حرياتنا على المحك الطائفي

نشر في 20-09-2010
آخر تحديث 20-09-2010 | 00:01
 طالب المولي ليس ما أثاره الحبيب في خطبته قبل أشهر طويلة والتي تم نشرها الآن دفاعا عن المقدسات الدينية أي شيء جديد لرؤية الشيعة حول التاريخ وشخصيات تاريخية، بل هو موضوع مطروح وتم إشباعه بحثا لغاية في أنفسهم لإثبات قضية ما، خصوصا أن المناهضين له يمارسون نفس الرذيلة بصورها المختلفة حول تكفير الشيعة والروافض كما يقوم الشيعة بتكفير السنّة تحت مسميات أخرى، لقد كانت حرية التعبير ولاتزال هي الهدف المطلوب والهدف البعيد والمستمر لوأد أعظم القيم الإنسانية التي ذهب الكثير من العقلانيين ضحيتها إبان الصراع بين الكنيسة ورجال التنوير في أوروبا.

 لم يكن هذا الصراع إلا من أجل حرية الإنسان وتأصيل ثقافة النقد من أجل قيام حضارة عالمية يشارك في بنائها العقل البشري، وحتى بدأت أوروبا بنزع ثوبها الديني بآخر علماني لتبدأ عجلة الحياة دورتها المتسارعة نحو القيم الليبرالية التي ينادي بقيمها العظيمة المعذبون في الأرض في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. وقد كان أولهم أولئك الواهمين بقيام الدولة الإسلامية وخلافتها العظيمة، والتي راح ضحيتها ثلاثة من الخلفاء الراشدين، وبطبيعة الحال لم تكن تلك الدولة الراشدة تقوم قائمتها إلا من خلال خلفاء بشريين يصيبون ويخطئون في أحكامهم وفقا لديالكتيك تاريخي مر بها الزمن في ذلك الوقت، وكان الكثير من الضحايا في تلك الفترة من الصحابة والتابعين الذين رووا الأحاديث عن الرسول وقتلوا على أيدي الصحابة أيضا، وقتل اثنين من المبشرين بالجنة طلحة والزبير في معركة الجمل وعمار بن ياسر في صفين، ونفي أبي ذر وموته بالربذة ومقتل سعد بن عبادة في ظروف غامضة، ومقتل عثمان بن عفان، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، خير دليل على بشرية أولئك الصحابة واختلاف المسلمين حولهم.

لسنا هنا في صدد تقييم مواقف هؤلاء أو البحث عن زلاتهم وأخطائهم، لأننا في زمن كثرت فيه أخطاؤنا والمجازر التي نرتكبها كل يوم في حق البشرية، بل لإثبات أن حياتهم كانت كحياة الآخرين من البشر، لم يتأثر المسلمون آنذاك بالقيم الدينية والخلقية بعد سنوات قليلة من وفاة الرسول، ولكن ما يدعو للريبة والاندهاش هو الدمار الكبير وما تمارسه الطائفتان، والخصومة الفجة في خلق صراعات وهمية يذهب أكثر ضحاياها من الأبرياء، بسبب أغنياء الدعاة على شاشات الفضائيات وهم يبتسمون ابتسامة صفراء خالية من أي إحساس بشري، بل صورة نمطية لصفات المؤمن المبتسم دوما للإعلان والكاميرات كالممثلين والمغنين، وفي الحقيقة هم يمثلون باحتراف يفوق احتراف الممثلين. ولن تجد بعد تلك الصور إلا بعض الشعارات الوهمية التي أغرقونا بها منذ الطفولة حتى اليوم عن الوحدة الإسلامية، وصلاة شخص أو شخصين خلف إمام سني وصلاة سني خلف إمام شيعي، وبعده يذهب هذان البطلان لإعادة الصلاة لأنه لا تجوز الصلاة إلا خلف إمام عادل!

أتمنى من أولئك الأبطال من الشيعة والسنة أن يشاهدوا ما فعلته أيديهما وفتاواهما بالعراق وباكستان وغيرهما، وأن يعيدوا حساباتهم رحمة بالوطن والمواطنين، وأتمنى من العقلاء من الطائفتين قراءة كتاب "هرطقات ج2" لتجدوا حجم دمار الفتاوى ورائحة الدم المنبعثة منها.

وبعد كل هذا الحقد الدفين المنبعث منذ قرون يأتون ليحاربوا الليبراليين والعلمانيين، إما لأنهم هم المستفيد الأول من هذا الصراع وإما لخلق حالة من الفوضى بين المسلمين ومؤامرة ضد المد الإسلامي المتنامي في أوهامهم، أجد من الأجدى أن تحلوا عقدكم وعقولكم المهترئة في صراعكم المرير بينكم وبين السنة، فنماذج الوحدة الدينية والتقارب فهمناها ووعيناها وصراخ ضحاياكم تصم الآذان، أما نحن فتخلصنا من تراكمات الماضي الحزين فسنظل نتمسك بدستورنا وبالعقلية الليبرالية المنفتحة، حتى تجدوا حلا للخراب الذي سببتموه طوال قرون.

back to top