تجربة وخطأ

نشر في 10-05-2012
آخر تحديث 10-05-2012 | 00:01
No Image Caption
 ضاري الجطيلي على مدى ثلاثة أسابيع تصدر د. غانم النجار لواء معارضة التوسع بعقوبة الإعدام، متبعاً كعادته طرحاً موضوعياً توعوياً شارحاً من خلاله توجه العالم المتحضر حيال عقوبة الإعدام وسرد الأمثلة لفشلها عملياً، ومن بين ما كتب التالي: "واقع الأمر، ومن خلال الدراسات الكثيرة، وبالذات في مجالات علم الإجرام أو العدالة الجنائية، أو حتى علم النفس الاجتماعي، أنه لم يبرز دليل علمي واحد على أن الإعدام كان رادعاً لأحد عن ارتكاب جريمته". إلا أن ذلك لم ينجح في كبح جماح مجلس الأمة والحكومة في تشريع القتل بناءً على الهوية والمعتقد وما تكنّه السرائر.

الممارسة الديمقراطية في أبسط صورها هي عبارة عن سلسلة: مواطن يختار من يحمل رؤى لحل مشاكله وتلبية طموحاته لدولة المستقبل، فيتولى من وقع عليه الاختيار سلطة تنفيذ تلك الرؤى، فتنعكس نتائجها على حياة المواطن الذي يخضعها للتقييم، ثم يأتي الحكم عليها في الانتخابات القادمة فإما يجدد المواطن اختياره إذا ما نال رضاه، وإما يصححه في حال أخفق، وتعاد العملية من جديد مع تطورها في كل دورة. إذن هي باختصار عملية تجربة وخطأ، والعملية هي ذاتها أيضاً في تقييم ما ينتج عن ممارسة ممثلي المواطن للسلطة، فالسياسات الفاعلة تستمر وتطور، والفاشلة تلغى أو تعدل.

ينهار الترابط المنطقي للسلسلة بسقوط إحدى حلقاتها أو باستبدالها بحلقة نشاز لا تنتمي إليها، فعلى سبيل المثال برلماننا الحالي أخل بالممارسة، لأنه استبدل مطالب المواطن المراد منه تلبيتها بمطالب أخرى غيبية، وحرف مفهوم النيابة من تكليف شعبي إلى تكليف إلهي، والنتيجة تشريعات وسياسات مستقاة من ماضٍ سحيق منفصلة عن واقع الهموم والمشاكل الحالية، لأن المشرع أحل مرضاة الله محل رضا المواطن، وأقنعه بتأجيل تقييم التجربة من يوم الانتخابات إلى يوم الحساب، فسقطت الموضوعية وحل محلها تكرار التجربة بغض النظر عن خطئها.

من يتولى السلطة بهدف حل المشاكل وتلبية المطالب وبناء المستقبل عليه أن ينحاز إلى الواقع والدليل العلمي، ويقبل بإخضاع سياساته للتقييم الموضوعي وإمكانية تصحيحها أو الرجوع عنها عندما تأتي النتائج سلبية. الأمثلة كثيرة لدينا على اختلال الممارسة، ولكن لنأخذ أبرزها وهو منع التعليم المشترك في الجامعات على سبيل المثال الذي يعج بالسلبيات المثبتة، سواء من حيث رفع كلفة توفير التعليم على الدولة، أو تأخير إنشاء الجامعات الجديدة، أو تنفير الجامعات الأجنبية المرموقة من إنشاء فروع لها عندنا، ناهيك عن توسع التيار الإسلامي في "تشريعات الفضيلة" المستهدف بها الشباب، وهي بمنزلة شهادة منه بفشل منع التعليم المشترك في تهذيب أخلاقهم كما أريد منه، ولكن بدلاً من الاعتراف بفشل التجربة نجده ما زال متعلقاً بالفكرة عاطفياً ومنحازاً لها بشكل أعمى، بدليل التوجه إلى منع التعليم المشترك في المدارس الخاصة أيضاً.

كم أتمنى لو كانت لدينا ممارسة ديمقراطية صحيحة، لكانت جملة د. النجار التي اقتبستها في البداية تحسم الجدل حول عقوبة الإعدام وتغنيه عن كتابة ثماني مقالات، ولكننا نمارس ديمقراطية أصبح قوامها العنف والكراهية والانتقام والتصفية السياسية... والآن الجسدية أيضاً.

back to top