الحج بتأشيرة مرور

نشر في 09-11-2010 | 00:00
آخر تحديث 09-11-2010 | 00:00
إنها رحلة حية عاشها أحد الأصدقاء، وقد روى لي تفاصيلها آملاً نشرها لعل وعسى أن تحمل شيئاً من العظة أو الاعتبار أو التأمل أو المراجعة!

فقد كانت الساعة تقترب من الواحدة ظهراً عندما تحركت الحافلة تقل نحو 50 «حاجا» إلى الأراضي المقدسة فى المملكة العربية السعودية، يقودها شاب نحيل بدا عصبياً في أحيان كثيرة يساعده إداريان أحدهما يدعى «أبوعياش».

التعليمات كانت واضحة وصريحة وأبرزها وأكثرها صرامة إخفاء كل ما شأنه كشف هويتنا كحجاج، وبالتالي كانت الأوامر قبل أن نتحرك بقليل تقضي بفتح الحقائب وإخراج ملابس الإحرام والكتب الشارحة لكيفية الحج وتركها فى غرفة الشيخ «أبو جاسم» الذي تعود على ملازمة الحملة خلال السنوات الخمس الأخيرة دون أن تتضح طبيعة دوره على أرض الواقع.

رغم أن الحج لم يكن بتأشيرة رسمية صادرة عن المملكة، بل كان بتأشيرة مرور عبر أراضيها، وهو نوع من الحج يتكرر سنويا، وتكلفته أقل كثيراً من حملات الحج الرسمية، وينتهز خلاله الحجاج فرصة عبورهم الأراضي السعودية بالتوجه إلى الأماكن المقدسة لأداء المناسك مخالفين لقوانين المملكة، فإن بعض النساء والأطفال كان مشاركا في الرحلة، وهو الأمر الذي بعث فى نفوس «الحجاج» نوعا من السكينة والاطمئنان.

انشغل الركاب بالتعارف في ما بينهم وتبادل أرقام الهواتف والتعليق على بعض المعالم البارزة التي مرت بها الحافلة، ثم قام رجل بدين ملتح، من مقعده في الجزء الأمامي إلى منتصف الحافلة، وقد بدا من انتظام أفكاره وتتابع حديثه أنه إمام مسجد أو مدرس لمادة التربية الإسلامية، وراح يلقي درساً عن الحج ومناسكه، وصفات المؤمن وضرورة تحليه بالصدق والأمانة والإخلاص لله تعالى فى السر والعلن، وحسن معاملة الآخرين، واكتساب المال الحلال، مشدداً على صفة الصدق فى القول والعمل، حتى يرجع المسلم من حجه كيوم ولدته أمه خالياً من الذنوب والمعاصي.

اقتربت الحافلة من بوابة الحدود الكويتية «السالمي» فتقدم «أبوعياش» طالبا من الرجل البدين أن يعود إلى مقعده ليلقي بتعليماته الأخيرة: «نحن ذاهبون إلى مصر ولا علاقة لنا بالحج من قريب أو بعيد، يجب أن نتشبث بهذا الرأي مهما حدث من مفاجآت».

الطريف أنه لم يكن جميع «الحجاج» مصريين، بل وجد بعض السوريين وغير محددي الجنسية والأردنيين الفلسطينيين، وهؤلاء لو سئلوا عن جهة سفرهم لقالوا مصر!

ملل وتوتر 

لم تتوقف الحافلة طويلا أمام بوابة الحدود الكويتية (منفذ السالمي)، فالوقت الذي قضاه «الحجاج» فى انتظار ختم جوازات سفرهم بخاتم المغادرة لم يتعد الساعة، ثم مضى الركب في طريقه إلى بوابة حدود المملكة السعودية، وأمامها طال الانتظار، وسرت البرودة فى أوصال الجميع، واستغرق الحصول على تأشيرة دخول المملكة حوالي ثماني ساعات كاملة، فقد تواجد عدد لا بأس به من الحافلات، ومضى الوقت بطيئاً وانتابت المسافرين جميعاً حالة من الملل والتوتر.

كان المبنى الذي تصدر منه التأشيرات بسيطاً وقديما، لا يتناسب وكثرة القادمين إلى الأراضي السعودية والمغادرين لها، وقد بحث أغلب المتواجدين عن كافتريا لتقديم الطعام أو المشروبات دون جدوى وظل كثيرون يقاومون الجوع والبرد والملل حتى جاء الفرج، وتحركت القافلة من جديد.

كلاب بوليسية 

فى منطقة التفتيشات توقفت الحافلة، وصدرت الأوامر الأمنية بأن يخرج كل مسافر حقائبه ويفتحها ويتركها جاهزة للتفتيش.

في المرحلة الأولى بدا رجال الأمن مهمتهم التفتيشية يدوياً، وفى المرحلة الثانية استعانوا بكلاب بوليسية مدربة ظلت تتنقل بخفة فوق الحقائب المفتوحة، كان معظمها يحمل بين جنباته نسخاً من المصحف الشريف، بحثاً، ربما، عن مواد مخدرة او متفجرات. بسلام انتهت مرحلة التفتيش، لتنطلق الحافلة تخترق الظلام والصقيع والصحراء إلى اطهر بقاع الله فى الأرض.

كان من الطبيعي أن يتوقف الركب أكثر من مرة، لأداء الصلوات وتناول الطعام فى الكافيتريات، وتصريف ما فاض منه فى حمامات لم تكن مجهزة تجهيزاً كاملا لاستقبال ركاب الحافلة دفعة واحدة، وهو الأمر الذي جعل نظام الطوابير بطل المشهد بجدارة مع كل توقف للراحة والاستطعام.

كان الطريق طويلاً، والصحراء لا نهاية لها على الجانبين، والمدن ذات مبانٍ قديمة منخفضة الارتفاعات، تخلو من الفخامة والتاريخ! لم يكن المشهد ممتعاً أومسلياً، ولكنه فى الوقت نفسه لم يكن مملاً أو كئيباً.

مضت ساعات وساعات حتى وصلت الحافلة إلى أرض الميقات «السيل» فى الواحدة من صباح اليوم التالي، وكان فى استقبال الركب صاحب الحملة وبعض أقاربه، وفى أرض الميقات كان الفراق! فقد أخبر صاحب الحملة «الحجاج» أن الحافلة لن تستطيع نقلهم إلى مكة، فهذا ليس مرخصاً لها، وعلى كل مجموعة من المسافرين استقلال سيارة اجرة إلى هناك، مطالباً كل «حاج» بأن يتأكد من أن معه عنوان الحملة وأرقام هواتفها فى الأراضي المقدسة.

كان بمدينة «السيل»، وهى أرض الميقات، سوق يشتمل على كل لوازم الحج من ملابس إحرام وأحزمة وشماسي ونعال، كما اشتمل على حمامات عامة وغرف للاغتسال وارتداء ثياب الحج، وتفاوتت أسعار استخدام الغرفة بين خمسة وعشرة ريالات، وكان يشرف على معظمها شباب من الهند وبنغلاديش.

الهروب الكبير 

اغتسلنا وارتدينا ثياب الإحرام، ودفع كل منا عشرة ريالات مقابل استخدام حمام فى غرفة بإحدى الشقق لا فى الشارع الجانبي، وانطلقنا بحثاً عن سيارة تحملنا إلى مكة.

ظننت أن العثور على سيارة سيكون عملية شاقة، ولكنني تفاجأت بهذا العدد الكثير من السيارات «الجيمس» ذات الطراز القديم التي يقودها شباب صغير لم يتعد العشرين عاماً ينادى بأعلى صوته مكة... مكة... مكة.

كنا عشرة «حجاج» فى سيارة واحدة مقابل ألف ريال، انطلقت بنا إلى أحد الشوارع الجانبية ونحن نردد التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد والنعمة لك والملك، لاشريك لك، وفجأة وجدنا أنفسنا فى أرض قاحلة يحيطها جبل ضخم ناحية اليسار، وعلى مسافة ليست بعيدة رأينا الطريق الأسفلتى الواسع مضاء بالأنوار، وعليه تتحرك بعض سيارات الشرطة ذات الفلشرات المتقطعة.

توقف سائق الجيمس ذلك الشاب الصغير، مشيراً إلى نقطة أمنية مضيئة على الطريق الأسفلتى طالباً منا أن نستمر سيراً على الأقدام بموازاة الجبل حتى نتخطاها، أما هو فسيمضى بسيارته دون ركاب أمام النقطة وعلينا انتظاره على الطريق الرئيسي على مسافة بعيدة عن الأمن ليحملنا من جديد إلى أرض الله المقدسة.

كان الطريق وعراً، يصعد ويهبط، ينحني ويستقيم، وكلما رأينا سيارة مضيئة اختفينا خلف صخرة أوهبطنا فى منخفض، ولم يسلم بعضنا من التعثر والسقوط أرضاً، وهو الأمر الذي سالت معه الدماء، واستمرت رحلة العبور أكثر من ساعة حتى اجتزنا نقطة الأمن من الناحية الخلفية لها، وعندما تأكدنا أننا فى أمان انتقلنا إلى الطريق الأسفلتى وانتظرنا على جانبه الأيمن سائق الجيمس الذي كنا ننسق معه عبر»النقال» بعد أن أصررنا على تدوين رقم هاتفه حتى لا نفقد وسيلة النقل التي ظننا أنها الوحيدة لحملنا إلى مكة.

جاءنا السائق حيث ننتظره أسفل لافتة ضخمة كعلامة مميزة. سارعنا بالقفز داخل السيارة، كنا خمسة فقط، بعد أن ابتلع الظلام والطريق الجبلي نصفنا الآخر!

أصر الشاب الصغير على تقاضي ألف ريال رغم محاولتنا إفهامه أننا خمسة فقط، ولكن الظرف الأمني الذي كنا نمر به لم يرجح الكفة لمصلحتنا فرضخنا لطلبه، وانطلق يقطع الطريق إلى مكة وسط احتباس أنفاسنا!

قبل الحرم المكي بقليل توقف السائق طالباً منا النزول واستقلال سيارة اخرى إلى الحرم، فالطريق زحام وسيعطله ساعات يمكنه خلالها جلب مجموعة اخرى من «الحجاج» الهاربين! رفضنا فى البداية ثم رضخنا لأمره بعد أن أصررنا على أن يوقف لنا سيارة اخرى، وقد كان.

البؤساء! 

كانت الساعة الثالثة صباحاً عندما ولجنا ساحة الحرم الشريف وكان مشهد الحجاج النائمين فى الساحة يدعو إلى الشفقة والرثاء، آلاف من الرجال والنساء والأطفال ينامون متقاربين بشكل عشوائي، تداخلت الأقدام بالوجوه، والصغار بالكبار! كان معظم هؤلاء الحجاج ينتمي إلى الجنسية الآسيوية، وكان مشهدهم نياماً يثير السؤال تلو السؤال: من أين جاؤوا؟ وكيف؟ ولماذا؟ وهل ظهورهم بهذه الصورة يعد قوة للإسلام والمسلمين؟!

ادينا مناسكنا، ثم مضينا نبحث عن منطقة جبل النور، حيث مقر الحملة. لم نجد صعوبة في العثور على سيارة تقلنا إلى»الجبل» مقابل عشرة ريالات لكل «حاج»، ولم تستغرق المسافة أكثر من ربع الساعة، كانت «الحملة» تستأجر مبنى مستقلا من أربعة أدوار، في بكل دور شقتان، انفصل الرجال عن النساء، وأقام فى الغرفة الواحدة سبعة أو ثمانية أشخاص على أسرة متجاورة، وأهدت «الحملة» لكل منا منامة ومخدة وبطانية واعتبرتها هديه يمكن الاحتفاظ بها على الدوام .

كان المبنى يقع أسفل الطريق الصاعد إلى غارحراء، حيث كان يتعبد

نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، لم نشأ أن نضيع فرصة الصعود إلى الغار،

فتجمعنا وانطلقنا بخطى جادة سريعة، ولم تستمر الجدة كثيراً، إذ سرعان ما هدأ السير، وبعد دقائق من الصعود احتجنا إلى الجلوس طلباً للراحة، ثم عاودنا رحلة الصعود الشاقة، وهناك من عاد، وهناك من أكمل بعد أن احتال على مشقة الصعود بالجلوس مرات. كان الهواء عليلاً أعلى الجبل، ويقع الغار فى موقع يدعو إلى الاستغراب والدهشة، كيف استطاع نبينا، هذا العابد الزاهد، الوصول إلى هذه البقعة البعيدة عن الأرض المختفية في حضن الجبل؟

انهمار المطر 

أشرق صباح اليوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوم التروية، أحرمنا من جديد،

وأقلتنا الحافلة، التي لا نعلم كيف استطاعت دخول مكة دون تصريح، إلى أول أرض منى وبدأنا استكمال المشوار سيراً على الأقدام، سرنا طويلاً فى ظل جو غائم ينذر بهطول المطر، وقد كان، إذ هطل المطر غزيراً، بحثنا عن مكان يؤوينا فلم نجد، تساءلنا: كيف يمكننا البقاء إلى الليل فى هذا الجو الممطر؟

كان البقاء في العراء مستحيلاً، أسرعنا السير إلى الطريق الرئيسي بحثاً عن سيارة تدفع عنا الماء المنهمر، أوقفنا حافلة أقلتنا قريباً من المسجد الحرام، أسرعنا الخطى إليه، ومكثنا فيه إلى صلاة العشاء، ثم انطلقنا إلى جبل النور بعد أن أصر سائق الجيمس على تقاضي 20 ريالا من كل «حاج»، واصيب بعضنا بنزلة برد حادة استمرت اياما.

التاسع من ذي الحجة، يوم الحج الأكبر، حيث الوقوف بعرفة.

أقلتنا الحافلة صباحاً إلى هناك، وقبل أن تتوقف ظلت تبحث عن موقع نحط فيه رحالنا، نزلنا من الحافلة وفرشنا إلى جوارها بعض السجاد بعد أن جعلناها ساترا نحتمي به، اقترب موعد صلاة الظهر، تحركنا سيراً على الأقدام تجاه مسجد نمرة، كان الزحام شديداً، وبرك الماء اثر مطر الامس تغطي أجزاء كبيرة، لم نفلح فى الوصول إلى المسجد، فعدنا أدراجنا، لم تكن العودة سهلة في ظل تشابه الأماكن والمواقع، وكثير من «حجاج» الحملة ضلوا موقعها واستغرقوا ساعات حتى عادوا.

التحفنا السماء 

مع أذان المغرب، تحركت الحافلات طوابير إلى المزدلفة واستغرق الوصول إليها ساعات رغم قصر المسافة التي تفصلها عن عرفة. ظللنا - كالعادة – نبحث عن مكان يؤوينا، وكالعادة أيضاً وضعنا أمتعتنا وافترشنا السجاد والتحفنا السماء، ومن المزدلفة جمعنا حصيات الرجم بعد أن تساءل كثيرون عن حجمها ومواصفاتها المثلى.

كان من المتوقع أن نصلي الفجر ثم ننصرف إلى منى لكن حالة القلق المسيطرة على إداريي الحملة دفعت بهم إلى التعجيل بالذهاب قبل الاذان بحجة أن معنا نساء وأطفالا، ورغم ذلك أصر بعض الحجاج على البقاء في المزدلفة وعدم التحرك منها إلا بعد الصلاة. وصلنا إلى منى مع إشراقة شمس يوم النحر، ورمينا الجمرة الكبرى، ثم انصرفنا سيراً على الأقدام إلى المسجد الحرام للطواف بالبيت العتيق، كانت عملية الرجم مريحة ولم تشهد ما شهدته السنوات السابقة من ازدحام ووفيات، ظللنا نسير حوالي ساعة حتى وصلنا إلى الكعبة قبل أن يشتد الزحام، طفنا باطمئنان ثم توجهنا إلى دكاكين الحلاقة حيث الحلق والتقصير، وفى المكان المتفق عليه كعلامة تجمع تجمعنا، وعلى بعد خطوات كان يجلس شاب أدمى رأسه أثناء عملية الحلق لنفسه، ما جعل أبا حمد يثور غاضباً طالباً منه أن يتوجه إلى حلاق بدلاً من أن يسلخ فروة رأسه!

مشهد عجيب! 

كان من الصعب العثور على سيارة تقلنا إلى جبل النور، وبعد انتظار طويل وتنقل هنا وهناك وجدنا سيارة جيمس اشترط سائقها أن يدفع الحاج 50 ريالاً وإلا فليصعد أعلى السيارة من الخارج بعشرين ريالاً فقط! لم ينه السائق كلامه حتى قفزنا جميعا إلى سطح السيارة وانطلقت تحملنا وهي خاوية من الداخل! كان مشهداً عجيبا ربما لم يحدث من قبل وقد لا يحدث من بعد، سبعة حجاج على سطح سيارة لا أحد فيها من الداخل بعد أن فشل سائقها في استقطاب زبائن مقابل خمسين ريالاً ! ضحكنا كثيراً حتى وصلنا إلى حيث نسكن.

توجهنا ليلاً إلى أحد المطاعم القريبة، وعندما عدنا الى المسكن اكتشف الشيخ «أبوجاسم» أنه نسي هاتفه النقال فى المطعم، عدنا للسؤال عنه ولكن لم نعثر له على أثر، وأصر صاحب المطعم وعماله على أننا لم نترك شيئاً عندما انصرفنا، وضاع الهاتف وحزن الشيخ عليه كثيراً إذ فقد معه كثير من أرقام هواتف الأقارب والأصدقاء.

على رصيف منى 

توجهنا مساء اليوم التالي (أول أيام التشريق) إلى منى للبيات فيها بعد أن رمينا الجمرات الثلاث صباحاً، وكان العثور على موضع للمبيت عملية شاقة، ثم نجحنا اخيرا في اقتناص موقع جيد على أحد الأرصفة، وربما لذلك سمي هذا النوع من الحملات بحملات الرصيف، وافترشنا الرصيف حتى الواحدة صباحاً ثم جمعنا متاعنا وعدنا من حيث أتينا.

فى يوم التشريق الثاني تكرر سيناريو اليوم الأول، واكتفينا بهذين اليومين باعتبار أننا من المتعجلين الذين لا إثم عليهم، ثم طفنا طواف الوداع، وعدنا نجمع حقائبنا استعداداً لفراق أطهر بقعة في أرض الله.

غادرنا مكة ليلاً ووصلنا صباحاً إلى المدينة المنورة حيث قضينا فيها يوما كاملاً، وتجمعنا في الحافلة عقب صلاة المغرب، واكتمل عددنا إلا شاباً جلس طوال رحلة القدوم منعزلاً فلم يعرف جاره شيئاً عنه او يمكن الاستدلال به عليه، جرت عملية بحث في المنطقة المحيطة بالحافلة وانتظرنا حوالي ربع الساعة فقط دون أن يعود، واتخذ إداريو الحملة قرارا بالسير من دونه رغم أن جواز سفره كان بحوزتهم، ومضت القافلة تشق سكون الليل دون أحد حجاجها!

أثناء العودة، ضللنا الطريق وسرنا فى طريق خطأ أضاع علينا حوالي أربع

ساعات، كان غياب العلامات الإرشادية واضحاً، وما وجد من علامات كان يصلح دليلاً لأهل المملكة فقط، أما القادمون من خارجها فلا شك انهم سيجدون صعوبة بالغة في معرفة الطرق الصحيحة.

وصلنا إلى الحدود السعودية – الكويتية فى الثامنة مساءً، منفذ الرقعي، كان البرد قارصاً والزحام كبيراً، وانتظرنا حتى الثانية صباحاً لدفع غرامة مخالفة شروط تأشيرة العبور، إذ ليس مسموحاً البقاء في المملكة لعابري السبيل عشرة أيام كاملة. بعضنا لم يستطع دفع الـ500 ريال غرامة المرور وطلب هؤلاء البقاء على الحدود حتى يصدر أمر بالعفو عنهم دون تغريمهم، لكننا أقنعناهم بالرحيل معنا بعد أن جمعنا الغرامات المطلوبة في ما بيننا.

أخيراً، نجحنا في دفع الغرامات رغم الازدحام الشديد وعدم وجود موظفين سوى اثنين فقط للتعامل مع كل هذه الوفود، لم يحصل أحد على إيصال بسداد الغرامة، فقد اكتفى الموظفان بختم جواز السفر بخاتم المنفذ الحدودي، وإذا كان هناك من المشايخ من أكد أن حج المرور غير مبرور فالسؤال الآن بعد دفع غرامة المرور: هل الحج الآن بعد دفع المخالفة أصبح مبروراً ؟ وهل من الافضل لهؤلاء الحجاج، ومعظمهم محدود الدخل، اللجوء الى هذا النوع من الحج ام ينتظرون الى حين ميسرة؟

back to top