التداعيات الاقتصادية لموقف بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

نشر في 02-02-2013
آخر تحديث 02-02-2013 | 00:01
 مجلة فورتشن في حركة مفاجئة، وعد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بإجراء استفتاء شعبي حول عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي. وقد أثارت هذه الخطوة عدداً من القضايا المعقدة والمهمة بالنسبة الى بريطانيا وما هو أبعد كثيراً من ذلك.

منذ المراحل الأولى من عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي اعتبرت عضويتها فيه على شكل وسيلة من أجل تحقيق غاية محددة؛ أي ضمان الحد الأعلى من مكاسب تحسين التجارة عبر الوصول الحر الى مئات الملايين من المستهلكين الموسرين نسبياً في أوروبا.

وفيما قد يكون ذلك العامل لعب دورا في التوجه البريطاني، غير أنه لم يكن الباعث الرئيسي لدى الدول الاخرى الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا وألمانيا، لأن الاتحاد الاقتصادي والسياسي بالنسبة الى تلك الدول كان – ولايزال – غاية في حد ذاته. وينبع ذلك من اعتبارات داخلية وخارجية تتمثل في قيام اتحاد أكثر تماسكاً ويتغلب على خطر الحرب في القارة التي شهدت تاريخياً العديد من الحروب، وهو نجاح أكده حصول الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة على جائزة نوبل للسلام، وينافس هذا الاتحاد على قدم المساواة الدول الاقتصادية الكبرى الاخرى مثل الولايات المتحدة والصين.

ويفسر هذا التمييز البسيط بين بريطانيا والدول الاخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أيضاً ردود الفعل المعارضة بصورة لافتة لأزمة ديون منطقة اليورو. وبالنسبة الى بريطانيا فإن ذلك يستدعي مراجعة شروط علاقتها مع أوروبا حيث ان المردود الاقتصادي أصبح أقل في الوقت الراهن. أما بالنسبة الى فرنسا وألمانيا فان الأمر يكمن في الحاجة الى تكامل اقليمي أكثر عمقاً ودعم الاتحاد النقدي باتحاد مالي أكبر وبتكامل سياسي واتحاد مصرفي.

ومن المفارقة ان مبادرة رئيس الوزراء البريطاني حول الاستفتاء تربط الاثنين في سياق غير متناسق في نهاية المطاف. وقد حدد كاميرون في خطابه الأخير مساراً مكوناً من ثلاث خطوات يحكم عضوية الاتحاد الأوروبي في حال قيادة حزب المحافظين للحكومة المقبلة: تقييم كيفية تطور منطقة اليورو، وضمان شروط أفضل بالنسبة الى بريطانيا، وعرض صفقة البقاء في الاتحاد أو الخروج منه على استفتاء شعبي في سنة 2017.

وفي طريقة بارعة نوعاً ما تسهم هذه المقاربة في تهدئة مباشرة للأقلية المعارضة المتزايدة في أوساط حزب المحافظين، وتحد من التحول الداعم الى حزب الاستقلال البريطاني وزعيمه نيغل فاراغ كما ترسل اشارة تحذير الى كل من فرنسا وألمانيا من عواقب المضي بعيداً في الاجراءات الرامية الى تحسين تكامل منطقة اليورو التي تشكل العصب الداخلي للدول الـ17 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة.

ولكن الاستفتاء يشكل أيضاً محاولة للتوفيق بين الأولويات الوطنية والاقليمية غير المتسقة. ومن خلال محاولة القيام بهذا العمل في الوقت الراهن وعلى طريقته فإن رئيس الوزراء البريطاني يستطيع تحقيق بعض المكاسب السياسية الداخلية من خلال المجازفة بنسبة من النمو في بلاده في حال زيادة مخاطر الاستثمارات الطويلة الأجل نتيجة زيادة الشكوك في استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

ومن نافل القول إن الاستفتاء الشعبي لم يقابل بحماسة كبيرة في أوروبا وهذا أمر مفهوم. وفي الحد الأدنى فإنه يسهم في تعقيد الجهود المبذولة من أجل التغلب على أزمة الديون الاقليمية. كما أنه قد يبعد عملية تعافي منطقة اليورو المستمرة منذ عدة سنوات عن مسارها، اضافة الى العناصر الهيكلية التي يتعين تطبيقها بسرعة.

ومن الصعب في الأساس رؤية عودة سريعة لمنطقة اليورو الى نمو قوي واستقرار مالي شامل. وهكذا، ومع عضوية كاملة لمنطقة اليورو بعيداً عن الطاولة فإن بريطانيا سوف تكون أمام خيار بسيط بحلول سنة 2017 في حال تمسكها بخطة الخطوات الثلاث: البقاء مع تعديلات طفيفة في شروط المشاركة والقبول بالأمر الواقع من حيث الوضع الأدنى في اتحاد أوروبي أكثر مطابقة، أو الخروج والسعي الى نوع من اتفاق علاقة يحد من تأثر النمو والاستثمارات.

ومن جهته، سوف يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات في الفترة المؤقتة من أجل خفض امكانية أن يصبح من جديد رهينة للتفضيل الوطني لحركة نحو الخلف في التكامل الاقليمي. وفي حقيقة الأمر وبغض النظر عما تقرره بريطانيا سوف نشهد تغيراً جوهرياً في كيفية النظر الى المستويات الدستورية المختلفة.

ومن الآن فصاعداً، يمكننا أن نتوقع وتيرة أقوى لاحتمالات انتقال دول الاتحاد الأوروبي الى العضوية الكاملة في منطقة اليورو الأصغر وهي الأساس الداخلي للاتحاد. كما أن الوقت الذي انفق في مستواه الخارجي لن يوفر بعد الآن مساحة التذبذب التي استخدمتها المملكة المتحدة ببراعة لأكثر من عقد من الزمن. وبدلاً من ذلك فإن العضوية سوف تشكل مدخلا الى منطقة اليورو مما يتطلب حركة متسقة الى الأمام.

ومن أي جهة تنظر الى هذا الوضع فإن رئيس الوزراء البريطاني قد رفع من امكانية أن تكون بولندا وليس المملكة المتحدة بعد سنة 2017 من بين أقوى ثلاث دول تحدد مستوى ومدى التكامل الاقليمي الأوروبي. ولنأمل في أن تكون لديه خطة بديلة أيضاً من أجل الحد من الجانب السلبي المحتمل لمستويات المعيشة في بريطانيا.

* محمد العريان | Mohamed El–Erian

back to top