محافظو إيران يضغطون للتوصل إلى اتفاق مع الغرب

نشر في 27-12-2012
آخر تحديث 27-12-2012 | 00:01
لم تكن العقوبات والضغوط التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية لتدفع إيران إلى الاستسلام يوماً، لكنها نجحت على ما يبدو في إقناع القطاعات النافذة في النظام الديني بإعادة النظر بخياراتها.
 سي إف آر بينما تفكر واشنطن بإطلاق جولة جديدة من الدبلوماسية مع إيران، يحتدم الجدل في أروقة السلطة داخل الجمهورية الإسلامية. تدعو شريحة نافذة ومتنامية من الجسم السياسي الإيراني إلى عقد تسوية يتم التفاوض عليها في الشأن النووي. اخترقت هذه الدعوات أوساط الإصلاحيين والليبراليين ويزداد عدد المحافظين الذين يعبرون عن الرأي نفسه. ووسط هذه المعمعة كلها يتعرض المرشد الأعلى علي خامنئي، بنزعته وميوله نحو المقاومة، لتحديات ملحوظة من بعض مناصريه الأوفياء.

يمكن أن يؤدي المجتمع الدولي دوراً مهماً لدفع هذا النقاش في الاتجاه الصحيح، ولا شك أن تطبيق عملية مقصودة للسيطرة على الأسلحة، شرط أن تركز في البداية على منع نشاطات التخصيب الإيرانية الأكثر خطورة، سيساهم في تخفيف التوتر ودفع هذا الجدل في الاتجاه الصحيح.

من ناحية معينة، بدأت سياسة العقوبات التي طبّقتها الولايات المتحدة خلال العقد الماضي تعطي ثمارها. ما كانت العقوبات والضغوط لتدفع إيران إلى الاستسلام يوماً، ولكنها نجحت على ما يبدو في إقناع القطاعات النافذة في النظام الديني بإعادة النظر بخياراتها. لا تُعتبر مفاهيم الحوار مع الولايات المتحدة وحلول التسوية جديدة في إيران، بل سبق أن أيّدها لاعبون هامشيون مثل الرئيس محمود أحمدي نجاد وسلفَيه هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي.

لكن في الأيام الأخيرة، انضم بعض المتشددين إلى تلك الأصوات. في شهر نوفمبر، شدد الرئيس السابق للحرس الثوري، محسن رضائي، على أن إيران أصبحت الآن في وضع يخولها التعامل مع الولايات المتحدة بعد أن أصبحت على قدم مساواة معها. في السياق نفسه، يدعي الجنرال محمد رضا نقدي، قائد ميليشيا "الباسيج"، أن الإيرانيين يستطيعون التفاوض مع الولايات المتحدة الآن إذا تصرفت بالشكل المناسب، وذلك بعد أن أشاد سابقاً بحسنات العقوبات واعتبر أنها تعزز الإنتاج المحلي.

لا يعني ذلك أن الجمهورية الإسلامية ومتاهتها المعقدة في مجال صنع القرار وصلتا إلى إجماع لحل المسألة النووية. لا يزال خامنئي الشخص الأساسي الذي يرفض أي مبادرات مماثلة، ففي الأسابيع الأخيرة، انتقد المرشد الأعلى، بطريقة سلسة وغير مباشرة، الأشخاص الذين يدعون إلى عقد التسويات في الملف النووي. لكن كان ممثل خامنئي في الحرس الثوري، علي سعيدي، هو الذي رفض اقتراحات إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة باعتبارها حيلة لجعل إيران تتخلى عن طموحاتها النووية. أطلقت مقالة لافتة صدرت في صحيفة "كيهان"، التي تُعتبر الناطقة الرسمية باسم خامنئي منذ فترة طويلة، تحذيراً من "الثوار المرهقين" لأنهم "يقدمون تحليلات خاطئة ويربطون جميع مشاكل البلد بالعقوبات الخارجية، وهم يريدون بذلك إشعال البيئة الاجتماعية وترسيخ انعدام الأمان فيها وتأجيج الشعور العام كي يُجبَر القائد الأعلى على الرضوخ لمطالبهم بهدف حماية مصالح البلد ومكاسب الثورة"، لا شك أن هذه المقالة كُتبت من دون موافقة خامنئي.

لكن يمكن أن يختار خامنئي، على الرغم من صرامته وعدائيته، مسار التسوية على أن تشمل جوانب من البرنامج وليس كله. خلال هذه المرحلة المفصلية، لا يمكن أن يتحمّل النظام المنقسم داخل الجمهورية الإسلامية أكثر من صفقة محدودة تعالج أصعب جوانب البرنامج. من الواضح أن خامنئي غارق في عداواته ومرتبط جداً بجهازه النووي، ما يصعّب عليه تقبّل تفكيك المشروع النووي. يمكن أن يساهم أي اتفاق لتخفيض إنتاج إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% في تخفيف التوتر وفتح المجال أمام فرض تدابير إضافية للسيطرة على الأسلحة. لن يكون الاتفاق المحدود كفيلاً بإنهاء التحدي النووي الإيراني، ولكنه قد يعزز نفوذ اللاعبين المنطقيين وقد يضيف جرعة من البراغماتية إلى حسابات إيران النووية. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يمكن أن يساهم أي اتفاق مماثل في تأخير الجداول الزمنية النووية الإيرانية وتخصيص بعض الوقت الإضافي لحل الأزمة.

يتعلق التحدي الذي يواجهه المجتمع الدولي بمعرفة كيفية عقد صفقة محدودة تزامناً مع الحفاظ على ورقة العقوبات التي تؤدب، على ما يبدو، النظام الديني المتعنت. ترتكز الدبلوماسية الإيرانية على عامل الغطرسة الذي يجعلها تقدم القليل وتطلب الكثير. على الرغم من جو الأزمة الذي يحيط بهذا الملف، فلا بد من الاعتراف بأن الوقت والضغوط التي ترافق هذا الوضع لا تزال تصب في مصلحة الولايات المتحدة أكثر من إيران.

قد لا يرغب علي خامنئي في عقد صفقة مع الولايات المتحدة، ولكنه لم يعد يستطيع المجازفة بعدم عقد أي اتفاق. تكمن المفارقة في واقع أن أي اتفاق محدود يسمح له بالحفاظ على طابع برنامجه النووي وشعارات المقاومة قد يوفر له مخرجاً من المعضلة التي خلقها بنفسه. قد يمهد هذا الاتفاق لاحقاً لنشوء ظروف مناسبة لعقد اتفاقية أوسع.

* راي تاكيه | Ray Takeyh

back to top