لعبة... مروى زين

نشر في 26-07-2010 | 00:00
آخر تحديث 26-07-2010 | 00:00
من إبداعات السينما الروائية القصيرة شاهدنا أخيراً فيلم {لعبة} الذي كتبته مروى زين ومصّرته عن قصة للأديب الإيطالي الكبير ألبرتو مورافيا وأخرجته، وأدت بطولته ليلى سامي والطفلة روفينا عزت.

مروى مخرجة سودانية لها مجموعة من الأفلام (راندا ـ سلمى)، تخرجت في المعهد العالي للسينما في الجيزة في مصر وهي فنانة عربية بامتياز، همومها عربية وطموحها مشاريع لأفلام طويلة وقصيرة تتحدث عنها بأمل كبير وتستند إلى دراسة جادة وموهبة جلية.

كل من يرى أفلام مروى يتيقّن من هذه الموهبة، لا سيما فيلم {لعبة}. نفهم في بدايته أن بطلته (ليلى سامي) مطلّقة ولديها طفلة (روفينا عزت)، وأن علاقتها متوتّرة مع صديقها ابراهيم الذي لا نراه.

ثمة أسباب متشعّبة تثير القلق لدى الأم الشابة التي تشعر باختناق بعدما توصد أبواب العالم أمامها، ما يجعلها عصبية وتضيق ذرعاً بابنتها وبنفسها، فتحاول الطفلة بذكاء حاد، التخفيف عن أمها وإخراجها من حالها، وفي الوقت نفسه لفت انتباهها إلى أنها ليست صابرة وهادئة بما يكفي مع صغيرتها... كأنها تريد أن تقول: لماذا ذلك كلّه يا أمي مع نفسك ومعي؟!

تحقّق الطفلة بذكاء ذلك بأن تطلب من أمها مشاركتها في لعبة تقوم على تبادل الأدوار، تمثل الأم دور الطفلة والطفلة دور الأم (أنا أنت.. وأنت أنا!)

ترفض الأم في البداية، خصوصاً أن فيها ما يكفيها ولا ينقصها {هزار} من هذا النوع، لكن مع إصرار الطفلة، تقبل الأم في البداية على مضض ويكاد يحدث توتر بينهما لكنهما يتداركان ويتابعان اللعب.

تمثل الإبنة شخصية أمها بتوترها وعصبيتها، انفعالاتها الزائدة وصراخها... تقريعها لابنتها بمناسبة ومن دون مناسبة، وغضبها من العالم، فتجد الأم نفسها أمام مرآة حقيقية.

هكذا، تراها الإبنة الغضة الرقيقة، بكل براءتها وصدقها وتلقائيتها، لا بد من أنها كذلك إذن في حقيقة الأمر، ولم تكن تدري كم أصبحت سيئة وهي وسط الصخب الذي يكاد يودي بكل شيء في لحظات الغضب.

إنه {التمثيل} الجميل، الذي نرى أنفسنا فيه، فنفهم ونتوازن ونصبح بعده على حال أفضل أو أكثر وعياً وإدراكاً.

}التمصير} الذي قامت به مروى زين بارع، فنحن بالفعل أمام بيت مصري وأم شابة وابنة طفلة، ويرجع التألق في عناصر الفيلم المختلفة من تصوير (وليد جابر) ومونتاج (رضوى علي) وموسيقى (إبراهيم شامل) بالأساس إلى المخرجة الجادة المجتهدة وإدارتها الواضحة الكفاءة.

لبطلة الفيلم ليلى سامي أدوار في أفلام أخرى، ولها فيلم روائي طويل، {تلك الأيام}، عُرض أخيراً، إخراج أحمد غانم، شاركت في بطولته مع محمود حميدة وأحمد الفيشاوي، وهي وجه مصري معبّر وموهبة صادقة قابلة لاكتساب مزيد من الرهافة والنضج باطراد.

أما روفينا فهي مفاجأة الفيلم السارة، تعرفت إليها المخرجة وأدارتها بنجاح مؤكد، وبدت الطفلة مدهشة ومعبرة بجمال عن الشخصية، تماماً كما أريد للعمل وكما أرادت صانعته، ما منح الفيلم قوة وجاذبية خاصة، فشخصية الطفلة بطبيعتها ليست مساندة أو مساعدة بل أساسية، وهي التي تقود أمها إلى اكتشاف الذات وتقود المتلقّي إلى {لحظة التنوير}.

من خلال وحدة المكان (الشقة) والزمان (قرابة ساعة) شاهدنا لعبة أخاذة، لذلك لحضور الممثلين أهمية خاصة، وامتلاك المخرج ناصية عمله ومختلف أدواته وعناصر العملية الفيلمية ضرورة فائقة، وقد توافرت هذه العوامل مجتمعة في {لعبة} مروى زين.

الفنانة السودانية، الفنانة العربية بامتياز، راقية الاستعداد والموهبة، الطامحة إلى مشاريع سينمائية سمعناها تتحدث عنها في ندوة، مع النقاد، بعد عرض فيلمها... نشعر بأنها من النوع الذي بعزيمته وموهبته وقدراته سيبدع ويتواصل ويصل!

back to top