خفايا وأبعاد الانتخابات الإيرانية... والتوقعات في علم الغيب!

نشر في 02-06-2013
آخر تحديث 02-06-2013 | 00:01
تعرّضت سياسات خامنئي الخارجية لانتقادات متنامية. فقد قال روحاني المقرب من رافسنجاني إنه عندما كان هو وحلفاؤه مسؤولين عن المفاوضات النووية، لم تُفرَض أي عقوبات على إيران، ولم تُحَل قضيتها إلى مجلس الأمن، وكان رؤساء غربيون متلهفين للتفاوض مع إيران.
 ذي نيو ريبابليك في ذلك اليوم عينه من شهر يناير الذي منع فيه القائد الأعلى علي خامنئي في خطاب ألقاه المسؤولين من مناقشة نزاهة الانتخابات الإيرانية، ذكر ممثله في حرس الثورة أن على الوحدة العسكرية "مسؤولية تنظيم انتخابات منطقية ومعقولة". وهذا ما قام به خامنئي وحلفاؤه من العسكريين في حرس الثورة الإسلامية اليوم، علماً بأن الانتخابات الإيرانية ستُعقد بعد أقل من ثلاثة أسابيع. فمن بين السبعمئة سياسي الذين تقدموا بطلبات ترشيح، حصل ثمانية فقط على موافقة مجلس صيانة الدستور، ستة منهم مقربون جداً من الائتلاف المحافظ الحاكم، فأربعة منهم كانوا قادة سابقين في حرس الثورة الإسلامية. لكن المفاجأة الكبرى تظهر بين أسماء مَن مُنعوا من الترشح.

عندما أعلن علي أكبر هاشمي رافسنجاني، واحد من أقوى رجلين خلال العقدين الأولين من الحكم الإسلامي في إيران (1979- 1997) ساهم في إنشاء حرس الثورة الإسلامية عام 1980، نيته في الترشح، حصل هذا المرشح على دعم كبير مفاجئ. فبعد أن شكل عقبة أمام المصلحين، تحول إلى منقذهم منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2009. حتى إن بعض المصادر، مثل عبد الله نوري (تبوأ منصب وزير الداخلية خلال عهد محمد خاتمي بين عامَي 1997 و2005)، تحدثت عن موجة مدّ سياسية لدعم رافسنجاني، مما جعله المرشح الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية في 14 يونيو.

لكن رافسنجاني لم يحظَ برضا مجلس صيانة الدستور المؤلف من 12 رجلاً (الذي وافق على ترشح حسن روحاني المقرب من رافسنجاني، وهو رجل الدين الوحيد بين مجموعة المرشحين الثمانية). كذلك استُبعد الخلف الذي اختاره محمود أحمدي نجاد بنفسه، إسفنديار رحيم مشائي. فرغم تهديدات أحمدي نجاد المبطنة والصريحة بشأن ما قد يحدث في حال مُنع مشائي من الترشّح (مازال عليه الاعتراض على هذا القرار)، لكننا لم نشهد حتى اليوم أي ردّ فعل من معسكر أحمدي نجاد غير شائعة عن "قرص مدمج أحمر" سيوزَّع يُظهر مدى انتشار الفساد بين منتقدي نجاد. في هذه الأثناء، أُلقي القبض على عدد من الناشطين في معسكر نجاد ومشائي. كذلك أُقفلت مجموعة من مواقعهم الإلكترونية، وأعلن البرلمان أن بعض المواد عن جرائم محتملة ارتكبها نجاد (بما فيها سوء استعمال الأموال العامة خلال رحلته الأخيرة إلى الأمم المتحدة حين اصطحب معه 125 صديقاً وفرداً من عائلته) ستُقدَّم إلى البرلمان. إذن، الرسالة واضحة: خطوة خاطئة واحدة وينتهي المطاف بأحمدي نجاد وحلفائه إلى السجن بعد انتهاء ولايته الشهر المقبل.

حتى المرشحون الرئاسيون الثمانية لم يسمح لهم بإدارة حملاتهم بحرية. على سبيل المثال، خُصصت لكل مرشح مدة محددة على شاشة التلفزيون بغية عرض برنامجه. أما رسالة المرشحَين محسن رضائي (الذي كان لسنوات قائد حرس الثورة والمرشح الرئاسي الدائم منذ ذلك الحين) ومحمد رضا عارف (الذي يؤدي دور المصلح الرمزي)، فقد تعرضت لمقص رقابة وسائل الإعلام التابعة للحكومة. في حالة رضائي، أشارت المقاطع التي حُذفت إلى ضرورة السماح للأقليات الإثنية الإيرانية، مثل الأكراد والإيرانيين الناطقين بالتركية، بالتحدث بلغتهم الأم وتعليمها في مناطقهم. أما عارف، فقد تجرأ على ذكر أن رافسنجاني قائد حقيقي للنظام الإسلامي.

صحيح أن رافسنجاني رفض تحدّي قرار مجلس صيانة الدستور علانية، لكن الكثير من داعميه قاموا بذلك عنه. ففي عدد من الرسائل (بعضها مفتوح، وبعضها الآخر موجه مباشرة إلى خامنئي. حتى إن كثيرين كتبوا إلى رافسنجاني نفسه)، والتصريحات (قامت بها مجموعات مصلحة، وجمعيات دينية، وعدد من آيات الله)، والمقابلات (مع عدد من شخصيات المعارضة والمصلحين البارزين)، عبّر الكثير من داعمي رافسنجاني عن رفضهم منع ترشّح رجل يُعتبر (بحكم القانون وبحكم منصبه كرئيس لمجلس تشخيص مصلحة النظام) ثاني أعلى مسؤول في النظام بعد خامنئي. وإذا كان الائتلاف المحافظ يأمل أخيراً إخراج رافسنجاني من الساحة السياسية، فهو مخطئ: يبدو رافسنجاني أقوى اليوم وأكثر شعبية مما كان عليه عام 1997، حين ترك منصبه كرئيس قوي كان يمارس سلطته كند لخامنئي.

ولعل أبرز مفاجآت ردود الفعل تجاه استبعاد رافسنجاني رسالة مفتوحة إلى خامنئي من زهراء مصطفوي، ابنة آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران. في هذه الرسالة، حذّرت من الوقائع السياسية والاقتصادية القاتمة في إيران اليوم. كذلك ذكرت: "في اليوم عينه الذي سمعت فيه الإمام (الخميني) يوافق على اسمك" كخلف له "سمعته أيضًا يذكر" اسم رافسنجاني كمرشح أهل لهذا المنصب. حتى هذا الوقت، كان خامنئي متمسكاً بعباءة الخميني، مدّعياً أن هذا الأخير اختاره كخلف له. ولكن اتضح أن رافسنجاني أيضاً كان مرشحاً محتملاً لهذا المنصب، مما يجعل منع ترشيحه لمنصب الرئاسة أكثر غرابة ويقوّض شرعية خامنئي.

رداً على هذه الضغوط المتنامية، اعتمد خامنئي وحلفاؤه في حرس الثورة مقاربة متعددة الأوجه. أولاً، أنكرت المصادر التي تمثل الائتلاف المحافظ الحاكم رفض أهلية رافسنجاني لتولي منصب الرئيس. تدعي هذه المصادر: "لم نؤكد أهليته بكل بساطة". وأشارت مصادر أخرى، مثل الصحيفة اليومية Keyhan التي تعكس حقاً وجهات نظر خامنئي، أن رافسنجاني يدين لمجلس صيانة الدستور بالجميل. وتتابع هذه الصحيفة موضحةً أن الإصلاحيين وخصوم النظام كانوا يخططون لاستغلال رافسنجاني ضد النظام، وأن رفض ترشحه أنقذه من مصيره هذا كي لا يتحول إلى دمية في يد المعارضة والولايات المتحدة وإسرائيل. (وفق هذا المنطق، يكون الرجل المسؤول عن تحديد ما هو "ملائم" للنظام عاجزاً عن تحديد ما هو ملائم لنفسه). وكي لا يساورنا شك بشأن مصدر قوة خامنئي الحقيقي، لنتأمل في ظهوره البارز الأول بعد إعلان مجلس صيانة الدستور لائحة المرشحين المقبولين: فقد طلب، وهو محاط بقادة الحرس الثوري وعدد من المسؤولين العسكريين الآخرين، من الشعب الإيراني التصويت لمن سيقفون في وجه العدو. وأكد أن على مَن لم يُسمح لهم بالترشح أن يلوموا أنفسهم فحسب. وبعد بضعة أيام، أعلن رئيس شرطة إيران (وهو أيضاً من قادة حرس الثورة) أن 300 ألف شرطي سيكونون متوافرين يوم الانتخابات ليحبطوا بالقوة أي محاولات للتظاهر.

رغم عرض القوة الذي أداه خامنئي، تعرّضت سياساته الخارجية لانتقادات متنامية. فقد قال روحاني المقرب من رافسنجاني إنه عندما كان هو وحلفاؤه مسؤولين عن المفاوضات النووية مع المجتمع الدولي، لم تُفرَض أي عقوبات على إيران، ولم تُحَل قضيتها إلى مجلس الأمن، وكان الرؤساء الغربيون والإقليميون متلهفين للتفاوض مع إيران. أما اليوم، على حد قوله، فقد باتت إيران ضعيفة ومعزولة ومتلهفة للتفاوض مع نواب، لا وزراء أو رؤساء دول. صحيح أنه لا يأتي على ذكر خامنئي، ووجه الانتقادات في الظاهر إلى خصمه الرئاسي، كبير المفاوضين النوويين سعيد جليلي، ولكن من المؤكد أن محور انتقادات روحاني الأول ليس خصمه (مجرد دمية)، بل حرس الثورة وائتلاف خامنئي اللذين يسيطران على السياسة الخارجية الإيرانية منذ ثماني سنوات.

في ظل غياب أي تدخل إلهي، لن يحظى خامنئي على الأرجح بـ"الملحمة" السياسية (إقبال كبير على صناديق الاقتراع) التي لا ينفك يردد أن النظام يريدها ويحتاج إليها. في المقابل، من المرجح أن تتخذ إيران خطوة إضافية نحو تحوّلها إلى حكم عسكري مستبدّ في كل مجال (السياسة والبناء والنفط والإعلام وحتى كرة القدم) يهيمن عليه حرس الثورة. وإذا تحوّل انتقاد خامنئي إلى عادة متكررة، فقد يرى حرس الثورة أن من الأفضل (وأكثر فائدة) التخلص من تلك الواجهة الدينية برمتها. ويحفل التاريخ الإيراني بأمثلة عن جنود استُخدموا لحماية السلطان، لكنهم قرروا في النهاية أن يصبحوا هم السلاطين.

عباس ميلاني Abbas Milani

back to top