منى الشرافي تيم في «العربيزي والجدة وردة»...

نشر في 18-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 18-02-2013 | 00:01
No Image Caption
كيف يحافظ الصغار على لغتهم العربية؟

تخوض منى الشرافي تيم في كتابها الجديد «العربيزي والجدّة وردة» (من منشورات «الدار العربية للعلوم») مجال أدب الأطفال والناشئة، وتقارب ظاهرة لغوية باتت تهدد اللغة العربية الأمّ، وهي «العربيزي» أو «العربيزية»، أي لغة «الشات» في المحادثات التي يستخدمها الفتيان عبر وسائل التواصل الإلكتروني، وهي ليست عربية ولا إنكليزية، بل هي مزيج من اللغتين معاً.
تلقت المؤلفة منى الشرافي تيم فكرة وضع كتابها «العربيزي والجدّة وردة» خلال مشاركتها في لقاءات إطلاق حملة «بالعربي» التي أقيمت في شهر فبراير 2012 بتنظيم من مؤسسة الفكر العربي في مشروعها الثقافي «الإسهام في تطوير تعلّم وتعليم اللغة العربية» (عربي 21)، وهو يهدف إلى التشجيع على القراءة باللغة العربية عند الأطفال والناشئة العرب، بالاضافة إلى تشجيع الكتّاب ودور النشر للاهتمام بالفئات العمرية الصغيرة، وصناعة الكتاب الجيد.

صرخة صادقة

رواية الشرافي تيم صرخة صادقة في وادي التقصير الكبير الذي نشاهده في حقل أدب الأطفال. فهذا الميدان يشكو من عدم توافر الكتب العربية الجيدة والمشوّقة للأطفال والناشئة، وجلّ ما نشاهده هو مجموعات هائلة مترجمة عن اللغات الاجنبية أو عناوين عالمية جرى نقلها أو اقتباسها- وبشكل سيئ أحياناً- تتربع على رفوف مكاتب أولادنا، وهي في موضوعاتها غريبة غالباً عن مجتمعنا وقيمنا وعاداتنا.

وكي تدخل المؤلفة إلى عالم الأولاد وتجعلهم يقرأون بعد أن تخلّوا عن المطالعة وانصرفوا إلى كل ما هو تكنولوجيّ حديث، اعتمدت الصغير سامر بطلاً لروايتها.

سامر

ضاع سامر في خضمّ التكنولوجيا التي أصبحت متوافرة للجميع، وأصبح نموذجاً لأطفال اليوم الذبن تبرمجوا بحسب النظام الجديد فغدت حياتهم تسير على إيقاعات رتيبة أن في تصرفاتهم أو في لغتهم ومأكلهم.

في مطلع الرواية تصف لنا المؤلّفة أسلوب سامر في الحياة. يعود هذا الصغير من المدرسة وهو يردّد كلمات الأغنية التي يستمع إليها من خلال جهاز التسجيل (آي بود) الذي يضعه على أذنيه، وما إن يصل إلى المنزل حتى يرمي حقيبته على سريره ثم يجلس أمام جهاز الكمبيوتر الخاص به، من دون أن ينزع جهاز الآي بود.

بعد دقائق تدخل عاملة المنزل وفي يدها صحن الهامبرغر وشرائح البطاطا المقلية، فلا يشعر بوجودها إلا بعد أن تنبهه فيشير إليها باصبعه كي تضعه على مكتبه وهو يتراقص على أنغام موسيقاه.

أمسك سامر ساندويتش الهامبرغر بيد وحمل بالأخرى تلفون «البلاك بري» وشرع يبعث الرسائل الصغيرة لأصدقائه. وما إن أنهى تناول طعامه حتى توجه إلى لعبة «البلاي ستايشن» متنقلاً بين عدّة ألعاب منها سباق السيارات المحموم، وحروب النينجا، وصراع المركبات الفضائية وغيرها، منفعلاً بما يجري من أحداث ومرافقاً أبطال اللعبة بالصراخ والهياج وهو جالس في مكانه.

كتاب عجيب

هذا الوصف الذي أعطته المؤلفة لسامر ينطبق تماماً على أكثرية أولاد هذا الجيل. فكيف استطاعت حينئذ أن تنطلق بسامر إلى عالم مختلف بعيداً عن الألعاب الإلكترونية وأكل الأطعمة المعلبة؟

لجأت منى الشرافي إلى حيلة خيالية لتجذب سامر من انشغاله، فجعلت أحد الكتب يهتز على رف مكتبته ثم يسقط على الأرض. نظر سامر باندهاش وقرأ العنوان المكتوب باللغة العربية: «جزيرة الحياة»، فتأفّف منزعجاً وأعاده إلى الرفّ. وما هي إلا لحظات قليلة حتى عاد الكتاب يتراقص ووقع ثانية، فرفعته أمه التي دخلت إلى الغرفة فجأة ووضعته في مكانه.

بعد قليل نسي سامر أمر الكتاب ووضع سماعات الآي بود في أذنيه، وأرخى رأسه على مخدّته استعداداً للنوم، وإذا بالكتاب نفسه يهتز مجدداً بصورة عنيفة ويقع على الأرض محدثاً صوتاً قوياً. نظر الصغير ناحية الكتاب مرتعباً فرأى ضوءاً ساطعاً يخرج من إحدى صفحاته ويتجه نحوه، ثم شاهد صورة فتاة رائعة الجمال ذات جناحين يرفرفان برقة وتحيط بها عصافير جميلة وفراشات ملوّنة وأزهار فواحة، وسمعها تهمس له بنعومة ليسمح لها بزيارته.

زيارات سارة

عرفت المؤلفة ببراعتها كيف تجعل الصغير يقرأ بلغته العربية التي ينفر منها، وأقامت حواراً مشوّقاً بينه وبين الفتاة التي استغربت من هذا العالم الذي يمتلئ بالأجهزة والألعاب الإلكترونية، بالإضافة إلى كل أولئك الأصدقاء الافتراضيين الذين يحادثون سامر ويحادثهم عبر شاشة الكمبيوتر.

وتكرّرت الزيارة في اليوم التالي فطلبت سارة تمضية الوقت برفقة سامر في مختلف أمور حياته، فهو وحده الذي يراها ولا أحد غيره.

تعرّفت سارة إلى تفاصيل يوم سامر المدرسي وإلى رفاق صفه الذين يتخاطبون فيما بينهم بلغة مجتزأة ورموز غريبة لم تفهمها، وتناولت معه الطعام، ونبهته إلى إنجاز فروضه، كذلك علّمها كيفية استخدام الكمبيوتر وأطلعها على خدمة المحادثات السريعة، فاستغربت تلك الحروف التي تستعمل عوضاً عن حروف اللغة العربية.

جزيرة الحياة

من الطبيعي في مسار هذه القصة أن تدعو سارة رفيقها سامر إلى زيارة موطنها في «جزيرة الحياة» ليكتشف مجتمعاً آخر هو نقيض المجتمع  الذي يعيشه. وهذا ما أرادت المؤلفة التركيز عليه، فموطن سارة يتمتع بطبيعة رائعة تزدهي بالعطر والألوان، وتمتلئ بالأشجار والأزهار، وتصدح فيها العصافير أجمل الألحان.

كلّ شيء مختلف في الجزيرة، فالأطفال يتراكضون برشاقة وليونة ومشاعر الفرح تشع في عيونهم، والناس يتعاملون بلطف وحنان، والحيوانات تمرح بحرية واطمئنان. وها هو سامر يتعرّف إلى الجدة وردة التي تروي الحكايات بالعربية، فيعلق قائلا إنها لغة قواعدها معقدة. فتبتسم الجدة بينما سامر يتعجب من تلك العلاقة الحميمة التي تربط الجدة بحفيدتها.

كان يا ما كان

بيت القصيد في «العربيزي» ترغيب سامر باللغة العربية وجعله يحبّها لأنها لغة وطنه ولغة أجداده، ولأنها لغة جميلة بمفرداتها ومنطقية بتطبيق قواعدها. والسبيل إلى ذلك وجدته المؤلفة عن طريق سرد الحكايات وجذب انتباه الصغار إليها، فاعتمدت أسلوب «ألف ليلة وليلة» إلى حدٍّ ما، وألبست الجدة وردة دور شهرزاد التي لا تنهي القصة في الليلة نفسها بل تتركها إلى الليلة التالية، وهكذا دواليك حتى يصل التشويق إلى ذروته وينعم الأطفال بوقت مرح يكتسبون فيه أبلغ التعابير العربية بمفردات سهلة وواضحة.

وتحين ساعة عودة سامر إلى موطنه فيغمض عينيه ويدخل الكتاب فيجد نفسه بعد لحظات وحيداً في غرفته الصغيرة.

أفضت هذه الرحلة الممتعة إلى القيام بحملة سريعة لمنع اللغة العربية من الاندثار، وتطوّع سامر لينقذها حيث أصبح لجملة «بالعربي» صفحة شيقة على الفيسبوك جمعت الملايين وسارت على خطاها الدول الناطقة بالعربية كلها.

back to top