حوار الطرشان: الحرية والفوضى

نشر في 06-07-2013
آخر تحديث 06-07-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان الحرية المطلقة ليس لها وجود في العالم السفلي، لأنه عالم نسبي بالأصل، وبالتالي فإن كل من يدبّ على وجهه، أو يطير في سماه نسبيّ هو الآخر، والإطلاق الذي يبحث عنه المثالي، لا يكون إلا في العالم العلوي، عند الله سبحانه، في جنته التي وعد بها المؤمنين من البشر.

إذن لا بد للحرية أن تكون مقننة بتشريعات منضبطة، يسير على هديها الناس، بالإضافة إلى أنها- أي الحرية- لا بد أن تنطلق من القاعدة المسماة "بقاعدة الأخلاق" التي تعني الموروث المتراكم على مر السنين الذي بدوره شكل الهوية.

وفي ظل الضابطين يُترك للفكر مكنة التطور التي تساعد على بناء مفاهيم جديدة ومعاصرة، تساعد المجتمع على مواكبة التقدم المحموم من حوله.

والانضباط المقنن مطلوب ومطلوب جداً، لأن الحرية إذا ما أسيء استعمالها من قبل الدعيّ عليها، فإنها تنقلب إلى فوضى مدمرة، لأن الدعي الذي يريد إساءة استعمالها هو في حقيقة الأمر يخفي تحت ردائه دكتاتوراً يعشق السيطرة ويتغنى بها، وينتظر فرصة الظهور من أجل إظهار عشقه وتسميع صوته.

والفوضى التي يسعى الدعيّ إلى نشرها هي الوحيدة التي تمنحه فرصة الظهور، ليُخرج الدكتاتور المتواري تحت ردائه.

وإذا ما أصبحت الفوضى ملكية شائعة بين المتصارعين، فإن الحرية التي استعر القتال من أجلها، وطال أمد النزاع بسببها، ستموت بدعوى الحرية الجديدة التي ترفع لواءها الفوضى العمياء.

***

وإذا ما أردنا أن نبحث عن واقع عملي، يدلل على صدق قولنا، ويؤكد مدلول حديثنا، فما علينا سوى النظر من دون عناء إلى الساحة المصرية المشتعلة، لنرى أن الشعب هناك قد قام بثورته من أجل الحرية بمفهومها الواسع، ومن أجل آدميته التي كادت تضيع بسبب البؤس والحرمان والفقر المدقع.

أشعل الشعب فتيل الثورة، وتحقق مع الإشعال المراد منها بإسقاط النظام الذي كان يحكم مصر، إلا أنه وأثناء معمعة الثورة، دخل بين الصفوف من أشاع الفوضى بينها، فدخل مستتراً في بادئ الأمر، وفي تاليه قدم نفسه على أنه المنقذ الأوحد، والأمل المعقود الذي يمكن أن ينقذ مصر، ويقود الشعب إلى بر الأمان وشاطئ الحرية.

وبالفعل ومن دون أن نعلم كيف حدث ذلك، استطاع الفكر الشمولي التمثل بحركة "الإخوان المسلمين" والسيطرة على مقاليد الحكم هناك.

وما إن دانت له الأمور، أو ظن بأن الأمور قد دانت إليه، حتى خلع رداؤه الذي كان يلبسه، ليُخرج الدكتاتور الذي كان مختبئاً بداخله، فأخذ بإقصاء هذا وطرد ذاك، من أجل بسط سلطانه وتحقيق غايته المتمثلة بالاستبداد المطلق من ناحية، ولإشاعة الفوضى التي تمكنه من استحضار مبرراته للقضاء عليها بدعوى بسط النظام وترسيخ مفهوم الدولة الجديد من ناحية أخرى.

ومن حيث إن الحضارة المصرية لا يمكن أن تسمح بذلك، ومن حيث إن الشعب المصري مصدوم من ذلك، ومن أجل ذلك وذلك، أقول إن الفكر الشمولي لو لم يتدخل الجيش بعزله، لكانت النتيجة الفوضى العمياء، التي تؤدي إلى الحرب الأهلية... لا قدر الله... والسلام.

ملاحظة: سأتوقف عن الكتابة، على أن ألقاكم في أول سبت من شهر سبتمبر القادم، إن أسعفتني الأيام، وكان في العمر مدد... إن شاء الله.

back to top