على أنقاض الإنسان

نشر في 06-09-2013
آخر تحديث 06-09-2013 | 00:01
 لمى فريد العثمان ما أصعب التنظير في الشأن السوري بينما المشاهد فيه كارثية وجحيمية في كل الأحوال، وما أسخف الكلام أمام دموع أم مثكولة وأب مكلوم وطفل مفجوع، وما أبشع التبريرات والتحليلات والتحيزات التجريدية باسم الوطنية والدين والممانعة والصمود والعروبة وكل تلك المطلقات التي ترقص على دماء الإنسان وعذاباته.  يتجادلون على طاولة الطعام وهم يتناولون ما لذ وطاب، أو يسترخون على أرائكهم المريحة وهم يرتشفون قدحاً من القهوة الساخنة، ليسطروا المقالات التنظيرية التبسيطية، مثلي، ومن ثم يضعون نقطة في نهاية المقال، ليشعروا بأنهم أدوا واجبهم وكفى... فيعودون لتفاصيل يومهم وأطفالهم وحياتهم الرغيدة.

كل الأحوال كارثية في سورية. كل السيناريوهات مأساوية. كل المشاهد معقدة ومستعصية. لا شي في المشهد سوى لون الدم ورائحته. كل شيء يعيش فيها سوى الإنسان. الأيديولوجيا والطائفة والقومية والصراع على السلطة والصراع على النظام الدولي، وكل تلك القيم القاتلة التي تبنى على أنقاض الإنسان، وقودها وحطبها... وها هي الأصوات تتلاشى ليعلو صوت قرع طبول الحرب. وستعاود الأصوات ضجيجها بعد أن يهدأ هدير الطلقات والصواريخ، لتعلن كل جبهة انتصارها بانتشاء طفولي، فيعودون لحياتهم المترفة بينما تمتلئ الشوارع بالأشلاء المقطعة والأحلام المبتورة ورؤوس الأطفال المتدحرجة.

خلفت جرائم الإبادة الجماعية منذ اندلاع الثورة في 2011 أكثر من 100 ألف قتيل، وقد أعلنت المفوضية العليا للاجئين تخطي عدد اللاجئين السوريين عتبة المليونين. وقال المفوض الأعلى للاجئين أنطونيو غوتيريس إن "سورية أصبحت المأساة الكبرى لهذا العصر، كارثة إنسانية شائنة مع ما يواكبها من معاناة وعمليات تهجير لم يشهدها التاريخ الحديث". فقد تفاقمت الأزمة ونتائجها الكارثية بمرور الوقت الطويل، إذ تحولت الساحة السورية إلى ساحة حرب محلية وإقليمية، لاسيما بعد تضعضع القوى الوطنية بدخول التنظيمات الإسلامية المتطرفة، لتصبح الورقة الرابحة التي يستخدمها النظام الوحشي في معركة بقائه، وقد فرضت عقدة الحالة العراقية، ومشاهد الاقتتال الطائفي الدموي، نفسها في تردد القوى الكبرى والرفض الشعبي فيها للتورط في أي حرب في المنطقة. وأمام امتناع الدول الكبرى عن تسليح المعارضة خوفاً من وصول الأسلحة إلى أيدي الحركات الاسلامية المتطرفة في جانب وصلابة المعسكر الداعم لنظام الأسد ووقوف روسيا والصين كدولتين مؤثرتين دولياً في الجانب الآخر، زاد استئساد النظام على شعب يعتقد أنه ملكيته الخاصة، وأخذ يستخدم كل أنواع الأسلحة المبيدة.

ينتظر العالم اليوم موافقة الكونغرس على اقتراح أوباما بتنفيذ ضربة عسكرية محدودة، لا تهدف إلى إسقاط الأسد بل مجرد عقابه على استخدامه الأسلحة الكيميائية، (الغريب اعتبار الأسلحة الكيميائية فقط "خطاً أحمر"، بينما استخدام الأسلحة غير الكيميائية في الإبادات الجماعية لم تعتبر خطاً أحمر). يبدو أنها ستأتي "لإعادة المصداقية" إلى القوة الأميركية. ومن الصعب التيقن بتطورات الأحداث. فهل ممكن هزيمة النظام الوحشي المستأسد دون ضربة عسكرية تضعفه؟ وهل هناك جدوى من ضربة تعاقب ولا تحسم، لتترك الشعب فريسة الاقتتال والانتقام؟ وهل سيذهب الأبرياء ضحايا لها؟ وهل سيتخذ من البشر دروعاً بشرية؟ وهل سيتمكن النظام الوحشي بعد الضربة من الاستمرار في قصف وإبادة الشعب السوري أو حتى إشعال المنطقة؟ كل السيناريوهات واردة، والأوضاع في كل الأحوال مأساوية وسوداوية لدرجة انعدام الرؤية وانعدام القدرة على التكهن بمستقبلها المجهول. ما نعرفه أن النظام الدولي تُعاد صياغته، وأن المنطقة تتشكل بأنهار الدم والدموع وعلى أنقاض الإنسان.

back to top