جان كلود سيموان... أنطولوجيا الرحلة إلى مصر

نشر في 22-09-2010 | 00:00
آخر تحديث 22-09-2010 | 00:00
صدر عن «دار النهار» كتاب «الرحلة إلى مصر» للرحَّالة والناشر الفرنسي جان كلود سيموان بترجمة ماري طوق، ويتضمن نصوصاً بالعربية والفرنسية لأبرز الرحَّالة الغربيين الذين قصدوا وادي النيل في القرن التاسع عشر، مرفقةً بلوحات أنيقة.

يكتب سيموان أنه منذ نهاية القرن الثامن عشر، أصبح السفر إلى مصر نظاماً متبعاً، إذ لا يوجد بورجوازي شريف في باريس أو تورينو أو برلين أو فيينا إلا وقام برحلة الى مصر، أو على الأقل عزم على القيام بها. أما الأدباء والفنانون فرأوا لزاماًَ عليهم أن يثبتوا أنهم يعرفون مكمن القيم الحقيقية. ذهب الرحالة لاكتشاف الأهرامات وضفاف النيل كمن يرد ينابيع الحضارة نفسها لدى عودتهم، فدوَّن كل منهم انطباعاته متطرقاً الى أدق التفاصيل، سواء تأثر بما شاهده أم لم يتأثر وبات هناك ما يعرف بـ{علم المصريات». تلك هي علّة الرسوم المذهلة والصور المائية واللوحات التي يتضمنها كتاب سيموان، فيما تشكل النصوص تكملة الرسوم المعروضة الفكرية.

يروي سيموان أنه في القرن التاسع عشر، شهد السفر إلى مصر تطوراً موازياً لتطور «علم التاريخ». فالمدونة أو القصة الخرافية أخلتا المكان للتفكر والتأمل واستتبعت اقحام العقل في رؤية الماضي حاجة للمعرفة. معرفة الحقيقة عن آثار مصر القديمة التي لم يكن أحد ليتصورها بهذه الوفرة.

كان «الرحالة» الأوائل حالمين على غرار السائح «المتوحد». معهم ولدت موضة أدامها الشعراء. فمصر لؤلؤة «الخرائب» تقدم شيئا إضافياً. إنها أقدم من روما وأثينا وأشد إبهاماً منهما. ففي عام 1757، ولد الرحالة فولني، وفي عام 1781 لدى بلوغه الخامسة والعشرين، تزوَّد بحقيبة ظهر وستة آلاف فرنك ذهبية وبندقية وانطلق من مرفأ مرسيليا مستجيباً لمهمة أوكلها إليه دوفرجين، وزير الشؤون الخارجية آنذاك في عهد لويس السادس عشر، والذي شغل منصب سفير في تركيا لمدة طويلة.

الأهرامات

أقام فولني في القاهرة أشهراً عدة وزار الأهرامات، ثم انطلق الى سورية. ولدى عودته، أصدر كتاب «رحلة الى سورية ومصر» عام 1787 ولاقى نجاحاً منقطع النظير، إذ بدا فولني فيه قاسياً في أحكامه على مصر فوصف فيها البؤس والقذارة وفساد الطبقة العسكرية، وبحسب رأيه فإن مصر الواقعة على طريق الهند بإمكانها استعادة عظمتها شرط أن تتولى أمرها قوة أوروبية عظمى كفرنساً مثلاً.

أعجبت هذه النظرية نابليون بونابرت وجعلت من «رحلة فولني» كتابه المفضل. والنجاح الذي لاقاه الأخير مقروناً بنجاح كتاب «الخرائب» الصادر عام 1791 أرسيا الأسس للرؤية الجديدة التي ستنظر بها أوروبا إلى الشرق وربما أسسا للشرق المتخيل الذي دأب أقطاب الاستشراق في البحث عنه بطريقة اعتباطية. وفي يوليو (تموز) 1798، رسا الأسطول الفرنسي قبالة الإسكندرية وترجل منه بونابرت على رأس الحملة التي قادها وكانت تضم علماء ومصورين وعساكر. وفي عام 1802 صدر كتاب دوينيك فيفيان دينون بعنوان «رحلة الى مصر العليا والسفلى أثناء حملة بونابرت» مشفوعاً بالرسوم، ويعتبر معلماً «أساسياً»، على حد قول جان ماري كاريه: « كتابه أكثر أكتمالاً من كتاب فولني وفيه من الموضوعية والحياد ما يفوق سافاري». تتسم رحلة دينون بقيمة وثائقية ويعود إليها الفضل في أنها اختطت نصاً وصورة، مساراً لا يزال الى اليوم شائعاً}.

كان دينون في عداد مجموعة عسكرية طاردت بعد معركة سيدمان مراد بك في الجنوب. كان يدوِّن، على مر المحطات والمصادفات أثناء المعارك، الملاحظات والرسوم بوقاية كبيرة. حين عاد الى القاهرة، أطلع الآخرين على مشاهداته وملاحظاته ورسومه، وعندئذ أعطى نابليون الأوامر الى بعثتين للقيام بالرحلة نفسها.

عام 1801، عاد العلماء الفرنسيون إلى ديارهم، واحتل الإنكليز مصر حتى 1803، ثم أصبح محمد علي، وهو قائد سابق للقراصنة الألبانيين، حاكم مصر لحساب سلطان إسطنبول عام 1805، وبعد مجزرة المماليك، صار خديوياً عام 1811.

آنذاك، كان على زائر مصر، سواء أراد التجوّل فيها أو نهبها، الحصول على إذن خاص من الخديوي. كان شاتوبريان أول رحالة فرنسي يقترب من ضفاف مصر منذ حملة نابليون. لكن كاتب «رحلة الى أورشليم» اكتفى بأن يكون عابر سبيل. سيكون للرحلات أثرها العميق على الوقع الثقافي، سواء من خلال ما كتب أو اكتشف، وما كتبه سيموان بمثابة أنطولوجيا للرحالة الغربيين مع مجموعة من نصوصهم ورسومهم، وهو كتاب مبسط يعطي إشارات عن التحولات التي أحدثتها الرحلات الغربية الى مصر، ليس أقلها اكتشاف حجر الرشيد (أو حجر روزيت) من ضابط بحرية تابع لجيش بونابرت عام 1799 وهو عبارة عن حجر من البازلت الأسود، معروف لدى الغرب باسم Rossette stone وقد فكّ عالم يدعى شامبليون رموزه لأنه يحوي ثلاثة طلاسم (اليونانية _ الهيرغلوفية – الديموطيقية)، فقارن هذه اللغات مع بعضها ليصل إلى أبجدية قدماء المصريين.

يورد سيموان في كتابه سيرة معظم الرحالة الأجانب الى مصر، ويبين أنه مع بداية القرن العشرين يطالعك نوعان من المسافرين الذين تتكامل اهتماماتهم أحياناً. من جهة، ثمة عالم الآثار المصرية القديمة الذي ينقسم عمله إلى تشعبات لامتناهية وتضحي المغامرة العلمية البحتة متكلبة لدرية طويلة شاقة، ومن جهة أخرى، ثمة السائح الفضولي الذي يستعيد في ظرف بضعة أيام قصة حضارة عمرها خمسة آلاف سنة.

يقول المؤلف إنه ينتمي إلى الذين يعتبرون أن جانب الحلم ماثل في الرسوم، والنجاح المذهل الذي لاقته لوحات ديفيد روبرتس بعد 150 عاماً على مروره بأرض مصر، شاهد على ذلك.

back to top