لاءات طهران وعام القطاف!


نشر في 29-12-2010
آخر تحديث 29-12-2010 | 00:00
 محمد صادق الحسيني * «لن نفاوض أحدا على حقوقنا الأساسية لا فوق الطاولة ولا تحت الطاولة, تماما كما لن نقايض أحدا على أي من مبادئنا ومواقفنا الداعمة للمقاومين لقاء أي إغراء مهما كان جذابا، وسوف نبقى نقاوم كل أشكال الضغوط علينا بهدف تركيعنا ولو طال حصارهم لنا ألف عام»! هذا الكلام الذي يتم تداوله كثيرا هذه الأيام بين الخاصة ممن يسمون بـ»أهل البصائر» من كبار مستشاري القيادة الإيرانية العليا أمكن رؤية ترجمته في المعلن من السياسات الإيرانية الرسمية على الشكل التالي:

أولا: امتناع الرئيس أحمدي نجاد وكبير مفاوضيه النوويين أمين عام مجلس الأمن القومي الأعلى سعيد جليلي عن القبول بأي مناقشة لما يسمى بالملف النووي الإيراني كبند مستقل لا في محطة جنيف الأخيرة– الثالثة– ولا في محطة إسطنبول القادمة ورفض جليلي لمقابلة منفردة توسل إليها المندوب الأميركي في مجموعة «الخمسة زائد واحد» عشر مرات في أثناء إقامتهما الأخيرة في جنيف.

ثانيا: تصريحات الإمام السيد علي خامنئي أمام رئيس الوزراء اللبناني ووفده المرافق لطهران «بأن المقاومة ستظل حاجة دائمة للبنان والمنطقة مادام الكيان الصهيوني قائما» ومن ثم تصريحه أمام أمير قطر في أثناء زيارة الأخير الخاطفة للعاصمة الإيرانية «بأن قرارات المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الحريري محكمة صورية وشكلية، وأي قرار سيصدر عنها يعتبر مرفوضا ولاغيا ولا قيمة له».

ثالثا: تصريحات السيد القائد مرة أخرى وعلى مرحلتين «بأننا قادرون على مواجهة العقوبات الظالمة بالالتفاف عليها وعبر اقتصاد مقاوم... سيشترك في بلورته كل أفراد الشعب».

ومن ثم القول: «إن ما تقوم به الإدارة الحكومية الراهنة من ترشيد وترشيق للاقتصاد الإيراني أمر مهم يمثل آمالنا على امتداد العقود الماضية، والتي سبق أن أمرت بها الحكومات السابقة كتابة وشفاهة أكثر من مرة إلا أنها كانت لا تتجرأ على تنفيذها، بل كانت تفضل بقاء الحال على ما هي عليه إلى أن جاء من يتحمل تداعيات مثل هذا القرار الشجاع... وهو ما يتطلب عزما وطنيا شاملا»!

إنه قرار المواجهة الشاملة الذي اتخذته القوى الغربية الكبرى برأيي منذ تولي الرئيس أحمدي نجاد السلطة في دورته الأولى، والذي تصاعد بشكل حاد منذ توليه الدورة الثانية معتمدين على سياسة «شيطنة» الرئيس فيما الهدف الحقيقي استنزاف نظام ولاية الفقيه بهدف إسقاطه!

قرار كانت القيادة العليا للثورة الإسلامية واعية له تماما منذ اللحظات الأولى، والتي شكلت له «خلية أزمة» استراتيجية أثبتت نجاعة منقطعة النظير، أظهرت فيه القيادة العليا عزما وثباتا قل نظيرهما، وأذهلت الخصم في واحدة من أشرس حروب القوة الناعمة سواء على المستوى النفسي أو الإعلامي والدعائي أو حروب المخابرات والأمن الوقائي، كما تؤكد كل الوقائع المواكبة لهذه المواجهة الشاملة من تسخير أخطبوط الشبكة العنكبوتية الدولية، والتي كشفت بعض التقارير أخيرا أنها ترسل ما تعداده ثمانية ملايين رسالة إلكترونية يوميا باتجاه إيران، إلى حرب المتفجرات والمفخخات والمواجهات المسلحة على جبهتي البطن الرخوة لإيران في شمال غربها وجنوب شرقها، إلى عمليات استدراج أو خطف أو اغتيال علمائها الذريين، إلى الهجومات الإلكترونية على أجهزة الطرد المركزي وسائر مؤسسات المنشآت النووية الوطنية!

فالحرب الإلكترونية تمت خسارتها من الجانب الغربي على نطاق واسع كما تفيد أي مراجعة موضوعية لمواقع المتعاملين مع تلك الشبكة من عملاء الخارج، الذين دفُعت أثمان تعاونهم من ميزانية المخابرات والكونغرس الأميركي بعد أن باتوا يتخبطون في سياساتهم ويتصارعون بصوت عال وعلى الهواء مباشرة وهم يرطنون بلغة فارسية أميركية إسرائيلية جعلت الآلاف من المتحمسين لهم في الداخل ينكفئون عنهم!

أما حروب المواجهة الإرهابية المسلحة فإنها ورغم تمكنها من النيل من بعض القادة العسكريين من جيش وحرس ثورة فإنها، وبسبب عملياتها الإرهابية العمياء التي طالت المئات من المدنيين، سرعان ما انقلبت عليهم وجعلت الناس مستنفرين ضدهم أكثر من أي وقت مضى، إضافة إلى شد العصاب القومي والديني العام ضدهم وضد أربابهم الأجانب. وبعد أن استوعبت خلية الأزمة العليا حرب الجواسيس المفتوحة عليها بعد العمليتين الإرهابيتين ضد العالمين النوويين شهرياري وعباسي، وسرعة مواجهتها للهجوم الإلكتروني بالفيروسات، وإظهار القدرة الفائقة على تطهير كل أجهزة الحاسوب التابعة للمنشآت النووية منها منذ اللحظات الأولى للهجوم فإن ما تبقى عمليا هو الحرب النفسية التي لاتزال مفتوحة على مصاريعها وبقوة بين الجانبين!

المتتبع لحراك الرئيس أحمدي نجاد المتسارع باتجاه تغيير هيكلة الاقتصاد الحكومي، وما يوازيه من هجوم دبلوماسي حواري مع العالم الخارجي لاسيما تجاه دول الجوار العربي والإسلامي سيتأكد له أن ثمة قفزة تنتظر إيران يتردد المراقبون في وصفها، أهي نحو المواجهة مع الغرب أم التهدئة؟! إذ لا مؤشرات قاطعة على أي من الاتجاهين في ظل تبلور نوع من التوازن السلبي، وبالتالي المساكنة بين الحرب والسلام على جبهة المواجهة الإسرائيلية الأميركية من جانب، ومع جبهة المقاومة والممانعة العربية الإسلامية من جانب آخر، والتي تقع إيران في عينها!

نعم ثمة إرادة إيرانية عليا، لن تقبل المساومة مطلقا على أي من نقاط الخلاف الأساسية أو الملفات الساخنة المتنازع عليها بين الغرب وإيران، كما مر ذكره آنفا، ولما كان هذا واحدا من الأسباب الأساسية التي جعلت حالة الإحباط هي المسيطرة على الأميركيين والإسرائيليين وهم يناقشون خيارات الحرب والسلام مع إيران، فقد كانت محاولاتهم الحثيثة للدفع بجيران إيران نحو الواجهة بدلا من تصديهم لمهمة نقل معركة الصراع العربي الإسرائيلي من ضفة إلى أخرى، أي من اعتبار الكيان الصهيوني هو العدو الحقيقي للعرب إلى إيران الإسلامية بمنزلة عدو وهمي!

لكن إيران مع ذلك وحسب كل العارفين ببواطن مطبخ صناعة قرارها وأسراره لا ولن تبيع فلسطين ولا لبنان، ولن تقايض عليهما مع أحد حتى لقاء رفع الحظر عن نشاطاتها أو طموحاتها النووية، وهذا ما أكده الإمام الخامنئي للمرة الألف، وآخرها أمام أمير قطر! وإيران لا ولن تتراجع قيد أنملة عن حقوقها المشروعة والثابتة في المسألة النووية حتى لو أدى ذلك إلى قطع علاقاتها الكاملة مع كل القوى الكبرى، وحالة بريطانيا حاليا واحدة من المواجهات التي قد تلحق بريطانيا بأميركا، إذ إن البرلمان الإيراني يطالب بقطع كامل لهذه العلاقة!

وإيران لا ولن تستسلم للحصار ولن تقبل سياسة التجويع والتركيع حتى لو طال حصار المتنفذين الكبار لها ألف عام، وهي قادرة على الالتفاف عليهم جميعا وإجبارهم على القبول بحقوقها المشروعة، ومن يعش في إيران في بحر جمهورها المؤمن والمتدين ويعرف قيادتها يعرف أن من تذوق طعم استقلال القرار تحت علم الجمهورية الإسلامية رغم العقود العجاف الثلاثة ونير الحصار والحروب المفتوحة فإنه لن يقبل أن يظلله بعد اليوم أي علم أجنبي بعد أن حان وقت القطاف!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

back to top