سمير درويش: «غرام افتراضي» يوميات الثورة والحب

نشر في 20-01-2013 | 00:01
آخر تحديث 20-01-2013 | 00:01
«غرام افتراضي» أحدث دواوين الشاعر المصري سمير درويش، والعاشر في تجربة إبداعية متفردة بدأت بديوانه «قطوفها وسيوفي» وحتى عمله الأخير، ليتجاوز مرحلة الغنائية إلى تداخل الأصوات والألوان، وامتزاج العاطفي بالإنساني والوطني، وتتشكل قصائده بنبض اليوميات والتأريخ الشعري لأحداث ما بعد ثورة يناير.
لماذا اخترت لديوانك الأخير «غرام افتراضي» نبض اليوميات وحوارية بين رجل وامرأة؟

يجتهد الشاعر ليعثر على الصيغ والأشكال الجمالية التي لا يكرر نفسه خلالها، وصيغة قصائد «غرام افتراضي» جاءت عفوية، حيث كتبت على صفحتي على «فيسبوك» ثلاثة أسطر بدأتها بـ{قالت لي»، وفوجئت بحفاوة من أصدقائي، وتكرر الأمر في اليوم التالي حين كتبت عدة أسطر أخرى، ووجدتني منقادًا إلى هذه الصيغة الجمالية والجديدة تمامًا على تجربتي، والتعامل مع الافتراضي كأنه واقعي ملموس.

ما دلالة ذكر تواريخ كتابة القصائد وتأثيرها على تفاعل المتلقي مع رؤيتك الشعرية؟

طوال عام 2001 كنت أكتب «يوميات» شعرية في أسطر عدة، وحاولت في هذه التجربة وحتى الآن أن أكتب الهامشي وغير المهم واليومي، لا أن أختار لحظة فارقة وأتعامل معها وكأنها عادية كما يفعل البعض. من هنا، جاء اهتمامي بتسجيل التاريخ، أولاً كشاهد على الزمن الذي كتب فيه، وثانيًا كراصد لتطور تجربتي الشعرية من داخلها، وكونها جزءاً من مشهد شعري عام.

ألا ترى أن «غرام افتراضي» عبَّر عن أحداث ما بعد ثورة يناير من دون الوقوع في شرك المباشرة؟

أتمنى ذلك، فأنا أكتب قصيدة إنسانية عامة يختلط فيها العاطفي بالإنساني بالوطني، وأتصور ألا مجال في هذا الزمن لقصائد موجهة لغرض واحد، فالقصيدة الحديثة تتحدث عن الثورة في معرض حديثها عن زحام الباصات مثلاً، أو هدوء الشوارع الجانبية في النصف الأخير من الليل، أو نفير السيارات وعوادمها.

 

كيف تنظر إلى العلاقة بين أيديولوجية الشاعر وجماليات القصيدة؟

حينما يكتب الشاعر قصيدته يكون شفافًا، لا شيء يسكنه سوى الشعر، لا أيديولوجيا ولا تاريخ ولا جغرافيا، كلها تتسرب إلى قاع حواسه ويخفت تأثيرها إلى الدرجة الدنيا، ولا يعني ذلك انتفاء العلاقة ولا وجودها أيضًا، لكن قوانين الشعر وجمالياته وآليات كتابته تكون لها السيطرة الأولى، وتتسرب هذه المؤثرات حثيثًا إلى المعنى، وربما إلى الشكل، وفي الكتابة الثانية والثالثة للقصيدة، وبما لا يؤثر ذلك على بناء القصيدة الجمالي وشعريتها.

لماذا انتصر الديوان لجدلية الذات والتفاصيل الحياتية وأسئلة الوجود الإنساني؟

 ببساطة لأنني أكتب ما أعرف، هكذا أرى دور الشعر. فقد زال هم النبوة عن الشاعر فأضحى إنسانًا، يحب ويكره ويلعب ويشتغل ويتألم ويفرح ويُجنّ، إضافة إلى أن الصدق يفتح أعماق هذا المجتمع المتواري ويكشف هواة الكذب وتضليل الآخر، والشعر الجديد، ومنه شعري، يحاول كشف الواقع بجلاء.

هل ترى أن الديوان يحمل تناولاً مغايراً للشعراء الأسلاف عن الحب وعلاقة الرجل بالمرأة؟

المرأة في شعري هي امرأتي أنا، ليست ليلى ولا عبلة ولا بثينة، ليست امرأة عامة من ابتكار تاريخ الشعر كما فعل السابقون. امرأتي من لحم ودم، تستطيع أن تقبض على ملامحها وصفاتها، وربما تستطيع أن تعرف اسمها. أضف إلى ذلك أن «غرام افتراضي» هو جدل عن بعد في مجال كان افتراضيًّا، وأصبح أكثر من حقيقي، وتشكل الرواية مجتمعًا شاسعًا بديلاً للخجولين أمثالي.

هل يمكن اعتبار الديوان معارضة شعرية لديوان الراحل حلمي سالم «الغرام المسلح»؟

 حلمي سالم أقرب الشعراء العرب المعاصرين إلى ذائقتي، بعد شوقي وصلاح عبد الصبور، كذلك اقتربت منه في فترة من حياتي وأدين له بالفضل في مواقف عدة. لكنني أتصور أن تجربتي لا تشبه تجربته، فأنا أرى أن قصيدة النثر تخلصت من المجاز وهو كان كثير اللجوء إليه، كذلك حين انتقلت إلى قصيدة النثر كان عن قناعة أن قصيدة التفعيلة فقدت مبررات وجودها حين تشبعت جماليًّا بشكل تصعب الإضافة إليه، وهو كان يراوح بين التفعيلة والنثر، وقد فعل ذلك في «الغرام المسلح» ذاته، هذا الديوان الذي لا يشبه ديواني إلا في كلمة «غرام».

كيف تنظر إلى المسافة التي قطعتها كشاعر يطمح إلى التفرد بين ديوانك الأول «قطوفها وسيوفي» والأخير؟

بعد إصدار عشرة دواوين أتصور أن تجربتي فيها الثابت الذي يدل على وجود بصمة ما، والمتحول الذي أضاف إليها وطورها وعمقها. مثلاً، كانت تجربتي في بداياتها غنائية، يغلب عليها الموضوع الواحد والصوت الواحد واللون الواحد، فأصبحت مركبة، تتصارع وتتداخل فيها الموضوعات والأصوات والألوان، ولا تهتم بالإيقاع الظاهر، ولا الباطن في أغلب الأحيان.

هل تتفق مع مقولة الناقد الراحل رجاء النقاش إن قصيدة النثر شلال هادر لم يصبح نهراً حتى الآن؟

حين تصبح نهرًا ستضحى مملة، وحينها سأهجرها إلى غيرها!

ما تفسيرك لغياب الدور النقدي عن متابعة الإبداع في السنوات الأخيرة؟

 أرى أن النقد العربي تخلف عن الإبداع بعشرات السنوات، فلا يوجد لدينا ناقد يستشرف المستقبل ويرعى مواهب ويوجهها كما كان يفعل لويس عوض مع صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي، والنقد الآن تابع وينحصر دوره في تبرير النصوص وشرحها، وحتى حين يفعل ذلك يفعله بلا إبداع.

 

كيف ترى الانفجار الشعري الذي أعقب ثورة يناير وارتكان معظم الشعراء إلى المباشرة للتعبير عن الأحداث المتلاحقة؟

لم يكتب شعر الثورة بعد لأن الثورة نفسها لم تكتمل، وبالطبع هذا لم يمنع البعض من كتابة قصائد فرح ومديح بالفعل الثوري ومن بينهم شعراء كبار، لكنني لم ولن أفعل ذلك، فالثورة في رأيي عمل يومي، تظاهر ورجوع، ارتفاع وانخفاض، أمل وألم، وعلى هذا النحو ظهرت في قصائدي كجزء من نشاط يومي غير منفصل، وهذا لا يصادر على المستقبل، ولا ينفي أنني قد أحتاج إلى الكتابة عنها في مرحلة لاحقة. عمومًا، الشعر الذي كتب تحت لافتة الثورة حتى الآن يحتاج إلى مراجعة.

back to top