بذبح أنصارهم من الشعب ليلقوا اللوم على النظام.
 جي ام اف شهد 15 مارس الذكرى الثانية للانتفاضة في سورية، إذ تطورت هذه الحركة بادئ الأمر وكلها أمل أن تحقق أهم التوقعات في الربيع العربي: تظاهرات سلمية شاملة تدعمها حركة اجتماعية مدنية تشكّلت وتنظّمت رغم القمع، ولكن بعد مرور سنتين، تحوّلت هذه الانتفاضة تدريجيّاً إلى حرب داخلية شرسة، فحلت محل التظاهرات السلمية الحاشدة والأغاني المليئة بالأمل أصوات ومشاهد الحرب والمجازر.

من الواضح أن التراجع السوري يعود إلى القوى المحلية، وإن تفاقم بفعل التدخل الإقليمي والدولي، فقد تمكّن نظام بشار الأسد من الاستمرار حتى اليوم بسبب تلاعبه بنجاح في الخلافات الدولية وغياب التصميم العالمي. ومن المؤسف أن هذه الظروف الدولية مستمرة مع تواصل الخلاف بين الشركاء عبر الأطلسي حول إمكان التوصل إلى تسوية لإنهاء حالة الجمود المميتة هذه في سورية.

تُصوِّر رسالة النظام الوحيدة الانتفاضة كعمل مرتزقة وإرهابيين يقومون دوماً بذبح أنصارهم من الشعب ليلقوا اللوم على النظام. صحيح أن هذه الرواية قد تبدو بالغة الغرابة بالنسبة إلى المراقب الأجنبي، لكن أعوان النظام في سورية وغيرها من الدول يحاولون نشرها بعناد، إلا أن هذه الرواية لا تترك أي مجال للتسوية: فمن الضروري إفشال المؤامرة والقضاء على المجرمين.

نتيجة لذلك، استطاع النظام تحقيق ثلاثة نجاحات تكتيكية: حوّل الفظائع إلى أمر طبيعي وسلوك عام في الحرب، ودفع المجتمع الدولي إلى القبول بأعداد الضحايا اليومية الكبيرة. ثانياً، أعاد تشكيل الصراع في وسائل الإعلام وإلى حد ما على الأرض، مصوراً إياه كصراع ضد الأصولية. وثالثاً، قوّض ما يكفي من البنية التحتية السورية، ويهدد بمواصلة عمله هذا كي يضمن أنه ما من دولة فاعلة قد تنشأ بعد انهياره.

بينما تمسكت دمشق بقناعاتها غير الحقيقية هذه، حاول الغرب وحلفاؤه اختبار الدعوات إلى وقف لإطلاق النار، بعثات المراقبين، والوعود بالتوصل إلى تسوية، لكن وجه الثورة السورية الذي قلما نتطرق إليه يبقى أن المقاومة المدنية التي تتصدى لقوة نظام الأسد الظالمة تواصل تحليها بثبات ومرونة مذهلين. فلا تنفك اللجان المحلية تقدّم الخدمات وتحرص على صون التماسك الاجتماعي. في الوقت عينه، ما زالت المقاومة تتألف من تشكيلات كثيرة من المقاتلين المسلحين التي لا تجمع بينها روابط قوية وتفتقر إلى القيادة الموحدة العالية المصداقية. تعود الطبيعة المجزأة لهذه المقاومة المسلحة إلى سياسات التقسيم والعزلة الاجتماعيين التي طبقتها دمشق طوال عقود، لكنها تعكس أيضاً غياب الوحدة بين الداعمين الخارجيين لهذه الانتفاضة.

طالبت المعارضة في المنفى باستمرار بتوحيد الوسائل المتعددة لتمويل هؤلاء المقاتلين ومدهم بالسلاح، إلا أن هذا المطلب لم يلقَ بعد أذاناً صاغية، لكن الإخفاق في تنسيق الدعم الذي يقدّمه الغرب وشركاؤه الإقليميون يعود بدوره إلى الفشل في التوصل إلى رؤية مشتركة بشأن الطريقة الفضلى للتعاطي مع نظام يستفيد من دعم متماسك ومحدَّد من حلفائه (إيران وحزب الله وإلى حد ما روسيا).

بغض النظر عن النجاحات التكتيكية التي حققها، فمن شبه المستحيل أن يستمر هذا النظام في دمشق، إن لم يرتكب إبادة جماعية فيما يكتفي المجتمع الدولي بالوقوف مكتوف اليدين ويراقب ما يحدث، فما من سيناريو قد يعيد حكم الخوف إلى سورية، ولكن يستمد النظام العزاء من سعي كثيرين في الغرب بشكل متواصل للتوصل إلى تسوية لأنهم يعتقدون أن النظام قد يقبل بتدبير يحفظ ماء الوجه وينقذ في الوقت عينه الشعب السوري من مأساة أكبر. لكن سجل دمشق الطويل يشير إلى أن هذا المسعى لن يطيل عمر النظام أو يعزز قدرته على إنزال الموت والدمار بشعبه المنهك؛ لذلك من الأفضل للعالم أن يحاول المجتمع عبر الأطلسي محاسبة النظام على الخطوط الحمراء الكثيرة التي تجاوزها حتى اليوم.

* Hassan Mneimneh

back to top