وجهة نظر: ولا حتى سنغافورة!

نشر في 30-03-2013
آخر تحديث 30-03-2013 | 00:01
 د. عباس المجرن كان مشروع الخطة الخمسية السادسة، أي الخطة الخاصة بالسنوات 2001/2002 - 2005/2006، هو أول مشروع خطة يعد في دولة الكويت بأسلوب "التخطيط التأشيري"، أي الأسلوب الذي يحدد نقاط الضعف ومواطن الخلل الرئيسية، ويختار في ضوئها السياسات والأهداف والبرامج اللازمة لمعالجتها، وهو أسلوب يستند بشكل محوري على تفعيل دور السياسات العامة ومنظومة الحوافز في التأثير على قرارات القطاعات والفعاليات المختلفة.

في سنة 2000، أثناء مشاركتي في فريق إعداد ذلك المشروع، قلت للوكيل المساعد لشؤون التخطيط واستشراف المستقبل بوزارة التخطيط حمد مناور، إن ظاهرة الاختناقات المرورية في الكويت تشكل موطناً من مواطن الخلل التي ينبغي لهذه الخطة أن تتصدى لها، وإن لهذه الاختناقات تكلفة باهظة وآثاراً سلبية واضحة على قطاع الأعمال ومختلف الأنشطة الاقتصادية، بل والتنمية برمتها.

266 مليار دولار!

وقد قدرت دراسة مجموعة "رولان بيرجيه" الفرنسية، التي نشرت في مطلع هذا الشهر، تكاليف زحمة السير في أكبر ثلاثين مدينة في العالم بنحو 266 مليار دولار أميركي في السنة الواحدة. وتؤكد الدراسة حقيقة لا تقبل الجدل وهي أن "سهولة الانتقال من مكان إلى آخر هي مفتاح النمو الاقتصادي".

لا مشروع الخطة الخمسية السادسة بل ولا حتى مشروع الخطة الخمسية السابعة للتنمية (2006/2007 - 2010/2011)، التي كان محورها الرئيسي "تعزيز القدرات التنافسية للدولة"، كان قد تبنى ملف الأزمة المرورية باعتباره من مواطن الخلل في الكويت رغم أن التذمر من هذه المشكلة المتفاقمة بدا واضحاً ومسموعاً ليس من قبل قطاع الأعمال وعموم الناس فحسب، بل من السلطة التشريعية التي أحالت تقريراً خاصاً من لجنة المرافق العامة إلى الحكومة متضمناً مجموعة من التوصيات والمقترحات لمعالجة تلك الظاهرة.

في عام 2003 بدأت عملية تطوير المخطط الهيكلي الثالث للدولة والذي بات وثيقة رسمية ملزمة بعد أن صدر بمرسوم أميري حمل الرقم 255 لسنة 2008. هذا المخطط حذر من أن البلاد باتت على فوهة بركان كارثة مرورية تستلزم تحركاً سريعاً وجدياً، وأوصى بإعادة توزيع الكثافة السكانية إلى مناطق خارج المنطقة الحضرية الحالية، وتبنى ثلاثة تجمعات عمرانية، اثنان منها على المحور الشمالي- الجنوبي، والثالث على الطريق الواصل بين الصبية والعبدلي، بالإضافة إلى مدن وتجمعات عمرانية في الصبية وأم قصر والعبدلي في الشمال، والزور وعريفجان والوفرة في الجنوب، كما أقر تطوير وسائل النقل الجماعي الحالية، مع إنشاء شبكة النقل الخفيف (ترام أو مونوريل)، وشبكة للنقل الشخصي، وأقترح إنشاء هيئة عليا للنقل العام.

83 ألف رخصة!

تشير البيانات إلى أن الادارة العامة للمرور أصدرت عام 2012 فقط نحو 83 ألف رخصة قيادة جديدة، ووفق النمو المركب لهذا العدد من الرخص، تدخل إلى شوارع الكويت نحو نصف مليون سيارة إضافية كل خمس سنوات، وهذا يعني أن المحافظة على مستوى الازدحام المروري الحالي وهو كارثي بمختلف المقاييس، ولا أقول معالجته، تقتضي أن تنمو شبكة الشوارع في الكويت ومعها شبكة الخدمات اللاحقة بها مثل محطات تعبئة الوقود ومواقف السيارات وكراجات صيانتها بنسبة لا تقل عن 33 في المئة كل خمس سنوات، وهذا معدل لا يمكن أن تحققه المليارات الأربعة من الدنانير التي تقول وزارة الأشغال العامة إنها قد رصدت لمشاريع الطرق، بل ولا يمكن، ليس للكويت فقط بل حتى لسنغافورة، أن تحققه.

إن أزمة بهذا الحجم وبهذا الاتساع تتطلب قرارات جريئة وحاسمة وحلولاً مبتكرة وعملية وقد تكون مؤلمة. هذه الأزمة تتطلب رفع سن الحصول على رخص القيادة، تقييد شراء المركبات الجديدة، إعادة توزيع وحدات المجمعات الحكومية ومجمعات المصارف، تطبيق اللامركزية التامة في إنجاز المعاملات، إعادة توزيع ساعات الدوام الرسمي بين قطاعات العمل المختلفة، تفعيل وسائط النقل الجماعي، زيادة عدد المداخل والمخارج لمختلف المناطق السكنية والاستثمارية، فرض رسوم على استخدام بعض الطرق الرئيسية، فرض غرامات على الانتقال الفردي بالمركبات في خطوط معينة، تفعيل نظام النقاط في المخالفات المرورية. وبغير ذلك أو غير ذلك من حلول، لا بديل لنا جميعاً سوى مواصلة الدوران في هذه الحلقة المفرغة.

* أستاذ الاقتصاد - جامعة الكويت

back to top