بطانة الحاكم

نشر في 24-01-2012
آخر تحديث 24-01-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. عبدالله محمد الوتيد كثيراً ما قرأنا في الصحف اليومية، أو تبادر إلى مسامعنا في الندوات وجلسات الدواوين مفهوم "بطانة الحاكم" التي غالباً ما توجه إليها الاتهامات العديدة بفسادها واستغلالها المستمر لمقدرات الدول وثرواتها، فمن يا ترى هذه البطانة التي يتكلمون عنها؟

يعطي القاموس العربي تعريفاً لغوياً لكلمة "بطانة" بأنها "سريرة المرء أو الفرد أو أهله وخاصته"، إلا أننا في هذه المقالة ننشد الدلالات والمعاني السياسية لهذا المفهوم، فهو في تصوري وإلى هذه اللحظة مفهوم هلامي غامض غير واضح الأركان والبنيان.

فالكثير منّا يحدد البطانة اللصيقة بالحاكم بأنهم مجموعة من الأصدقاء والجلساء، وآخرون يحددونهم بمجموعة من الأقارب بروابطهم الأسرية المتفرعة الذين يستمع الحاكم إلى آرائهم وأفكارهم في شؤون الحكم.

أما آخرون فإنهم يعرفونهم بمجموعة من المستشارين ذوي الخبرات في مجالات الحياة المختلفة يقدمون عصارة فكرهم وخبراتهم لمساندة الحاكم في إدارة البلاد.

كنه هذه البطانة وطبيعة تشكيلاتها لم تحددها إجراءات مكتوبة أو قوانين منصوص بها في دولنا العربية على العموم أو دولنا الخليجية على الخصوص، فلا نعرف من هم أعضاء "البطانة" وآلية اختيارها؟ أو ما صلاحياتها وحدود مسؤولياتها أمام الحاكم والمجتمع؟ وهل يمكن محاسبتها على أفعالها وممارساتها السلبية؟

فبطانة الحاكم في كثير من الأحيان متهمة بالفساد، وكذلك متهمة بعزلها للحكام عن وصول مظالم العامة إلى مسامع القيادات والزعامات الرئاسية في دولنا ومجتمعاتنا، فهل هذه الاتهامات في محلها السليم؟ أم أنها مجرد شماعة يُلقى عليها سوءات الحاكم وقراراته غير الصائبة للبلاد وأحوال العباد المتردية؟ أم هي مطية ووسيلة يستخدمها العامة لإرسال رسائل بطريقة غير مباشرة للحاكم يريدون إيصالها له بأن أعماله وأفعاله المدمرة للحياة السياسية والاجتماعية من خلال اتهام بطانته ورجالاته دون الإشارة إليه مباشرة؟!

في عصرنا الحديث يمكن تعريف بطانة الحاكم بأنها هي مجموعة من الأفراد أو الشرائح والفئات المجتمعية اللصيقة بالحاكم يكون مركز عملها ومحور مهامها خدمته ورعايته من خلال أدوار ووظائف محددة تنحصر فيما يلي:

أولاً: تقديم استشارات ونصائح مستنيرة للحاكم تساعده على اتخاذ قرارات سياسية إيجابية لخدمة المجتمع ونمائه.

ثانياً: تقديم معالجات سيكلولوجية نفسية لمحاولة تقليل ضغوط العمل والحياة السياسية التي يمر بها الحاكم خصوصاً المواقف الإنسانية الصعبة كالكوارث والحروب والأزمات السياسية والاقتصادية.

ثالثاً: تقديم أنواع عديدة من الأنشطة الترفيهية والتسالي لما لهذه الأنشطة من مزايا تخرج الحاكم من رتابة الأعمال وضغوطها، وتعيد له نشاطه الذهني واتزانه الانفعالي.

سمات أفراد البطانة المنتقاة وخصائصهم وشخصياتهم لها دلالات واضحة على طبيعة شخصية الحاكم وميوله وأهوائه وطباعه. فتشكيلاتهم الإنسانية ما هي إلا موجهات للمشاهد السياسي عن شخصية الحاكم، فإذا كانوا من الأشقياء والبؤساء فإنه لا محالة سيكون هناك انعكاس سلبي على صورة الحاكم ومكانته لدى عقل الخاصة ووجدان العامة.

أما إذا كانت هذه البطانة من الحكماء وأصحاب الرأي المستنير وذات السمات الحميدة فإن لذلك وقعاً جميلاً على النفس وانطباعاً حسناً بين فئات المجتمع وطبقاته.

إننا في أحوج ما نكون إلى دراسة هذا المفهوم وهذه الظاهرة السياسية الإنسانية دراسة علمية مستفيضة وواعية لوضع أسسها وسماتها لتحصين الحاكم من الاستغلال الشخصي والسياسي وحمايته من تشويه مكانته ومركزه السياسي والريادي.

back to top