بين الواقع والأفلام... نهايات الحكام!

نشر في 17-02-2012
آخر تحديث 17-02-2012 | 00:01
 محمد بدر الدين في لحظة مرور عام على خروج، أو خلع، حاكم مصر الأخير من المشهد السياسي، تحت وقع هتاف الجماهير الثائرة لمدة 18 يوماً: «ارحل»، نستطيع أن نتأمل كيف صورت السينما المصرية «نهايات الحكام»، وبينهم الذين أجبروا على المغادرة جبراً، بصورة أو أخرى.

شاهدنا نهايات حكام تجبروا وطغوا، لم يأتوا من قلب صفحات التاريخ المعروف، لكن كان السينمائيون يرمزون بهم إلى كل حاكم تجبر وطغى، كما في «لاشين»، وكان الرمز فيه واضحاً موجعاً إلى حد أن رقابة نظام العهد الملكي قبيل ثورة يوليو 1952 منعت عرضه، ولم تُكتشف قيمته الفكرية والسياسية والفنية إلا لاحقاً بعد سنوات طوال!

في فيلم آخر هو «وإسلاماه» من الإنتاج المصري، وإن كان لمخرج أجنبي، شاهدنا صفحات من صراع دولة المماليك، وفي الوقت ذاته جولات من الصراع الوطني ضد هجمات التتار.

في «وإسلاماه» المأخوذ عن نص للأديب علي أحمد باكثير، نشهد نهاية شجر الدر (تحية كاريوكا) على يد غريمتها، بقسوة وعنف، في الحمام، حتى الموت، ويذكر التاريخ دوراً وطنياً لها وإسهاماً حقيقياً في إدارة معارك البلاد ضد التتر، خصوصاً عندما أخفت نبأ موت زوجها حاكم مصر كي لا تتأثر معنويات الجند أثناء القتال، وتحملت هي موقف إدارة شؤون الحكم بجسارة واقتدار.

الملكة المصرية الأخرى التي تضارع شجر الدر في الشهرة هي «كليوباترا» التي كتب عنها الشاعر المصري الأكبر أحمد شوقي مسرحيته المعروفة، وقدمت عنها السينما الأجنبية أكثر من فيلم. لكن يبقى الألمع حتى الآن الفيلم الذي قامت ببطولته إليزابيث تيلور. أما في السينما المصرية فلم نرَ بعد اقتراباً من تلك الشخصية المثيرة لجدال دائم، بقصة حبها للقائد الروماني أنطونيو ونهاية عصور الإغريق في مصر بعدها، وأخيراً نهايتها الفاجعة بالانتحار بسم أفعى في موقف مأساوي لنهاية وهزيمة في قصة حب وقصة حرب.

من التاريخ القديم والوسيط إلى الحديث والمعاصر، نرى أفلاماً اقتربت من نهايات الحكام، أحياناً «بسينما متسرعة»، إن جاز التعبير، كما في «ألمظ وعبده الحامولي» للمخرج حلمي رفلة ومن بطولة المطربين وردة وعادل مأمون والقدير حسين رياض الذي أدى شخصية اسماعيل خديو مصر، ولم يكن الفيلم موفقاً ولا جاداً بما يستحقه التاريخ ولا حتى ما يستحقه مكانة هذا الخديو، الذي له من الإيجابيات الكثير مثلما له من الأخطاء الكثير، فهو الوحيد في أسرته الحاكمة الذي حاول النهوض بالبلاد نهضة شاملة، إلى جانب مؤسس الأسرة محمد علي وابنه ابراهيم باشا القائد العسكري الفذ، ولم ترد الدراما في مصر الاعتبار إلى إسماعيل إلا في ما بعد في دراما المسلسل التلفزيوني المرموق «بوابة الحلواني» (الثلاثي الناصر: المؤلف محفوظ عبد الرحمن والمخرج إبراهيم الصحن والبطل محمد وفيق)، فذكرت ما لهذا الحاكم من إنجاز إلى جانب ما عليه من مآخذ.

توقفت السينما المصرية بجدية أمام نهاية الملك فاروق، آخر حكام أسرة محمد علي، سواء بتصويرها الواضح كما في «الله معنا» عام 1954 للمخرج أحمد بدرخان والكاتب إحسان عبد القدوس وضمن أبطاله فاتن حمامة وعماد حمدي، أو بالاقتراب من تلك النهاية من دون تصويرها كما في أفلام «رد قلبي» للمخرج عز الدين ذو الفقار عن قصة يوسف السباعي، و{القاهرة 30» للمخرج صلاح أبو سيف عن قصة نجيب محفوظ، و{شروق وغروب» للمخرج كمال الشيخ عن قصة جمال حماد... وغيرها.

أما جمال عبد الناصر قائد ثورة يوليو التي أطاحت بذلك العهد الملكي، فالسينما المصرية لم تقدم رحيله المفاجئ عام 1970، وإن صوّرت لقطات حقيقية وثائقية من جنازته المهيبة التي وصفت بـ «جنازة القرن» كما في «عودة الابن الضال» (1976) الذي أخرجه يوسف شاهين وكتبه صلاح جاهين، وهو الفيلم الوحيد الذي مثلته المطربة الكبيرة ماجدة الرومي في مستهل مشوارها، إلى جانب محمود المليجي وشكري سرحان وهدى سلطان وغيرهم.

الفيلم الوحيد الذي قدمته السينما المصرية عن قائد ثورة يوليو هو «ناصر 56»، أخرجه محمد فاضل وكتبه محفوظ عبد الرحمن وقام ببطولته أحمد زكي، وقد اختار مبدعوه في تناولهم مائة يوم من سيرة قائد الثورة، كان يستعد فيها لإعلان قراره التاريخي بتأميم قناة السويس عام 1956، وتوجت بمقاومة الشعب المصري الباسلة تحت قيادة الثورة للعدوان الثلاثي الاستعماري، الذي دحر في 23 ديسمبر من العام نفسه.

لكن فيلماً آخر، غير مصري، هو «جمال عبد الناصر» للمخرج السوري أنور القوادري، صور نهاية الزعيم على فراشه وقدم لحظات الوداع برهافة، خصوصاً عبر الأداء الموفق الدقيق لعبلة كامل في دور زوجة القائد، وجاء هذا المشهد ناضجاً في فيلم تراوحت مشاهده كثيراً في مدى الاتقان.

كذلك قدمت السينما المصرية نهاية أنور السادات في الاستعراض العسكري و{موقف المنصة» المعروف في 6 أكتوبر 1981، حيث أودت نيران طلقات جند من الجيش المصري بحياة الرجل، في فيلم «أيام السادات» إخراج محمد خان وبطولة أحمد زكي، اعتراضاً بالعنف على مجمل سياساته، خصوصاً معاهدة الصلح المنفرد مع تل أبيب. ولم تخل السينما المصرية من تقديم نهاية حكام عرب غير مصريين، مثل نهاية الإمام أحمد حاكم اليمن الذي أطاحت به ثورة الشعب اليمني، في «ثورة اليمن» إخراج عاطف سالم، وقام بدور الحاكم الممثل المتميز المقتدر صلاح منصور.

سوف تشهد السينما المصرية بالتأكيد مزيداً من تصوير نهايات الحكام، خصوصاً نهاية مبارك في موقف صنعه الشعب وعاشه في 11 فبراير 2011، وهو موقف نادر إن لم يكن فريداً في التاريخ السياسي المصري، لذلك سيكون لافتاً متفرداً في مستقبل الفن السينمائي المصري.

back to top