وجهة نظر: بين أرض السماء وأيام الراديو مع عوف وأفلامه ورحلة في عالمه

نشر في 02-03-2012
آخر تحديث 02-03-2012 | 00:01
 محمد بدر الدين في احتفال لجمعية «نقاد السينما المصريين»، شاهدنا هذا الأسبوع أفلاماً من أهم ما قدمه فنان السينما التسجيلية المخرج سمير عوف والتي أصبحت من كلاسيكيات السينما التسجيلية العربية. وإذا كان ذلك العرض احتفاء بالرجل الفنان والإنسان في عيده السبعين، وبمشواره الإبداعي، فإن الاحتفاء كان فرصة أيضاً لإعادة التأمل في عالمه السينمائي فكرياً وجمالياً، وأسلوبه الخاص في التعبير عن هذا العالم، وللمقارنة بين المرحلتين القديمة والراهنة في أفلامه. عرض من أفلام مرحلته الأولى: «القاهرة 1830»، و»مسافر إلى الشمال.. مسافر إلى الجنوب»، ومن مرحلته الجديدة: «أرض السماء»، و»أيام الراديو». تطورت السينما التسجيلية المصرية بأفلام عوف ورفاقه منذ أواخر ستينات القرن العشرين، إلى درجة أن النقاد السينمائيين التسجيليين يرددون عادة القول إن السينما التسجيلية قبل سمير عوف وجيله غير هذه السينما بعدهم. لعل أهم تطور هو أن السينما التسجيلية أصبحت على أيديهم تجسيداً إبداعياً لرؤية فكرية للفنان بأسلوبه وروحه، وليس مجرد توظيف الفيلم التسجيلي في أفضل الأحوال الدعوة إلى موضوع ما، مع تراوح بين الرصانة لدى البعض والديماغوجية لدى كثيرين. بدا أن ثمة مخرجين في السينما التسجيلية أو الروائية يهتمون بالمضمون أكثر من الشكل، وآخرون يركزون على الشكل أكثر، وكان عوف أحد هؤلاء، لذلك ربطوا بينه وبين سينما شادي عبد السلام. لكن يظل لسينما عوف تميزها بل تفردها، وليس دقيقاً القول الشائع إن عوف أحد تلامذة مدرسة شادي، فقد أنجز فيلمه الرائع «القاهرة 1830» قبل أن ينجز شادي رائعته «المومياء». لكن تميز الشكل وتفرد الأسلوب لدى عوف وعناياته الفائقة بجماليات الفيلم عناصر لم تأتِ على حساب الموضوع أو القضية، بل إن إحساسه بالموضوع ورؤيته للقضية هي في أفلامه البطل، وبقدر تعمقه فيها وحماسته في التعبير عنها، يكون الاختيار المحتوم للمنهج أو المذهب في الشكل، ولمفردات وروح الأسلوب. أول ما تتسم به سينما عوف في مرحلتيها وفي جميع الأفلام هو تعبيره عن رؤية ذاتية، فإن خصوصية رؤيته واضحة، وهو مثلاً يعبر عن حرب أكتوبر كما في فيلم «مسافر إلى الشمال.. مسافر إلى الجنوب» ويربط بين المهندس الشاب الذي يذهب إلى الشمال ليقاتل لأجل تحرير الأرض، ونظيره الذي يسافر إلى الجنوب لإنقاذ آثار النوبة، فهي مهمة إنسانية حضارية واحدة، وفي الفيلم يحيل الآلات وجسور العبور والصلب والحديد والدخان إلى إمتاع بصري وعذوبة فائقة وجماليات لسينما خالصة، من دون اللجوء إلى تعليق أو حوار أو حتى موسيقى، فلا يعتمد شريط الصوت إلا على المؤثرات الحقيقية! في فيلم «القاهرة 1830»، يوثق القاهرة في ذلك التاريخ من خلال لوحات «وصف مصر»، فنحن في الفيلم أمام مبدعين عملاقين: رسام اللوحات ومخرج الفيلم. إنه مخرج يستطيع دائماً في أفلامه كافة حينما يتأمل اللوحات، أن يعطيها روحاً وحيوية من روحه وإحساسه الفني وحركة الكاميرا الشاعرة والإيقاع المتأمل الناعم المتناغم. فهو يتأمل هذه اللوحات الخالدة أيضاً، في «أرض السماء» و»أيام الراديو» حيث نرى اللوحات نابضة حية، كأنها لقطات حقيقية، خصوصاً أنه يمزجها بلقطات حقيقية بالفعل.
back to top