لمَ لن تتحرك إيران رداً على ضرب سورية؟

نشر في 14-09-2013
آخر تحديث 14-09-2013 | 00:01
لاحظنا الإشارة الأولى للنأي بإيران عن مسار سورية حين أرسل الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني برقية موجزة إلى الأسد يشكره فيها على رسالة التهنئة التي بعث إليه بها قبل أيام، وفي المقابل، اتصل الرئيس روحاني هاتفياً برؤساء 12 «دولة صديقة» أخرى كانوا قد أرسلوا إليه تهنئتهم.
 نيويورك بوست بينما تواصل واشنطن البحث والتفكير في مسألة الخطوات التي يجب اتخاذها ضد الرئيس السوري المستبد بشار الأسد، يفترض الشرق الأوسط أن هذا الهجوم سيُنفذ، وأنه قد يؤثر في نتيجة الحرب الأهلية، لكن المفاجأة الحقيقية تكمن في أن إيران تعدل أوجهاً من سياستها لتتكيف مع ما دعته صحيفة "كيهان" اليومية "عواقب الاعتداء المقبل".

لطالما ادعى مَن يبررون أعمال الأسد أن أي هجوم على النظام سيؤدي إلى رد إيراني قوي قد يتحول إلى حرب إقليمية تشمل حتى روسيا.

ولكن كيف ستتصرف إيران فعلا في حال نفذت الولايات المتحدة ضرباتها العسكرية؟ الجواب باختصار: لا شيء، أو بالأحرى لا شيء باستثناء الخطوات الدبلوماسية، فقد حرصت طهران طوال الأسبوعين الماضيين على إرسال إشارات واضحة إلى أنها لا تريد التورط في المستنقع السوري.

لاحظنا الإشارة الأولى حين أرسل الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني برقية موجزة إلى الأسد يشكره فيها على رسالة التهنئة التي بعث إليه بها قبل أيام. في المقابل، اتصل الرئيس روحاني هاتفياً برؤساء 12 "دولة صديقة" أخرى كانوا قد أرسلوا إليه تهنئتهم.

ووردت الإشارة الثانية في لائحة روحاني لرحلاته إلى الخارج، فقد خطط الرئيس للقيام بثماني زيارات لدول أجنبية قبل نهاية السنة، بما فيها قرغيزستان ونيويورك، إلا أنه لن يزور دمشق، كذلك يخطط للاجتماع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والصيني زي جينبينغ، غير أنه لن يلتقي الأسد، بالإضافة إلى ذلك، سيستقبل عدداً من القادة الأجانب، بمن فيهم سلطان عمان، بيد أن اسم الأسد لا يرد بينهم.

يتعارض هذا مع ما قام به الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي توجه شخصياً إلى دمشق وأرسل وزراء الدفاع والداخلية والخارجية في حكومته إلى سورية لطمأنة الأسد.

جاءت الإشارة الثالثة حين أرسلت طهران وفداً برلمانيا إلى دمشق لتفقد "الأوضاع الإنسانية" في سورية، وهو في طريقه إلى لبنان. أخبر عضوان من هذا الوفد، هما فتح الله الحسيني وعلي بيكدلي، وسائل الإعلام في طهران أنهما وجدا الأسد "مستعدا للضربات الأميركية"، لكن أوضح كلاهما أن الوفد لا يملك أي تفويض لتقديم الوعود للأسد.

تقوم الإشارة الرابعة على تقارير في وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية "توضح" الاتفاق الدفاعي الذي وقعه الملالي مع الأسد خلال عهد أحمدي نجاد، فقد ذكر تقرير صادر عن وكالة أنباء فارس، التي يديرها حرس الثورة، "أن هذه الوثيقة اتفاق دفاعي لا معاهدة. وتشمل التدريب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتشاور بين المسؤولين". ويعني ذلك بكلمات أخرى أن إيران غير ملتزمة بالدفاع عن سورية ضد أي اعتداءات خارجية، بخلاف ما ذُكر خلال فترة توقيع هذا الاتفاق.

جاءت الإشارة الخامسة من خلال تقارير إعلامية في طهران تؤكد أن إيران بعثت برسالة عن سورية إلى واشنطن عبر العراق، فوفق مصادر طهران، حمل هذه الرسالة إلى الولايات المتحدة يوم الثلاثاء الماضي فالح فياض، مستشار الأمن القومي في العراق، وفي هذه الرسالة، أعلمت إيران الولايات المتحدة بمواقع "أصول إيرانية بالغة الأهمية" في سورية يجب ألا تُدرَج في لائحة الأهداف الأميركية. وقدمت إيران، في المقابل، ضمانات أكدت فيها أن أيا من "مراكزها الثقافية" الأربعة عشر في أرجاء سورية المختلفة لن يُستخدم كمخبأ للأسلحة الكيماوية وغيرها من المواد الحساسة.

لاحظنا الإشارة السادسة عندما ذكر الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني في اجتماعات في أصفهان وساري أن "الأسد استخدم أسلحة كيماوية ضد شعبه"، وأن "عليه توقع هجوم". صحيح أن روحاني رفض التعليق على تحليل رفسنجاني، إلا أنه لم يكرر أيضا ادعاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السخيف أن ذلك الاعتداء لم يحصل، وإن حدث، فهو من عمل المعارضة.

أما الإشارة الأخيرة والأكثر أهمية، فصدرت عن "المرشد الأعلى" علي خامنئي، ففي خطاب ألقاه أمام كبار المسؤولين في النظام الإيراني الأسبوع الماضي، ادعى أن الولايات المتحدة تحاول "تأجيج النار" في سورية، إلا أنها ستخسر في النهاية لأن أعمالها "ستعزز كره الأميركيين". رغم ذلك، لم يردد مرة واحدة شعاره السابق عن أن أي اعتداء على سورية سيكون بمنزلة اعتداء على جمهوريته الإسلامية.

وفي تعليق على خطاب خامنئي، ذكرت صحيفة "كيهان" (التي ينشرها مكتبه) أن الدفاع عن سورية "واجب العالم الإسلامي"، ما يعني أنه ليس واجب إيران وحدها.

لا شك أن إيران ما زالت متعاطفة مع الأسد، وإن نُفذت الضربات، فستصدر عنها جلبة كبيرة، كذلك سنشهد المسيرات المنددة المعهودة وحرق الأعلام الأميركية والفرنسية، ولكن من المستبعد أن تطلب طهران من "حزب الله" المشاركة في القتال، وذلك لسببين.

أولاً، طمأن تصريح الرئيس باراك أوباما طهران إلى أن هدف الضربة المقترحة ليس تغيير النظام، بكلمات أخرى، تريد واشنطن جرح الأسد لا قتله، وتستطيع طهران تقبل أمر مماثل.

ثانياً، تدرك طهران أن التورط في المعمعة السورية قد يقوض استراتيجية خامنئي التي تقوم على خداع الغرب خلال المحادثات النووية، فقد أُدخل بيدق جديد، روحاني، إلى اللعب لتأدية دور المعتدل، ولا يمكنه الاضطلاع بهذا الدور إن تدخلت إيران بوضوح في حرب أميركية ضد سورية.

* أمير طاهري | Amir Taheri

back to top