هل باكستان دولة فاشلة؟

نشر في 08-05-2013
آخر تحديث 08-05-2013 | 00:01
تشير استطلاعات الرأي إلى أن نواز شريف من «الرابطة الإسلامية الباكستانية» يتمتع بحظ أوفر في الانتخابات، مع أن الانعكاسات غير الأكيدة لعودة الدكتاتور السابق برويز مشرف وجهود عمران خان، بطل لعبة الكريكت، يثيران الكثير من الشكوك حيال نتيجتها.
 يال غلوبل من المتوقع في الحادي عشر من مايو أن يذهب الباكستانيون إلى صناديق الاقتراع ويحتفلوا بانتقال السلطة بعد ما يُعتبر فترة من الحكم المدني النادر دامت خمس سنوات. قد تؤدي الانتخابات إلى فترة جديدة من الحكم المدني، أو ربما لا، إذ يعمل النظام السياسي في باكستان راهناً في ظل القوة العسكرية والتطرف الديني؛ لذلك يحتاج إلى إصلاح أساسي، وإلا ستتحول باكستان إلى دولة فاشلة.

زرت باكستان للمرة الأولى في ديسمبر عام 1958، بعد أسبوعَين من استبدال حكومة إسكندر ميرزا المدنية بحكم محمد أيوب خان الذي تبين أنه دكتاتور خيِّر، إلى أن بدأ يشجع الحرب مع الهند عام 1965. وهكذا، حظيت باكستان منذ استقلالها قبل 65 سنة بأربعين عاماً من الحكم العسكري.

ستشكل الانتخابات المقبلة امتحاناً لقائد حزب الشعب الباكستاني، آصف علي زرداري، الذي خلف بنظير بوتو، زوجته التي تعرضت للاغتيال. تشير استطلاعات الرأي إلى أن نواز شريف من "الرابطة الإسلامية الباكستانية" يتمتع بحظ أوفر في الانتخابات، مع أن الانعكاسات غير الأكيدة لعودة الدكتاتور السابق برويز مشرف وجهود عمران خان، بطل لعبة الكريكت، يثيران الكثير من الشكوك حيال نتيجتها. فلم يكن الاستقبال الذي تلقاه مشرف لدى عودته من المنفى الاختياري في الخارج على قدر التوقعات، كذلك أُلقي القبض عليه بأمر من المحكمة بتهمة انتهاك الدستور، لكن قيمته وتأثيره لا يزالان قائمين، وفي المقابل، واجهت حملة خان في لاهور الكثير من الاضطرابات أخيراً، ومع أن الجيش يدعمه فقد برزت تساؤلات عدة حول قدرته على الاحتفاظ بجاذبيته الراهنة.

بغض النظر عمّن سيتسلم السلطة، لا تزال باكستان تتأرجح على حافة هاوية "عدم القدرة على الحكم"، فتزداد نسختها الخاصة من حركة "طالبان" وروابطها مع "طالبان" أفغانستان تعقيداً بسبب تأثير الاستخبارات الباكستانية الغامض والقوي.

ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن باكستان حظيت بين أواخر خمسينيات القرن الماضي وستينياته بالتقدير بصفتها نموذجاً تنموياً. فجذبت انتباه الاقتصاديين التنمويين، بخلاف الهند التي كانت آنذاك متأخرة، ولكن بعد عام 1990، حين بدأت تأثيرات الإصلاحات تبرز في الهند، انقلب الوضع رأساً على عقب، فراحت الهند تسير على الدرب نحو تطوير اقتصاد متوسط الحجم، في حين أن اقتصاد باكستان، في ظل غياب الإصلاح، ظل متعثرا وفي حالة يُرثى لها.

رفضت باكستان طوال عقود فرض ضريبة على الأسياد الإقطاعيين، ما أدى إلى بلوغ معدل الضريبة/الناتج المحلي الإجمالي 12%، واعتماده بإفراط على الهبات الأجنبية، مع تأكيد 99% من السكان فساد الموظفين. فمن بين سكان باكستان البالغ عددهم 183 مليون نسمة هناك 860 ألفاً فقط يدفعون الضرائب. أما العفو الذي قُدم في شهر ديسمبر عام 2012 للمتهربين من الضرائب الأثرياء واقتضى بأن يدفعوا غرامة قدرها 40 ألف روبية عن الدخل غير المصرح عنه وأي أصول تصل قيمتها إلى 5 ملايين روبية، فلم يلقَ تجاوبا يُذكر. كذلك، تعاني باكستان راهنا العجز مع ارتفاع أسعار النفط المستورَد الذي ترافق مع تراجع أسعار القطن المصدر. فضلاً عن ذلك، لم تتخطَ احتياطات العملات الأجنبية أخيرا الثلاثة عشر ملياراً، أي أدنى من متطلبات الاستيراد لمدة شهرين. كذلك خُفضت قيمة الروبية بأكثر من 40% منذ عام 2007.

علاوة على ذلك، يُعتبر قطاع التعليم الباكستاني أكثر تأخراً مما نشهده في بنغلادش، ويُنفَق أقل من 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي الباكستاني على الصحة، كذلك تبلغ نسبة مَن يجيدون القراءة والكتابة في هذا البلد 53% فقط ويصل الفقر إلى نسبة 24%، مع بلوغ معامل جيني 0.41، وهو مقياس يُظهر عدم المساواة في الدخل، علماً أن صفر يشير إلى عدالة تامة في توزيع الدخل القومي. ومع أن النمو السكاني تراجع منذ أواخر الثمانينيات، فإنه ما زال الأعلى في شبه القارة. كذلك يبلغ العجز في الموازنة 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي، متخطيا هدف الـ4.7% الذي وضعته الحكومة. بالإضافة إلى ذلك، تبدو البنية التحتية متداعية، خصوصاً قطاع الطاقة، الذي يحتاج إلى 4 آلاف ميغاوات إضافية إذا أرادت باكستان تفادي انقطاع الكهرباء مدة 18 ساعة يومياً. ومن المتوقع أن يؤدي النقص في الطاقة إلى تراجع النمو بنحو 4%، ما يحول دون ارتفاعه عن معدل الـ4% الذي سجله بين عامَي 2008 و2012.

يساهم قطاع الزراعة المهمَل بنحو 23% في الناتج المحلي الإجمالي وبنحو 44% في اليد العاملة الباكستانية. أما النشاطات غير الزراعية في المناطق الريفية، فمتأخرة جداً، كذلك تشكل الأنسجة والألبسة 16% من صادرات البلد، وتساهم بنسبة 40% في يده العاملة الموظفة، خصوصاً أن الشركات الصغير والمتوسطة الحجم تضم 80% من مجموع الوظائف غير الزراعية. صحيح أن معدل البطالة الرسمي، وفق منظمة العمل الدولية، يبلغ 6%، إلا أنه لا يأخذ في الاعتبار نسبه المرتفعة من البطالة الجزئية في قطاع الزراعة والقطاع غير الرسمي الكبير في المدن.

لعل الميزتين الإيجابيتين الوحيدتين عدد المنظمات غير الحكومية الذي يصل إلى 12 ألفاً، وحجم الأموال التي يرسلها العمال الباكستانيون من الخليج العربي ومناطق أخرى من العالم، فتبلغ هذه الأموال راهنا 13 مليار دولار، وينتهي بها المطاف إلى أيدي سكان الريف، فتُخصص للاستهلاك والسكن، متفادية بالتالي ضوابط الحكومة. أما المنظمات غير الحكومية، التي تقوم بأعمال الواهبين الدوليين الأثرياء، فتسعى وراء أهداف مختلفة، مقدمة نصائح متفاوتة وأحيانا متناقضة. حتى إنها تحاول أحياناً عرقلة عمل إحداها الأخرى.

صحيح أن المساعدات الأجنبية لا تزال وفيرة، ولكن كثرت في الآونة الأخيرة الشكوك حول فاعليتها في تحفيز النمو، فتحتل باكستان المرتبة الثالثة بين الدول التي تحظى بمساعدات أجنبية أميركية. فتنال أكثر من مليارَي دولار، إلا أن ثلثيها يُخصص للجيش ولا يؤدي إلى أي تأثيرات إيجابية.

على الصعيد الاقتصادي، صارت العلاقات مع الولايات المتحدة، التي لا تزال الواهب الأبرز، هشة إلى حد يُعتبر معه التدبير الأفضل (ترك القرارات بين يدي المتلقي في ظل قواعد يحددها هو بنفسه) مستحيلاً. على العكس، يُعتبر توزيع المساعدات غير فاعل، فيتبدل مع تبدل أهداف السياسة الخارجية للواهب، ويؤدي إلى استيراد التكنولوجيا غير الملائمة، توزيع الدخل بطريقة مشوهة، وتعزيز الفساد بين كبار المسؤولين. وفي عام 2012، شكلت المساعدة الأجنبية 2.5 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي البالغ 240 مليار دولار، أي 1% تقريباً.

أدى هوس باكستان بالهند إلى نشر الموارد العسكرية على طول الحدود ورزوح الموازنات تحت عبء مواجهة محتملة مع الهند بسبب كشمير. نتيجة لذلك، يقع الاقتصاد الباكستاني في قبضة حرب محتملة، ما يحول دون السعي وراء التحرر والتنوع في إطار العولمة. لكن المفارقة تكمن في أن باكستان تُعتبر أكثر ترحيباً بالأعمال مقارنة بجيرانها الأكثر نجاحاً. فيصنف مؤشر "سهولة التعامل" التابع للبنك الدولي باكستان في المرتبة الخامسة والثمانين، قبل الصين (المرتبة التاسعة والثمانون) والهند (المرتبة الثالثة والثلاثون بعد المئة). لكن الاضطرابات وسوء الحكم يلغيان هذه الميزة.

لا تزال الصين حليفا لصيقا لباكستان وتزودها بالمساعدة من دون فرض قيود مرئية. ويبدو التناقض واضحا بينها وبين الهند التي تلعب لعبة المساعدة التقليدية مع واهبي منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (أويسيد) الغربيين التقليديين.

في ظل غياب التغيير الجذري، السياسي كما الاقتصادي، مع استمرار الظروف الراهنة، يتضاءل الأمل بأن تخرج باكستان من فئة الدول الفاشلة.

Gustav Ranis

back to top