كيف يمكن الضغط على إيران لحل الملف النووي؟

نشر في 15-11-2010
آخر تحديث 15-11-2010 | 00:01
يمكن أن يساهم الإصرار على ضرورة احترام حقوق الإنسان في إيران وتوطيد "الحركة الخضراء" في التمهيد لمرحلة انتقالية تحوِّل البلاد إلى مجتمع أكثر تسامحاً وتمنح الغرب ورقة ضغط أساسية لكبح الطموحات النووية التي يجاهر بها الملالي.
 سي إف آر في خطوة مألوفة وتقليدية، عادت الولايات المتحدة وإيران للتفكير مجدداً باختبار المقاربة الدبلوماسية لحل الأزمة القائمة، لكن السؤال الجوهري الذي لا يكفّ عن التبادر إلى ذهن واشنطن وحلفائها يتمحور حول كيفية إجبار النظام الثيوقراطي في طهران على تغيير ممارساته العدوانيّة؟

ترى الولايات المتحدة، باعتبارها نظاماً ديمقراطياً منطقياً وبراغماتياً، أن الضغوط الاقتصادية من شأنها إرغام قادة إيران على الرضوخ للأولويات الاستراتيجية بغية التخفيف من الأزمة المالية القائمة. للجمهورية الإيرانية نقاط ضعفها، غير أن التركيز المفرط على قصورها الاقتصادي أدى إلى إخفاء نقاط ضعفها السياسية الواضحة. يمكن أن يساهم الإصرار على ضرورة احترام حقوق الإنسان وتوطيد «الحركة الخضراء» في التمهيد لمرحلة انتقالية في إيران تحول البلاد إلى مجتمع أكثر تسامحاً وتمنح الغرب ورقة ضغط أساسية لكبح الطموحات النووية التي يجاهر بها الملالي.

من بين المفارقات الكبرى القائمة في إيران، نذكر واقع أن هذه الأمة الخاضعة لاستبداد رجال الدين أنشأت أكثر الحركات الديمقراطية التي تتمتع بالدينامية الفكرية في الشرق الأوسط المعاصر. لقد قامت «الحركة الخضراء» التي تشمل جميع الطبقات الاجتماعية الإيرانية بتجديد مفهوم العلاقة القائمة بين الشعب والدولة من جهة، وبين الدين والديمقراطية من جهة أخرى. تشدد هذه الحركة في جوهرها على الحاجة إلى التوافق الشعبي، واحترام الرأي العالمي، وتخفيف الضوابط الثقافية الهائلة، الأمر الذي يتعارض مع سياسة التطرّف التي يمارسها القائد الأعلى في إيران، علي خامنئي، والرئيس محمود أحمدي نجاد.

على الرغم من الممارسات القمعية وعمليات الاعتقال والمحاكم الاستعراضية المزيفة، تتابع «الحركة الخضراء» نضالها، وقد بدأت تحث المجتمع على التحرر من سيطرة الدولة تدريجياً. هذه الحركة على درجة عالية من التنظيم وتتطلّب دعماً شعبياً أكبر مقارنةً بالحركات السياسية الماضية في أوروبا الشرقية التي أدت- بمساعدة الغرب- إلى الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية الشيوعية المتشدّدة. يشير حجم الانشقاق عن الدولة والخيبة التي شعر بها عدد من مؤيدي الثورة إلى مدى نجاح «الحركة الخضراء» في إضعاف شرعية النظام وثقته بنفسه.

كجزءٍ من أي مفاوضات مع الغرب، يجب مطالبة الجمهورية الإسلامية بتعديل انتهاكاتها النووية، فضلاً عن كبح ممارساتها المناهِضة لحقوق الإنسان، وتشمل هذه الخطوة تحرير السجناء السياسيين، وإلغاء الضوابط المفروضة على جماعات المجتمع المدني، والسماح للصحف المحظورة باستئناف النشر. ما لم تطبق طهران هذه التدابير، فيجب أن تواجه باستمرار ضغوطاً اقتصادية وعزلة سياسية، وفي حال اتخذت الولايات المتحدة موقفاً مماثلاً بكل وضوح، كجزءٍ من مقاربة التواصل الدبلوماسي التي تعتمدها، فستتمكن من تعزيز قوة المعارضة المحلية في إيران. في غضون ذلك، قد يميل أي نظام معزول وضعيف يواجه تراجعاً اقتصادياً واضطراباً سياسياً ونبذاً دولياً إلى تقديم تنازلات مهمة لتجنب الوصول إلى طريق مسدود. للتوصل إلى نزع الأسلحة وإرساء الديمقراطية، لابد من التفاهم مع «الحركة الخضراء» للنضال في سبيل القضية نفسها وجعل طريقة تعامل إيران مع مواطنيها شرطاً مسبقاً لإعادة إدراجها ضمن المجتمع الدولي.

بينما تقيّم واشنطن الطريقة الأنسب للتعامل مع التحدي النووي الإيراني، يتعين عليها توسيع نطاق حملتها والتفكير بدعم التغيير السياسي البطيء الذي يُطبَخ على نار هادئة في البلاد. نظراً إلى غضب الشعب وانقسام نخبة البلاد، لن يتمكن النظام من إدارة أزمة الخلافة على الحكم، وفي الواقع، يبقى خامنئي، على الرغم من جميع أخطائه، العنصر الرئيس الذي يضمن تماسك الجمهورية الإسلامية. وفي حال تنحى القائد الأعلى الكبير في السن عن الساحة السياسية، فلن يتمكن النظام من اختيار خلف له بسهولة نظراً إلى حدة الانقسام فيه وافتقاره إلى قاعدة اجتماعية واسعة. في خضم سعي خامنئي إلى ترسيخ نفوذه وضمان تزوير الانتخابات لمصلحة من يدعمهم، يمكن القول إنه قد يضمن بذلك صمود جمهوريّته من بعده. تشير جميع هذه المعطيات إلى أنّ علاقة التفاوض مع إيران والتي ترتكز على سياسة العصا والجزرة مقابل تنازلات نووية متواضعة ليست بالسياسة الحكيمة.

لقد أثبت التاريخ أن حقوق الإنسان تساهم بالفعل في إحداث تحوّلات سياسية جذرية. على سبيل المثال، قام اتفاق هلسنكي، عام 1975، بإعادة تنشيط جماعات المعارضة المتخاذلة التي ساهمت في نشوء سياسة الستار الحديدي، ما ضمن الانتقال بسلاسة إلى واقع جديد ما بعد الحقبة الشيوعية. على خلاف معاهدات وقف سباق التسلّح والحدّ من انتشار الأسلحة، قامت تلك الاتفاقيات بتحدّي المشككين والمتشائمين حين ساهمت في انهيار الاتحاد السوفياتي العظيم. وبالطريقة نفسها، قد يؤدي التركيز على حقوق الإنسان اليوم، لا إلى دعم قدرة «الحركة الخضراء» على الصمود فحسب، بل أيضاً إلى توسيع البُعد الاجتماعي في جزءٍ مهم من الخدمات الأمنية، وأملاك رجال الدين، والنخبة المثقفة، كي تتماشى مع المعايير التي يجب أن تلتزم بها الدولة لتصبح عضواً في المجتمع الدولي. بهذه الطريقة، سيكون الجيل المقبل من القادة الإيرانيين أكثر مسؤولية في تطبيق واجباتهم تجاه المواطنين والمجتمع الدولي. كذلك، قد تتمكن الولايات المتحدة، من خلال ربط سياستها الدبلوماسية بممارسات حقوق الإنسان، من إضعاف طموحات إيران النووية والتمهيد لمرحلة انتقالية سلمية، من الاستبداد الديني إلى حكومة تكون على درجة أعلى من المسؤولية والإنسانية.

* راي تاكيه | Ray Takeyh

back to top