الصراع على مصر بين طيور الظلام

نشر في 13-02-2012
آخر تحديث 13-02-2012 | 00:01
 محمد بدر الدين خبر خطير: حكمت المحكمة بحبس الفنان عادل إمام ثلاثة أشهر بتهمة الإساءة إلى الإسلام وازدراء الأديان في أعمال سينمائية ومسرحية عرضت له في فترات سابقة!

لا ترجع خطورة الخبر إلى اسم الفنان اللامع فحسب، وإنما إلى طبيعة القضية والتوقيت الدقيق «الخطر» الذي يصدر فيه الحكم، كذلك كأنما هو فتح الباب لكشف حساب على ما يقدمه الفن المصري حتى في وقت سبق!

فهو توقيت، يصعد فيه اليمين الديني إلى قمة المشهد السياسي في مصر، وهو بعد أن كانت جماعاته توصف رسمياً بـ «المحظورة»، أصبحت أكثرية في البرلمان الجديد ولها إعلامها المنتشر ووسائطها وفضائياتها الخاصة. في ركاب هذه الجماعة (الإخوان)، صعدت أيضاً مجموعات تُعرف بـ «السلفية»، ومع أنهم للإنصاف ليسوا كتلة صماء واحدة، إنما في داخلهم تنويعات في فهم الدين ومدى التشدد فيه، إلا أن بينهم، في إطار تيار الإسلام السياسي إجمالاً، أصواتاً تعلو بكلمات نشاز، داعية إلى القلق والاهتمام مثل الصوت الذي اعتبر أدب نجيب محفوظ الرفيع مجرد أدب إباحي، يقدم دعارة في ثياب آداب!

لا ننسى أن هذه الأصوات ذاتها ذهبت سابقاً في الشطط، إلى حد اعتبار أن الزواج والطلاق إذا حدثا في التمثيل، فكأنهما حدثا في الواقع والحقيقة تماماً! وهي ذاتها التي دفعت عدداً ملحوظاً من فنانات التمثيل والغناء، بل والفنانين الرجال، إلى اعتزال الفنون لأنها «من المحرم غير المباح»! وهي ذاتها التي تعتبر اليوم أن الضحايا الأبرياء الذين تجاوزوا الثمانين وأزهقت أرواحهم في مجزرة بشعة خلال أقل من ساعة في المباراة في مدينة بورسعيد، لا يجوز أن يعتبروا من الشهداء لأن «الرياضة من نوع كرة القدم ليست إلا لهواً، والعياذ بالله يبعد صاحبه عن الدين»! إلى آخر هذه الصنوف، من الفهم الساذج الأحمق للدين.

ليست المشكلة هنا في أن السذاجة والحمق يضران صاحبهما فحسب، إنما تجران المجتمع كله إلى تخلف شامل، في ظرف قامت به جماهير الشعب بثورة كبرى، قبل عام، لتلحق بركب العصر، وبالعالم الذي يتقدم بسرعة بينما شعوبنا في المجالات كافة تعاني أشد الحالات بؤساً، وبدلاً من الانعتاق يريد بنا البعض أن تخيم طبقات من الظلام فوق طبقات! مع أن عادل إمام ليس أحد رموز الثورة المصرية في الفن، بل إنه كثيراً ما اضطرب أمام اندلاعها وكانت له تصريحات خائبة في قضايا السياسة قبل الثورة وخلالها، إلا أن الأعمال التي حوكم ومطلوب حبسه بسببها تعتبر من أفضل أعماله، خصوصاً فيلم «طيور الظلام»، ومسرحية «الزعيم» التي يلعنها هؤلاء أيضاً هي عرض جذاب يدين نمط الدكتاتور الطاغية الذي يحكم البلاد وحاشيته الفاسدة لصالح نفوذهم وترفهم، ولو على حساب أو جثث العباد! أما «طيور الظلام» فهو واحد من خمسة أعمال تعد من أنضج أعمال مؤلفها وحيد حامد ومخرجها شريف عرفة، بدأت بالفيلم الأخاذ «الإرهاب والكباب» وانتهت بـ{النوم في العسل»، مروراً بـ{اللعب مع الكبار» و{طيور الظلام» و{المنسي».

لعل «طيور الظلام» بالذات، الذي يعودون اليوم إليه لإدانته والحكم على نجمه بالحبس لقيامه ببطولته، هو ذروة تلك الخماسية الجادة الجيدة من الأفلام! خماسية ستذكر لحساب نجمها وتدخل في رصيده الإيجابي، وضمن أهم ما سيدخل به التاريخ السينمائي، كذلك لها قيمتها بالنسبة إلى المخرج والمؤلف ومجمل المشاركين في هذه السلسلة.

يتميز «طيور الظلام» ببناء أو صرح درامي متنام متماسك وحرفية متقدمة، ويعد في تقديرنا أحد أنضج الأفلام في السينما المصرية المعاصرة إن لم يكن في السينما المصرية كلها، وهو يعبر بتكثيف ورقي فني ورهافة في مختلف عناصره عن لوحة أو «جدارية» مصر في زمان حكم مبارك، الذي لا تزال بقاياه وأطراف أخطبوطه مهيمنة. فالفيلم كاشف عن الصراع الكبير في مصر، وعليها! بين قوى أساسية ذات نفوذ ومطامع بلا حدود، لاستغلال البلاد وشعبها وثروتها، بين رجعية تحكم وتنهب باسم الوطن والوطنية (أو الحزب الوطني الذي كان)! ممثلة في نموذج عضو البرلمان (جميل راتب) ومعاونه الرئيس (عادل إمام)، ورجعية تريد أن تحكم وتهيمن باسم الدين ممثلة في نموذج محامي الجماعات الدينية (رياض الخولي)، والكرة في المشهد الأخير من الفيلم بين أقدام الطرفين، والسؤال في ختام اللقطات: من منهما يسيطر على البلاد والكرة واللعبة وقواعدها... في نهاية المطاف؟!

هذه هي الأفلام الجيدة، التي يريدون أن يحبسوا عادل إمام عليها! كاشفين عن أنياب ومخاطر، لا بد من الاستعداد لها بكل الوعي واليقظة.

back to top