أسودنا الداخلية... تعرّف إلى الفيروم في جسمك

نشر في 19-04-2013 | 00:02
آخر تحديث 19-04-2013 | 00:02
دأبتُ في الآونة الأخيرة على نشر المعلومات على المدونات عن فيروسات خطيرة، مثل الأنفلونزا وفيروس نورو. ولكن الحق يُقال، لا يجعلنا الكثير من الفيروسات في جسمنا نمرض، بل يعزز أحياناً صحتنا. قد تفكّر في التعرف إلى هذه الفيروسات، إلا أن معظمها يشكّل لغزاً بالنسبة إلينا.
تُدعى مجموعة الفيروسات التي تعيش في داخلنا في الوقت الحاضر فيروماً (virome). قد تظن أن هذه الفيروسات قد تلحق الضرر بخلاياك، ولا شك في أن بعضها مضر. على سبيل المثال، ثمة احتمال أن يحمل بعض فيروسات الورم الحليمي البشري (papillomaviruses) في عدد من خلايا بشرتك، ويُرجَّح أنها لن تسبب لك أي مشاكل. فبدل أن تفجر الخلايا، تكتفي هذه الفيروسات بتسريع معدّل انقسامها. وبما أن خلايا بشرتك تتساقط، فستتخلص من هذه الفيروسات بسرعة من دون الإصابة بأذى أو مرض. تنشأ المشكلة عندما تُسرّع هذه الفيروسات انقسام الخلايا بطريقة تخرج في النهاية عن السيطرة. فتسبب في هذه الحالة سرطان الدماغ والثآليل.

دراسات

لا تشكّل الخلايا وحدها هدف الفيروسات. فقد تتحول البكتيريا والفطريات غيرهما من كائنات في جسمك إلى مضيف لها. ومن بين ملايين الفيروسات الموجودة في جسمك الآن، يصيب عدد كبير على الأرجح البكتيريا. وكما كتبت ساره ويليامز في Proceedings of the National Academy of Sciences، قرر علماء الفيروسات، الذين صنّفوا الفيروسات المتنوعة جدّاً في البيئة من حولنا، العمل على ما يحتوي عليه جسمنا. ولا شك في أنهم سيلاحظون اختلافاً كبيراً بيننا وبين الأحياد المرجانية عندما يتأملوننا كنظام طبيعي.

لا تزال دراسة الفيروسات في مراحلها الأولى، ويعود ذلك في جزء منه إلى أن تحديد الفيروسات أكثر صعوبة من التعرف إلى البكتيريا. وفي هذه المرحلة من قصة الفيروم، تُعتبر الفيروسات كافة التي اكتشفها الباحثون في أجسامنا جديدة بالكامل بالنسبة إلى العلم. علاوة على ذلك، لكل منا فيروم خاص، فضلاً عن توازن فريد من الممكن أن يتبدّل بسرعة. لكنهم قد يتوصلون ذات يوم إلى فهم الفيروم كفاية للتلاعب به بما فيه فائدة الإنسان. يعتقد بعض العلماء أن الفيروسات تؤثر في صحتنا بطرق عدة، بعضها واضح وبعضها الآخر خفي. وكما ذكرت وليامز، يمكن لفيروم الشخص أن يؤثر في مدى حدة بعض الأمراض التي لا علاقة لها به، مثل الربو والتليف الكيسي (cystic fibrosis).

تعود فكرة استخدام الفيروسات لعلاج الأمراض المعدية إلى نحو قرن، لكن هذه الطريقة (تُعرف بالعلاج بالعاثية phage therapy) لم تحظَ باهتمام كبير في الغرب. غير أن الوضع بدأ يتبدّل راهناً. فقد وافقت إدارة الأغذية والأدوية الأميركية على استخدام الفيروسات لقتل البكتيريا في الأطعمة، مثلاً. لكن الأبحاث حول استخدام الفيروسات لتطهير الجراح، علاج البثور، وتنظيف الماء ما زالت في بداياتها. وإن كنت تخشى إدخال الفيروسات إلى جسمك، فلا تقلق، ثمة كثير منها يستهدف البكتيريا في أطعمة عدة نتناولها، مثل اللبن.

عندما نتعرف جيداً إلى فيرومنا، قد يدرس جيل جديد من العلماء جسمنا، تماماً كما يدرس علماء البيئة اليوم الأسود في الغابة. تؤدي الكائنات المفترسة دوراً مهمّاً في شبكات الأغذية، ما يؤثر في مدى انتشار عدد كبير من الأجناس، وعلى الأرجح  تؤدي الفيروسات دوراً مماثلاً في أجسامنا، ما يحدد مَن يربح ومَن يخسر المنافسة الشرسة بين الأجناس في داخلنا لأجل البقاء. يدرس علماء البيئة اليوم طرقاً لإعادة التوازن في الأنظمة البيئية المختلة بإعادة الكائنات المفترسة إليها، ولربما نتمكن في المستقبل من التحكم على نحو مماثل في أسودنا الداخلية.

back to top