بنغازي... قصة ليبيا الحقيقية لا تزال مجهولة!

نشر في 01-11-2012
آخر تحديث 01-11-2012 | 00:01
أنصار المرشح الجمهوري ميت رومني يعتبرون أن إدارة أوباما تبذل قصارى جهدها للتقليل من شأن الأدلة التي تشير إلى أن الجماعات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة كانت متورطة في قتل الأميركيين.
 ناشيونال جورنال كانت المشكلة تتعلق منذ البداية بتخبط المعلومات الاستخبارية، فبدأ كل شيء في 11 سبتمبر حين كانت وكالة الاستخبارات المركزية تنشط لمراقبة الاحتجاجات المعادية للأميركيين في 54 بلداً على الأقل في ذلك اليوم، وفق مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر.

 كانت ليبيا بعد عهد القذافي لا تزال غارقة بالفوضى وعالقة في ضباب الحرب، وكان السفير كريس ستيفنز قد جازف بسلامته حين قرر التجول في بنغازي لتقييم الوضع بنفسه، ومع ذلك، أكد كلابر خلال مؤتمر سنوي للخبراء الاستخباريين أن أحداً لم يتلقَّ تحذيراً بأن ستيفنز سيكون ضحية اعتداء متطرف ومنظّم.

في الأيام اللاحقة، بدأ الضباب ينقشع ببطء شديد، فلم تجد وكالات الاستخبارات طريقة واضحة لتفسير مقتل ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين، فمع تقدم سير التحقيق، بدأ التقييم يتغير بشكل جذري. بعد أربعة أيام على الاعتداء، في 15 سبتمبر، أرسل المسؤولون السفيرة لدى الأمم المتحدة سوزان رايس لتسجيل برامج حوارية يوم الأحد، وقد تمحور الحديث حول الفكرة القائلة إن مقتل ستيفنز نجم عن احتجاجات "عفوية" في السفارة الأميركية في القاهرة اعتراضاً على فيلم قصير صُنع في كاليفورنيا بهدف الإساءة إلى النبي محمد. هذا ما قالته رايس في برنامج Face the Nation على قناة CBS وقد تكلمت "استناداً إلى أفضل المعلومات التي نملكها حتى الآن" كما قالت. لكن أضافت رايس: "بعد فترة قصيرة على بدء ذلك الاحتجاج العفوي خارج قنصليتنا في بنغازي، نظن أن بعض العناصر والأفراد المتطرفين انضموا إلى التجمّع وكانوا يحملون أسلحة ثقيلة".

قال مسؤول في الاستخبارات معنيّ بتقييم اعتداء بنغازي: "اتضح منذ البداية أن مجموعة من الناس احتشدت في ذلك المساء. تساءل البعض في البداية عما إذا كان المتطرفون سيطروا على الحشود أم أن جميع الشبان الذين حضروا كانوا متطرفين. احتجنا إلى وقت أطول (حتى الأسبوع اللاحق) لنحلل معلومات متنوعة ومتضاربة أحياناً لفهم مكوّنات تلك الجماعة كلها".

لكن في الأسبوع اللاحق، اقتنعت بعض الجهات بعدم حصول أي حركة احتجاجية أصلاً. قال مسؤول في الاستخبارات: "كان الوضع يعكس مظاهر حرب حقيقية. أشارت التقارير الصحافية في تلك الفترة إلى حصول اشتباكات، لكننا احتجنا إلى أسبوع أو أكثر لمعرفة ما حدث فعلاً". في 28 سبتمبر، بعد أن علمت الاستخبارات الأميركية بمعلومات إضافية عن الاعتداء، قال المتحدث باسم مكتب كلابر، شون تيرنر: "راجعنا تقييمنا الأولي لنضيف معلومات جديدة تشير إلى أن الاعتداء الإرهابي كان متعمداً ومنظماً وقد نفذه متطرفون".

لكن حصلت أمور كثيرة أخرى من وجهة نظر مناصري المرشح الجمهوري ميت رومني، وتحديداً في أوساط المثقفين وفي مجلس النواب حيث اجتهدت لجنة التحقيق لتقصي الحقائق حول الاعتداءات ولتسريب بعض المعلومات على ما يبدو. هم يعتبرون أن إدارة أوباما تبذل قصارى جهدها للتقليل من شأن الأدلة التي تشير إلى أن الجماعات الإرهابية المرتبطة بـ"القاعدة" كانت متورطة في قتل الأميركيين. في نهاية المطاف، يركز الرئيس بشكل أساسي خلال هذا السباق الرئاسي الصعب على أنه قتل أسامة بن لادن وأضعف قدرات "القاعدة".

يبدو هذا التقييم منطقياً جداً، لكن ثمة مشكلة واحدة في هذا المجال: لم تبرز أي أدلة حتى الآن تثبت أن إدارة أوباما خدعت الرأي العام عمداً. يوم الأربعاء، برزت مجموعة جديدة من القصص التي تقتبس رسائل إلكترونية عشوائية أُرسلت إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية بعد ساعات قليلة على الاعتداءات ومفادها أن الميليشيا الليبية المتطرفة "أنصار الشريعة" أعلنت مسؤوليتها عن الاعتداء، فكتبت صاحبة المدوّنة المحافظة جينيفر روبن على موقع تويتر: "إنه دليل دامغ! لقد ضعفت مصداقية القصة الأساسية التي يتبناها البيت الأبيض، أي أن وكالة الاستخبارات المركزية أخطأت في فهم ما حصل وأن البيت الأبيض كان يخبرنا بما يعرفه حين كان يحثنا على تصديق أن مقتل أربعة أميركيين كان نتيجة أعمال شغب خرجت عن السيطرة بسبب فيديو مسيء. ذكرت ثلاث رسائل إلكترونية أُرسلت إلى البيت الأبيض بعد ساعتين من الاعتداء أن ما حدث هو عملية إرهابية وقد تبلّغ البيت الأبيض بأن المجاهدين المحليين المرتبطين بالقاعدة أعلنوا مسؤوليتهم".

لكن يصعب تصديق تلك القصة أيضاً، إذ كانت الرسائل الإلكترونية المزعومة تحتوي حصراً على معلومات استخبارية "أولية" وغير مثبتة كتلك التي تتدفق في العادة بعد أي حدث مماثل. من المعروف أن المسؤولين في الاستخبارات لا يقدمون تقييمهم إلى أن يحصلوا على تقارير "نهائية" تستند إلى مصادر متعددة وأدلة مؤكدة. بالتالي، ما كان المسؤولون في إدارة أوباما، مثل رايس، ليظهروا أمام الكاميرات لذكر معلومات استخبارية أولية. في هذا الصدد، يقول معظم المسؤولين الحكوميين البارزين إن إنهاء تقييم حادثة بنغازي تطلب منهم وقتاً طويلاً. أوضح المسؤول الاستخباري: "ينسى الناس أن جماعة فلسطينية كانت أول من أعلن المسؤولية اعتداءات 11 سبتمبر. لم تصدر أي رسالة واضحة من ساحة الحدث خلال تلك الأيام الصاخبة الأولى لتبديد الشكوك أو إثبات هوية المسؤولين عن الاعتداء".

صرح المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، أمام المراسلين بأن تلك القصص التي تم تداولها يوم الأربعاء كانت مقتبسة من "رسالة إلكترونية عشوائية تستند إلى معلومات وردت على موقع فيسبوك. خلال بضع ساعات، نفت منظمة "أنصار الشريعة" مسؤوليتها عن الاعتداء". أدلت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بتعليقات منفصلة يوم الأربعاء واعتبرت أن "المعلومات التي تُنشر على فيسبوك ليست دليلاً بحد ذاته، بل أظن أنها تثبت مدى عشوائية نقل الأخبار في تلك الفترة وفي المرحلة اللاحقة".

حتى في المرحلة الراهنة، يعتبر مسؤولون في الاستخبارات أن القصة الكاملة لا تزال مجهولة، فلم يتضح بعد ما إذا كانت احتجاجات القاهرة على الفيديو غير مرتبطة باعتداء بنغازي لأن بعض المتطرفين الذين هاجموا ستيفنز وزملاءه ربما استفزّتهم مشاهدة التظاهرات على شاشات التلفزة. يقول المسؤولون إنهم يتابعون جمع لائحة من المشتبه فيهم.

أوضح مسؤول الاستخبارات: "حتى الآن، تشير المعلومات المتوافرة إلى صحة التقييم الأولي الذي يعتبر أن المتطرفين (يرتبط الكثيرون منهم بمنظمة "أنصار الشريعة" و"القاعدة في المغرب الإسلامي" وجماعات أخرى) لم يخططوا للاعتداء قبل أيام أو أسابيع، بل إنهم انتهزوا الفرصة لشن هجومهم بعدما علموا بأعمال العنف أمام السفارة الأميركية في القاهرة".

ما يثير الاهتمام هو أن رومني قد سئم على ما يبدو من قصة بنغازي، وقد اتضح ذلك عشية يوم الاثنين حين طرح الإعلامي بوب شيفر أول سؤال عن ليبيا خلال المناظرة الأخيرة مع الرئيس أوباما، وقد تجاهل مرشح الحزب الجمهوري ذلك السؤال بكل وضوح. لكن يبدو أن المساعي لمعرفة ما كان يعرفه كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية وتوقيت معرفتهم بتلك المعلومات لن تزول بسهولة، لكنها قد تختفي أخيراً بعد 6 نوفمبر

Michael Hirsh

back to top