ثورة الوطن العربي والعبور إلى الجليل!

نشر في 23-02-2011
آخر تحديث 23-02-2011 | 00:00
 محمد صادق الحسيني * «نصرالله» قد يأمر بالعبور إلى الجليل الفلسطيني في أي حرب قادمة، والإمام الخامنئي يرسل بارجتين حربيتين إلى موانئ سورية عابرة قناة السويس بموافقة المجلس الأعلى للقوات المصرية والعدو الصهيوني يهدد بإمكان العودة نحو جبهة شمال فلسطين، أليست هذه أولى نتائج ثورتي تونس الحرة ومصر أم الدنيا؟!

إنه بذلك لا يفشي سراً بقدر ما يذكر بالتحضيرات المؤكدة التي باتت على خرائط أركان العدو كما الصديق للمنازلة الكبرى الآتية فصولها كما هو القدر الذي لا مناص منه، وأنا أتكلم هنا بعين «نصف العارف ونصف العاشق» منازلة يمكن أن تقلب ليس وجه المنطقة فحسب، بل وجه العالم ولست مبالغاً في ذلك للأسباب التالية:

ولكن دعوني أستدرك أولا بالقول إنني أكتب هنا لمن يبحث عن علم اليقين وعين اليقين وسير السنن الكونية، أما المناكفون والحانقون والمشاغبون والتائهون والمرجفون في المدينة فلا شغل لي بهم لأنه لا وجود لهم في مشهد «حق اليقين» بالمطلق!

أولاً: شاء من شاء وأبى من أبى وقرأ الإيرانيون ذلك صواباً أم خطأً وكذلك أشقاؤهم التونسيون والمصريون، فإن نتيجة ما حصل هناك وتداعياته القادمة والمتفاعلة على صفيح ساخن جدا في سائر أرجاء الوطن العربي، هي معركة الرابح الأول فيها الإيرانيون والخاسر الأول فيها الثنائي الإسرائيلي الأميركي!

وهذا الأمر لا علاقة له مطلقا بتقييماتنا المتفاوتة لسياسات إيران الداخلية أو الخارجية ورضانا عنها أو غضبنا منها, فالحقائق على الأرض تحصل وتقع وتترك آثارها بناء على سنن كونية لا علاقة لها بالحب والبغض!

ثانياً: ما حصل في تونس ومن ثم في مصر في هذه اللحظة التاريخية لا علاقة له بإيران ولا بحلفائها بشكل مباشر بالمطلق, وكل من يدعي خلاف ذلك مدعٍ أو مكابر أو متوهم، فما حصل هناك هو صناعة تونسية ومن ثم مصرية محلية محضة, خلقتها صيرورة تونسية ومن ثم مصرية ابتدعها أصحاب الأرض والهم بأنفسهم ونقطة على السطر!

بالمقابل دعونا نتلمس في محاولة أولية للاقتراب من حقيقة ما دفع لحصول ما كان ينبغي أن يحصل في تونس، ومن ثم مصر طبقاً للسنن الكونية التي نؤمن بها ولا نؤمن بالمصادفات أبدا. فنقول:

أولاً: إن نقطة اشتراك النظامين التونسي والمصري أنهما قاما على القفز على حقائق التاريخ والجغرافيا والاجتماع أو «الجماعة» الوطنية للبلاد, وربطا مسير نظامهما ومسارها بالتبعية شبه المطلقة للأجنبي بما استفز كرامة وعزة وهوية الجماعتين, والمقصود من الجماعة هنا المصطلح السوسيولوجي وليس السياسي المتعارف عليه, أي العقل الجمعي للأمة في كل بلد!

ثانياً : إن شعبي تونس ومصر هما من الشعوب العريقة والأصيلة الضاربة عروقها في عمق التاريخ الإنساني، حيث تشهد الوقائع والأحداث التاريخية بأن لهما تاريخاً حضارياً وثقافياً غنياً يسبق حتى وصول الدعوة الإسلامية إليهما، وهما يعتزان بهذا أيا كان تقييمنا نحن المراقبين من الخارج لهذا التراث الإنساني!

وأما إذا ما أردنا العودة إلى البداية، إذ لا يسعنا الوقت لحشر مزيد من البحث في أعماق الثقافة والحضارة والتاريخ في هذا المقال الصحفي المحدود، نقول إن ثمة نقاط اشتراك بين هذين البلدين وإيران، قد تكون غائبة عن بعض المتتبعين مما يجعلهم مستغربين السبب الحقيقي الذي يجعل العدو الصهيوني والصديق الصادق لأمة العرب أن يقول إن نتائج ثورتي تونس ومصر هما انتصار لا لبس فيه لإيران على أميركا، رغم أن من حقق النصر على الأرض هناك هما الشعبان صاحبا العلاقة وبقوتهما الذاتية المحضة وإبداعهما الخاص الذي لم يستنسخ من أحد لا في الإيديولوجيا ولا في الميثودلوجيا- المنهجية- ولا في الوسائل أو الأساليب إلا ما هو عام ومشترك بين الشعوب كافة!

فبالإضافة إلى اشتراك إيران مع شقيقتيها العربيتين في النقاط المذكورة آنفا لابد من التوقف عند نقطة اشتراك شمال إفريقيا عموما وإيران بنقطة جوهرية إضافية ومهمة؛ ألا وهي:

- أن كلا من تونس ومصر وإيران تشترك في كونها من أول البلدان التي احتكت مع الغرب مبكراً ما جعلها تنقل الكثير من معارفها العامة، حيث عرف عن شعوبها أنهم أول من أقر دساتير محلية لبلدانهم محاكية لتحولات العصر بين أواسط القرن التاسع عشر حتى نهاياته بالترتيب الزمني المعروف للبلدان الثلاثة!

لكنهم كما واكبوهم فيما عرف بنقل العلوم والمعارف اختبروهم كذلك في مؤامراتهم وصناعة مكائدهم وحيلهم وأحابيلهم في سحق الهويات المحلية، ومحاولات فرض التبعية، وإشاعة الفكر الاستئصالي ضد كل ما هو وطني أو قومي أو ديني خاص بأهل المنطقة!

ما حصل في العقود الأخيرة هو أن كلاب حراسة هذه السياسة من الحكام المحليين ذهبوا بالبلاد، واستجابةً لتلبية عقد التبعية والخنوع والإذلال الذي وقعوه مع أسيادهم, إلى محاولة تحويل الشعب المتحكمين بمصيره إلى مجرد قطيع يمشي وراءهم، وهنا طفح الكيل بالجماعة، واستوت نار الثورة، وقرر الجمع أن يرحل، ويمشي ذلك «الراعي» الخائن والعميل وكلب الحراسة المخلص للأجنبي بأي ثمن كان، وأن تعود الجماعة إلى الصراط!

هذا ما حصل مع شاه إيران، وهذا ما حصل مع شاه تونس، وهذا ما حصل مع شاه مصر, وهو ما يمكن أن يحصل مع أي شاه يخرج على هوية شعبه أو يحاول إذلاله أو سلب كرامته أو يتجرأ عليه في أي من مقدساته أو حقوقه الإنسانية المعروفة، بعد أن فاض الكيل مع الشعوب، وقررت في عصر الصحوة واليقظة واكتمال نصاب الوعي الجماهيري، وانكسار حاجز الخوف الوهمي أن تقطع مع كل ما هو دخيل، وأن توصل خيوطها مع كل ما هو أصيل!

أخيراً وليس آخراً، لا أحد في إيران، ومن السذاجة من، لا يعرف هذا, ومن ثم لا أحد يريد استنساخ ثورته لأحد، لكن القدر المتيقن لدى كل محارب لأميركا والكيان الصهيوني هو أن يعمل لمساعدة أخيه في الهوية والكرامة والعزة في منع المهزومين وعلى رأسهم واشنطن وتل أبيب من اللعب مجدداً على التناقضات من أجل زعزعة صفوف الثوار أو إشاعة الفرقة بينهم, لعلهم ينجحون في خطف ثورة هنا أو ثورة هناك أو منع سقوط أحجار الدومينو الإسرائيلية الأميركية؛ في محاولة لمنع استكمال انهيارهم أو تأجيل المنازلة الكبرى الموعودة!

أما اللعب في الوقت الضائع وتحريك صغار هنا أو هناك باسم معارضة النظام في بلد «الجائزة الكبرى» أي إيران، والتي لم يحظ بها بوش الصغير في أوج جبروته، فإن أوباما أصغر من أن يلامسها عبر عملية تشبيه بائسة ويائسة من خلال رموز محروقة وغارقة في اليأس؛ لحرف الأنظار عما يجري في سفينتهم الاستعمارية الغارقة في البحرين الأبيض والأحمر!

فقد نسي هؤلاء أن أحمدي نجاد هو أول من بدأ موجة الثورة على الفساد والمفسدين واحتكار السلطة في بلاده قبل سنوات، وهو الآن في أوج حصاد ما زرع وصار وراءه جيش عرمرم من «الناس بوك» يقودهم إمام فدائي هو آية الله السيد علي خامنئي له من «القدسية» والكرامة عندهم، إذا قال لهم خوضوا البحر مشاة سيخوضونه, ومعه أركان قادة من أحفاد قائد «ثورة التنباك» الإيرانية الشهيرة التي أسقطت منح امتياز احتكار التبغ الإيراني للإنكليز، ومعه حكم الملك ناصرالدين شاه القاجاري بجملة واحدة: «اليوم استعمال دخانيات حرام است»!

هذا هو ما يجمع بين إيران وتونس ومصر ولبنان، وهذا ما يجعل «نصرالله» يمشي الخطى ملكا متلهفاً ساعة الصفر ليأمر قواته بالزحف على الجليل!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

back to top