سينما الهروب من الواقع

نشر في 28-02-2012
آخر تحديث 28-02-2012 | 00:01
 محمد بدر الدين أحد أحدث أفلام السينما المصرية «ريكلام» الذي أخرجه علي رجب وكتبه مصطفى السبكي، وهو نوع من الأفلام التي تنتجه السينما دائماً عن فتيات الليل، وكيف أدت بهن الظروف إلى ذلك المصير.

في هذا الفيلم نشاهد صوراً وحالات من المعاناة مرت بها أربع فتيات منذ البدايات الأولى والنشأة، ودفعت بهن إلى المأساة في النهاية وإلى السقوط، مع محاولة المعالجة الدرامية التبرير لهن أو تلمس الأعذار.

تأتي الفتيات من طبقات أو بيئات اجتماعية مختلفة، وتؤدي أدوارهن غادة عبد الرازق، رانيا يوسف، ريهام نبيل، ودعاء سيف النصر. لكل منهن حكاية وبداية مختلفة، لكن تجمع بينهن النهاية...! وتصل بهن الظروف القاسية إلى العمل في مهنة «ريكلام» حيث يقمن بمجالسة الزبائن في الملاهي الليلية، كما يقعن في يد امرأة تحترف مهنة البغاء تقوم بدورها علا رامي.

تصوير الفيلم لنانسي عبد الفتاح، والمونتاج لدعاء فاضل، والموسيقى التصويرية لتامر كروان. هؤلاء، إضافة إلى بطلات الفيلم ومخرجه أيضاً، يوظفون جميعاً مواهبهم في هذا العمل من نوعية تقليدية استهلاكية من السينما، يمكن أن نقول إن الزمن عفا عنها.

تعتمد تلك النوعية على مخاطبة أو مغازلة الجمهور، الباحث عن الترفيه في سهرة يرى فيها فتيات و{نمر» الكباريه والأغاني الشعبية الساذجة، ويقدم ثمن الترفيه تذكرة. فالثمن في متناوله، لكن ذلك الإقبال يشجع منتجي السينما التجارية على الاستمرار، وعلى التكرار!

ولا يقلق ذلك القطاع من الجمهور أي تكرار فيما شاهد من حكايات أو مشاهد، لأنه يعرف بقدر ما يعرف صانع الفيلم، أن المطلوب ليس موضوعاً غير مستهلك أو نظرة جديدة في معالجة الموضوع،أو إثارة مناقشة أو فكر أو خيال حول قضية، فالطرفان (صانع الفيلم ـ والقطاع من الجمهور) لديهما ما يشبه «التواطؤ» أو الاتفاق الضمني على نوعية الفيلم سلفاً، والمستهدف منه في إطار محاولة الإمتاع والترفيه بأي شكل ولو على حساب قيمة الفن الحق، وحتى مع اللجوء إلى درجة أو أخرى من التبذل والإسفاف.

«قطاع من الجمهور» لأن المسلمة البديهية مفادها أن الجمهور ليس قطاعاً واحداً، فثمة من يرفض تلك النوعية، حرصاً منه على قيمة الفن وعدم الاستخفاف بالفن وبالمشاهد وبالمشاهدة!

في فيلم مثل «ريكلام»، لا يهتم أصحابه بالحرص على الاتقان والعناية بالحرفيات والجماليات، ولا يهتم بالطبع سيناريو السبكي بوضع تبرير أو تفسير كاف مقنع لأسباب انحراف الفتيات، ولا بتقديم جاد لأي خلفيات اجتماعية أو سياسية للمجتمع الذي تدور فيه الأحداث!

ولا يهم هنا ما يقوله أصحاب الفيلم من أن حكايات البطلات مستمدة من قصص حقيقية، فالمهم هو ما نشاهده على الشاشة وإلى أي مدى الإقناع أو الإشباع الدرامي، فللشاشة والدراما منطق خاص، إما أن تصدقه أو أن تجده كما في هذه الحال مفتعلاً.

«ريكلام» هو سينما حكايات النساء الأربع (شادية ـ دولت ـ سوزان ـ شكرية) لأجل تمضية وقت لا معنى له معهن، أخطأن وسقطن، والفيلم يقول في النهاية إنهن جميعاً نلن العقاب، للادعاء أيضاً بأنه فيلم أخلاقي.

إنه أحد أفلام سينما الهروب من الواقع، الذي يسعى إليه البعض، ويساعد عليه هذا النوع من «السينما - المخدرات»!

back to top