سورية: هل ينتظر العالم حصول إبادة جماعية؟

نشر في 01-12-2012
آخر تحديث 01-12-2012 | 00:01
من العار أن نحتفل بميلاد رجل السلام والإنسانية الذي كان يتحدث اللغة الآرامية التي يستعملها حتى اليوم سكان مدينة معلولا السورية، في وقت تستفحل فيه الإبادات الجماعية بدلا من أن يسود الحب الأخوي في أراض جال فيها المسيح مع تلاميذه منذ ألفي سنة.
 هافينغتون بوست من ألمانيا النازية إلى رواندا، ارتُكبت أعمال وحشية وإبادات جماعية غير إنسانية اكتفى العالم حين اندلاعها الوقوف متفرجاً على تلك الأعمال الوحشية. اليوم، يشهد الجميع أعمالاً وحشية شائنة ودماراً هائلاً في سورية، وها نحن مجدداً نجلس في مقاعد المتفرجين لمتابعة تطور الوضع أمامنا بكل أسف، لكن من دون اتخاذ أي إجراء أو تدخل فاعل لوقف ما يحدث.

لا يمكن أن يوصف نظام بشار الأسد، وهو يخوض حرباً ضد شعبه ويقصف الناس من البحر والجو ويقتلهم في منازلهم، إلا بأنه نظام وحشي. وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل أكثر من 40 ألف شخص حتى الآن. وقد هرب أكثر من مليون شخص من البلد وأصبح مئات الآلاف منهم لاجئين في الدول المجاورة مثل تركيا والأردن والعراق ولبنان.

يعمد النظام أيضاً إلى توسيع نطاق الدمار في المدن التي تحمل قيمة تاريخية عريقة. تعرضت جميع المدن الكبرى للقصف، بدءاً من حلب في الشمال وصولاً إلى درعا في الجنوب، بالإضافة إلى حمص في وسط البلد ودير الزور شرقاً.

لم يعد الوضع الراهن في سورية مجرد انتفاضة سياسية انطلقت في نهاية الربيع العربي، بل انه يعكس كارثة إنسانية تزداد دموية مع مرور الأيام.

لا يمكن أن نواصل متابعة الوضع كمتفرجين أو أن نختبئ وراء أعذار واهية وعبارات مألوفة مثل "الوضع معقد جداً"، أو "النظام سيسقط في النهاية"، أو استعمال العبارة التي يروّج لها الأشخاص الذين يهتمون حصراً ببقاء النظام في السلطة: "يجب أن نترك المجال مفتوحاً أمام الحلول الدبلوماسية".

فشلت مهمة مبعوثَي الأمم المتحدة كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، وتبين أن قرارات جامعة الدول العربية غير فاعلة. كذلك، فقدت قرارات الأمم المتحدة أهميتها بسبب الانقسام الحاصل بين الدول الأعضاء التي تملك حق النقض في مجلس الأمن.

يظن بعض القادة أن الوقت سيكون كفيلاً بحل المشكلة. هم يأملون أن يسقط نظام الأسد في نهاية المطاف نتيجة الأهوال المرعبة التي ارتكبها. لكن استناداً إلى التجارب السابقة التي تشمل أنظمة مماثلة، يبقى هذا السيناريو مستبعداً. حتى الآن، يسعى الأسد الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية (أقلية شعبية في سورية) إلى حكم الشعب كله بقبضة حديدية، بما في ذلك الأغلبية السنية. تشير جميع ارتكابات الأسد حتى الآن إلى أنه سيقوم بكل ما يلزم للصمود، حتى لو اضطر إلى استعمال الأسلحة الكيماوية في النهاية. لا يختلف نظامه عن نظام والده حافظ الأسد الذي سحق وسمّم مدينة حماة بالكامل وقتل عشرات الآلاف فيها.

سورية هي وريثة حضارة قديمة تشمل خريطة فريدة من الأقليات التي تضم مسلمين ومسيحيين من مختلف المذاهب. ثمة عشر جماعات إثنية ودينية من هذا النوع على الأقل. طوال قرون، تعايشت هذه الجماعات جنباً إلى جنب سلمياً. اليوم، بدأت الحرب الداخلية التي تنسف وحدة الشعب تتحول إلى حرب أهلية وقبلية قد تضع حداً للوطن السوري وقد تمتد إلى بقية مناطق الشرق الأوسط.

يشك البعض بأن الفوضى السائدة في سورية قد تزعزع استقرار الشرق الأوسط كله. ستصبح الاضطرابات الطائفية الناجمة عن هذا الصراع المأساوي مُعدِية وقد تنتقل إلى العراق ولبنان المجاورَين. يشكّل التفجير الأخير الذي قتل مدنيين أبرياء في لبنان مؤشراً تحذيرياً لاحتمال تمدد الصراع.

بما أن الأسد يستعمل هضبة الجولان كـ"ورقة خوف"، قد تتدخل إسرائيل أيضاً. لاشك أن هذا الأمر سيحث إيران و"حزب الله"، وربما تركيا ومصر، على التدخل أيضاً. تشير التقارير منذ الآن إلى أن الجماعات المسلحة (كتلك المرتبطة بتنظيم "القاعدة") بدأت تعتبر سورية أرضاً خصبة.

حتى الصين بدأت تدرك أن الفوضى في بلدٍ يملك آلاف الصواريخ ومخازن ضخمة من الأسلحة الكيماوية لا تهدد استقرار الشرق الأوسط فحسب بل تدفق النفط إلى الغرب والشرق على حد سواء.

في هذه الحالة، يبدو أن القضية الإنسانية والمصالح العالمية تسير في خط واحد.

قد تبدو سورية دولة صغيرة ولكنها تشهد صراعاً من النوع الذي يمكن أن يؤدي إلى كارثة عالمية. يسهل أن ندرك أن سورية هي نسخة عن سراييفو في القرن الواحد والعشرين، ما يعني أن هذا الوضع قد يؤدي إلى حرب عالمية.

يجب أن يتحرك العالم الآن بشكل جماعي. إذا كنا نملك الإرادة اللازمة، يمكن أن نجد طريقة لحل الأزمة. أقل ما يمكن فعله في الوقت الراهن هو توفير الملاجئ والمساعدات الملموسة إلى الهاربين عبر الحدود. في موازاة ذلك، يجب أن تدعم القوى النافذة الجيش السوري الحر الذي ينشط ميدانياً، وأن تفرض حظراً جوياً من شأنه أن يعوق إمكانات هذا النظام الوحشي الذي يقصف الأبرياء من نساء ورجال.

مع اقتراب موسم الأعياد المسيحية، من العار أن نحتفل بميلاد رجل السلام والإنسانية الذي كان يتحدث اللغة الآرامية التي يستعملها حتى اليوم سكان مدينة معلولا السورية في الوقت الذي تستفحل فيه الإبادات الجماعية بدل أن يسود الحب الأخوي في تلك الأراضي التي جال فيها المسيح مع تلاميذه منذ ألفي سنة.

* حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء في عام 1999.

back to top