ايران في حضرة التحولات العربية!

نشر في 14-03-2011
آخر تحديث 14-03-2011 | 00:00
 محمد صادق الحسيني بقدر ما كان «سقوطه» مدوياً وباعثاً على البهجة لدى مبغضيه بقدر ما كان شأنه واحترامه يرتفع إلى الأعلى لدى البعض الآخر من محبيه ورواد مدرسته البراغماتية التاريخية، الذين جعلوا خطوته بمنزلة الزهد بالحكم والسلطة!

هكذا يغادر أكبر هاشمي رفسنجاني مقعد رئاسة «مجلس خبراء القيادة» الذي أوحى انسحابه من الترشح له لمصلحة محمد رضا مهدوي كني، بأنه يتجه إلى اعتزال العمل السياسي اليومي شيئا فشيئا في ظل ظروف, القدر المتيقن منها أنها لم تعد صالحة لإدارة البلاد على منهج مدرسة «الرفسنجانية السياسية» التي لطالما طبعت الحياة السياسية الإيرانية على مدى نحو عقدين من الزمان في وقت يتغير فيه الزمان بسرعة الريح لمصلحة خصومه السياسيين!

أياً تكن المآخذ التي سجلت عليه في الآونة الأخيرة من قبل عتاة ناقديه، فإن انسحابه الهادئ هذه المرة ومن دون ضجيج سجل نقطة له وليس عليه! فهو ركن من أركان هذه الثورة وله فيها ما يساوي «حصة الأسد» وهو أمر نادراً ما يجادل عليه أحد أو يختلف عليه اثنان في إيران، وهو صاحب رأي ومدرسة يشار إليها بالبنان, لها ما لها وعليها ما عليها، وكان بإمكانه أن يفتح معركة للتشبث بالمقعد، يمكن أن تؤدي إلى ما أدت إليه من «فتنة» كما فعل منافسو أحمدي نجاد على الرئاسة، إلا أنه و»أخيرا فعلها» كما يقول منتقدوه قبل محبيه عندما «فضل الثورة والنظام والوطن على نفسه ورأيه ومدرسته» وحسنا فعل!

إنه درس كبير ذلك الذي حصل قبل أيام في انتخابات رئاسة «مجلس الخبراء» في إيران، أزعم أنه سيترك آثاراً كبيرة في سلوك الموالاة والمعارضة معا في البلاد، وربما يكون متأثراً بما يجري من تحولات هائلة في الشارع العربي المحيط بنا جميعا رغم الفارق بين زعماء الثورة المنتخبين في إيران والحكام الأبديين في أقطار الثورة العربية الذين أتوا بقوة العسكر!

ما يتعلق بحيثيات الحدث الداخلية فقد آن الأوان أن يترجل فرسان الرعيل الأول من الطبقة السياسية عن مقاعد الحكم لغيرهم شباباً كانوا أم مدعومين من الشباب الثوري، كما هي الحال مثلاً مع آية الله مهدوي كني الذي يناهز الثمانين عاماً!

أما فيما يتعلق بتأثيرات المحيط العربي الثائر فإن القدر المتيقن من هذا التأثير هو ألا أحد في إيران إلا بدأ يشعر أنه حتى «التمديد» القانوني، ناهيك عن التوريث السياسي وليس النسبي والعائلي فقط، بات غير مقبول لدى أجيال الثورة الجديدة!

الكل محافظين كانوا أم إصلاحيين يمينيين كانوا أم يساريين، باتوا يشعرون أنهم مجرد مسافرين في قطار عليهم أن يغادروه بكل طواعية في المحطة المناسبة! صحيح أن مثل هذا كان يحصل طوال العقود الثلاثة التي مرت فيها الثورة الإسلامية الإيرانية عبر صناديق الاقتراع في أكثر من ثلاثين عملية انتخابية، إلا أنها ربما المرة الأولى التي بدأ فيها رموز الثورة الأوائل وكثير من أبناء الطبقة السياسية الإيرانية التي تداولت السلطة في مدارجها ومستوياتها المختلفة، تفكر جدياً في تقديم طلبات التقاعد رسمياً من الوزارات التي عملوا فيها، وما أعلنه رفسنجاني عن رغبته في اعتزال العمل السياسي اليومي هو القمة والأوج في هذا السياق!

أعرف أن ثمة من سيقول إنه لا معنى لاعتزال العمل السياسي وكذلك لا معنى للتقاعد في أعراف الثورة، لكن هذا شيء والتمسك بكرسي السلطة شيء آخر تماماً! ثم من قال إن العمل السياسي وخدمة الناس لا يحصلان إلا من بوابة السلطة؟!

ما يحصل في العالم العربي من ثورة وعي سبقها في إيران وفي تركيا على مدى العقود الثلاثة الماضية بدأت تؤتي أُكلها على أكثر من مستوى، وفي كل حين على ما يبدو!

وعندما قال قائد الثورة الإسلامية الإيرانية في خطبة صلاة الجمعة الشهيرة التي أعقبت «فتنة» إفساد نتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية: «إن نهج عمل أحمدي نجاد قرب إليّ من نهج رفسنجاني رغم تقديري واحترامي الشديدين لتاريخ نضالي المشترك مع الثاني» كان في الواقع يشير إلى زمن التحولات الكبرى التي لم تعد تحتمل نهج البراغماتية الرفسنجانية التقليدية المترهلة، وبعد أن صعد إلى السلطة شاب من طينة الناس العاديين!

إن أهم رسالة توجهها ثورة الوعي العربية الكبرى هي أن «عمر» البعض السلطوي قد انتهى، أيا كان عدد السنين الواقعية لعمرهم السياسي!

هي رسالة للحكام المستبدين بالأساس والمتشبثين بالكراسي، نعم، لكنها هي رسالة واضحة وشفافة أيضا لكل النخب والطبقة السياسية التي ترهلت أفكارها أو تكلست أو توقفت عند محطة تاريخية معينة، ولا تستطيع مواكبة التحولات الكبرى للعصر بعد أن فقدت قدرتها على الحراك لسبب أو لآخر!

حتى ما قبل التحولات الإقليمية الكبرى التي بدأت مع زلزال الثورة الإيرانية في عام 1979 كان ثمة لاعبان أساسيان فقط يتحكمان بحراك السياسة في بلادنا: الأجنبي صاحب الغلبة منذ معادلة منتصري الحرب العالمية الظالمة والسلطات الحاكمة! وكل محاولات النخب والأحزاب والرموز و... كانت تناور على الهامش!

الثورة الإيرانية في نهاية السبعينيات دخلت على خط التحولات كطائر يغرد خارج السرب، لم يقبل به أي من اللاعبين في البداية، لكن مضي الزمن وفعل الثورة العربية في أكثر من محطة لاسيما في فلسطين ولبنان، حولا مجموع الحراك الثوري الجديد إلى لاعب أساسي اضطر الغرب وحكام المنطقة إلى قبوله مكرهين، وهو ما حصل في الأعوام القليلة الماضية لاسيما بعد أسطورتي الدفاع المجيد في حرب الـ»33» يوماً وحرب الـ»22» يوماً على كل من لبنان وفلسطين!

أما اليوم، وبعد الذي حدث في تونس الحرة وأرض الكنانة في مصر وحرب التحرير الجارية في ليبيا ومثلها حركتا التحرر اليمنية والبحرينية، فإننا نستطيع أن نقول وبملء الفم إن عصر الشعوب بات هو اللاعب الرئيس في المعادلتين الإقليمية والدولية!

ولم يبق أمام الحكام المستبدين والمنقطعين عن إرادة شعوبهم إلا خياران، إما ترك الكراسي طوعا وإما الاستعانة بالأجنبي، وعندها سيشعلون ثورة أعظم، وستكون مشاهدها من نوع ما يوصف بمقولة: «لا عين رأت ولا أذن سمعت»!

اللاعب الأجنبي من جهته أيضا بدأ يلمس أنه حان وقت رحيله من لعبة المنطقة وتفكيك حاملة طائراته الثابتة التي اسمها «إسرائيل»، وإلا سيتم تفكيكها بقوة الأمر الواقع لكنه يكابر في الاعتراف بذلك إلى حين!

الأخبار اليقينية والثابتة لدينا، والتي يتم تداولها الآن من وراء الكواليس، هي أن ثمة مشروع اقتراح رباعية ممانعة ومقاومة ستضم مصر الجديدة إلى جانب تركيا وسورية وإيران، وأن العمل جار على إقناع السعودية باللحاق بركب التحولات قبل فوات الأوان!

هذا الأمر سيناقشه وزير خارجية إيران في زيارة قريبة جداً إلى مصر وأخرى أيضا إلى السعودية، وما تخبئه الشعوب المتحركة أكبر وأعظم وأفعل أثراً!

إيران هي الأخرى ليست مستثناة من رياح التغيير الشعبية أبدا، وانسحاب رفسنجاني رغم بقائه في الصورة، وانكفاء الرفسنجانية ما هو إلا مقدمة لتحولات أهم تنتظر هذا البلد، الذي يقال إن قائد السفينة فيه، أي السيد القائد كما يوصف هنا، يحضّر لتحولات كبرى أهم وأعظم داخلياً وخارجياً كلما اقتربت ساعة نزول أحمدي نجاد في محطته الرئاسية؛ منعاً لوقوع ثورته في «فتنة» جديدة قد تكون أخطر من الفتنة المنصرمة؛ كما يتداول العارفون بخفايا الأمور في أروقة طهران الخلفية!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي- الإيراني

back to top