اسمي ميدان التحرير... فيلم الثورة الممنوع!

نشر في 20-02-2012
آخر تحديث 20-02-2012 | 00:01
 محمد بدر الدين يختلف فيلم «اسمي ميدان التحرير» للمخرج الشاب علي الجهيني عن غيره من أفلام الثورة من وجوه عدة، وليس فحسب من جهة أنه الوحيد الذي منع عرضه من بين أفلام أنتجت خلال عام ثورة 25 يناير 2011 الأول، ويدور موضوعها حول الثورة بصورة أو أخرى!

ظل الفيلم ممنوعاً لأكثر من ستة أشهر، وطلبت الرقابة من المخرج حذف ثلثه (!!) فرفض طبعاً، إلى أن أفرج عنه قرب مرور عام على قيام الثورة. كان منع الفيلم بقرار أصدره وزير الإعلام السابق أسامة هيكل، علماً أنه من إنتاج قناة «النيل للأخبار»، إحدى محطات تلفزيون الدولة، وإن كان من المعروف أنها تحتوي على كفاءات متميزة مهنياً، تحاول بذل الطاقة لاختراق المحظور والقيود الكثيرة، وبالقدر نفسه تقابل عادة بعنت وإصرار مستمر على كبح جماحها!

يتمتع «اسمي ميدان التحرير» بميزات عدة، ابتداء من عنوانه الذكي، إلى طريقة سرده السينمائي في فيلم تسجيلي متوسط الطول (46 دقيقة)، إلى استعانته بمراجع ومصادر محلية وأجنبية كثيرة، لرصد بعض أهم الوقائع والأرقام، المعبرة بتدقيق عن أحوال عهد مبارك، أو ما أطلق عليه تعليق الفيلم «مملكة مبارك لمدة ثلاثة عقود كاملة»، وهو بدوره تعليق موفق كتابة وأداء.

كتب المخرج أحمد عنابي التعليق وأداه بطريقة رصينة ولافتة، ووفق إلى جانب ذلك تصوير سامح الضبع، ومونتاج محمد جميل وبقية المشاركين. ويعطي مزيداً من الحيوية الدرامية للفيلم الخط الذي أطلق عليه «ميلاد طفل... ومسيرة رئيس»، حيث يبدأ «اسمي ميدان التحرير» بميلاد طفل مصري في لحظات ميلاد مملكة مبارك نفسها، ولد الطفل في 18 أغسطس 1981 واسمه «محمد سعيد»، وبعد ميلاده بشهرين تقريباً (في 14 أكتوبر 1981) يتولى مبارك الحكم، إثر اغتيال السادات رئيس الجمهورية بنيران جند في الجيش المصري، أثناء الاستعراض العسكري في يوم عيد العبور (6 أكتوبر 1981)، ونشاهد في الفيلم مبارك وهو يتلو القسم في البرلمان: «أقسم بالله أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري... وأن أرعى الدستور والقانون..»، ونكتشف إلى أي مدى قد غدر هذا الرجل، وكم خالف تماماً في ما بعد كل حرف نطقه وتعهد به وأقسم عليه!

يعود مخرج الفيلم إلى أشهر أغنية «احتفال سبوع» في السينما المصرية (في فيلم «الحفيد» للمخرج عاطف سالم)، ليبدأ بهذه الاستعارة استهلال رحلة «محمد سعيد» وعمره، الذي هو ذاته سلطة «حسني مبارك» وعهده، منذ أقسم على أن يحافظ على النظام الجمهوري، إلى الثورة عليه لأسباب أحدها خيانة النظام الجمهوري بمحاولة «توريث الحكم في البلاد لنجله» كما يقول التعليق، الذي يضيف واصفاً الثورة في عبارة رشيقة: «شعب واحد ومطلب وحيد: ارحل يا مبارك». ويظهر محمد سعيد على مدى محطات الفيلم مرات ليعقب، فيشير في مرة إلى أنه بعد عذاب رحلته مع مدارس التعليم في هذا العصر والأوان «أخذت بكالوريوس تجارة الأعمال..». وماذا بعد؟ «قعدت في البيت»! عمر «محمد سعيد» هو ذاته عهد مبارك، ويعترف الشاب بأنه أحد الذين كانوا يأملون في المشاركة في تظاهرات «حركة كفاية»، أو في «حركة 6 أبريل» وغيرهما من حركات الاحتجاج: «كان نفسي أنضم، لكن الخوف انزرع جوانا».

هذا الشاب نفسه، مثل شباب ومواطنين كثيرين بالملايين، زحفوا وتحدوا وكسروا حاجز الخوف بقوة وجسارة، ابتداء من يوم 25 يناير 2011، وهنا يصل الفيلم بعد القسم الأول منه الذي نعتبره «الطريق إلى 25 يناير»، إلى القسم الثاني وهو «اندلاع ووقائع الثورة خلال الثمانية عشر يوماً حتى النجاح في خلع مبارك».

يميز الفيلم أيضاً «فلاش باك» إلى العصرين السابقين، للرئيسين عبد الناصر والسادات. هنا يشير «اسمي ميدان التحرير» بوضوح ويقول إن عصر جمال عبد الناصر الذي نعمت فيه أكثرية جماهير الشعب بالطمأنينة والرضا، كان بسبب (على حد تعبير التعليق): «انحياز النظام الاقتصادي في عهد ناصر إلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة».

يشير كذلك بوضوح إلى أن الصدام والمعاداة في العهد الناصري كان مع «الإخوان المسلمين» و{الشيوعيين»، وفي ما عدا هذا الصراع وظروفه وعيوبه أيضاً، فإن علاقة النظام ببقية الشعب كانت الانحياز إليه والعمل لصالحه. أما «العداء» في عهد مبارك، فيقول التعليق بمرارة: «إن الشعب بأكمله صار يمثل العدو للنظام!». هذه هي الرؤية التي عبر عنها فيلم الشاب الموهوب النابه علي الجهيني، أحد أبناء قناة النيل الإخبارية، وهذا هو الفيلم الذي عرض بعد منع طويل أصر عليه الوزير السابق أسامة هيكل، بل لم يعرض إلا بضغط  كبير من العاملين في القناة أنفسهم على الوزير التالي أحمد أنيس! لذلك فقد عرض مرة واحدة... ويبدو أنهم ينوون عدم تكرارها!

back to top