أوباما... العدو الأول والخطر الأكبر على إسرائيل

نشر في 27-04-2010
آخر تحديث 27-04-2010 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله يشير آخر استطلاع للرأي أجرته الـ«بي بي سي» أن صورة الولايات المتحدة تحسنت كثيرا خلال السنة الماضية، وأن الرئيس الأميركي باراك أوباما هو الزعيم الأكثر شعبية في كل أنحاء العالم فيما عدا إسرائيل. استطلاعات الرأي عادة تتغير صعودا وهبوطا وفق التطورات والمستجدات، لكن المؤكد الوحيد أن شعبية أوباما هي أدنى من شعبية أي رئيس أميركي آخر في إسرائيل ومن المتوقع أن تتراجع شعبيته بسبب تصاعد الخلافات بين تل أبيب وواشنطن.

لم تكن إسرائيل مرتاحة أصلا من انتخاب الرئيس الأميركي، وكانت باستمرار حذرة كل الحذر مما كان يعتقد بـ«غموض نواياه وخطورة سياساته تجاه إسرائيل». ثم تطور هذا الحذر الى درجة اتهام أوباما بأنه معاد للسامية، ولا يتفهم احتياجات إسرائيل الأمنية ويساهم في زيادة عزلتها، ويمارس الضغط عليها، ويعتقد قطاع واسع من الرأي العام الإسرائيلي أن أوباما يظهر الانحياز للجانب الفلسطيني ويتقرب للعرب والمسلمين وربما كان يعني ما قاله في خطابه في القاهره بأنه «لن يدير ظهره للشعب الفلسطيني بعد الآن».

في المقابل فإن الرئيس الأميركي أوباما منزعج كل الانزعاج من حكومة نتنياهو التي ترفض رفضا قاطعا طلب a الاستيطان في القدس، وتسعى إلى التقليل من شأنه وتكشف للعالم ضعفه ومحدودية قدراته على تنفيذ أجندته الطموحة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وترى الإدارة الأميركية أن نتنياهو عنيد وغير متعاون وغير جاد للتوصل إلى تسوية مع الجانب الفلسطيني، ويعرض المصالح الأميركية العليا للخطر، وأن الوقت حان لمعاقبته ووقف «تدليل» إسرائيل.

من المتوقع أن يتصاعد الجفاء بين أوباما ونتنياهو ويزداد ضغط كل منهما على الآخر في معركة دبلوماسية متصاعدة لا يمكن التكهن بنهاياتها. لقد بدأ أوباما المعركة الدبلوماسية المفتوحة على كل الاحتمالات حينما أعلن أخيرا «أن حل مشكلة الشرق الأوسط يمثل قضية أمن قومي حيوي، وأن استمرار الصراع العربي الإسرائيلي يكلف الولايات المتحدة الكثير من الدماء والأموال».

ثم وجهت المؤسسة العسكرية الأميركية ما يشبه الإنذار إلى إسرائيل بأن «سياستها وممارساتها أصبحت تعرض حياة جنودها للخطر في ميدان العمليات في المنطقة». جاء هذا التصريح النادر من نوعه على لسان الجنرال ديفيد بترويوس أمام الكونغرس الأميركي ليعبر عن وجهة نظر المؤسسة العسكرية.

كما حملت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، المتعاطفة بشدة مع إسرائيل، حكومة نتنياهو مسؤولية الجمود القائم في مفاوضات السلام وطالبت باتخاذ الخطوات اللازمة لكسر الجمود في المفاوضات، ذلك أن المماطلة في التوصل إلى اتفاق سلام «يزيد من موجة العداء والكراهية لأميركا في المنطقة». وجاء بعد ذلك مارتن إنديك ليقول بوضوح ما بعده وضوح «إن على نتنياهو أن يختار ما بين الصدام مع شركائه في حكومته اليمينية أو الصدام مع الرئيس الأمركيي أوباما». صحيفة «النيويورك تايمز» وصفت هذه التطورات والتصريحات بأنها «تشكل تحولا جذريا في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل والشرق الأوسط».

ربما كان من السابق لأوانه الحديث عن تغيرات جوهرية في السياسة الخارجية الأميركية أو حتى وجود أزمة حقيقة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، لكن المؤكد أن إدارة أوباما بدأت تقتنع أن «تعليق الآمال على نتنياهو سيكون مضيعة للوقت»، وأن الأمر يتطلب ممارسة المزيد من الضغط السياسي والمعنوي على إسرائيل لتصبح أكثر تعاونا وتجاوبا مع مسارات التسوية السلمية.

في المقابل أعلن نتنياهو أخيرا رفضه القاطع وقف الاستيطان في القدس الشرقية، وأعلن أنه «لا يتلقى الأوامر من واشنطن» وأنه لا يكترث كثيرا لغضب الرئيس الأميركي. ويقوم نتنياهو بتحريض أصدقاء إسرائيل في واشنطن ضد الرئيس الأميركي، وتحرك اللوبي الصهيوني لوقف ضغط الإدارة الأميركية، وإحراج الرئيس الأميركي أمام العرب. وأول ما قام به اللوبي الصهيوني صياغة رسالة قام بتوقيعها 333 عضوا من أعضاء الكونغرس الأميركي تدعو أوباما لتخفيف الضغط على إسرائيل وتخفيف الاحتقان في العلاقات الأميركية الإسرائيلية. كذلك وجهت الجمعية اليهودية العالمية في واشنطن رسالة توبيخ في صيغة إعلان نشر في كبرى الصحف الأميركية تطالب إدارة أوباما بتوجيه «اللوم للعرب بدلا من تحميل إسرائيل مسؤولية تعطيل عملية السلام».

لكن إدارة أوباما لم تعد تستجيب لمثل هذه الضغوط بل بدأت مرحلة الهجوم المضاد على أكثر من جبهة. فقد أعلن إيهود باراك، بتحريض أميركي واضح، بأن الأزمة المتصاعدة بين تل أبيب وواشنطن «ليست في مصلحة إسرائيل» ودعا نتنياهو إلى سرعة «إنهاء الخلاف». وهدد وزراء حزب العمل في حكومة نتنياهو بالاستقالة كي لا تقع عليهم مسؤولية تدهور العلاقات مع واشنطن.

كما نشطت السفارة الأميركية في تل أبيب أخيرا في اتجاه تحريض الصحافة الإسرائيلية ضد حكومة نتنياهو. وبرزت مقالات عديدة تتحدث بخوف عن النتائج الاستراتيجية البعيدة المدى لهذا الخلاف، وتشير إلى ما يعرف بـ«السيناريو الفرنسي»، حيث كانت فرنسا هي الداعم الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. لكن الموقف الفرنسي تحول بشكل جذري في اتجاه التعاطف مع الموقف العربي، لذلك يحذر البعض في إسرائيل من أنه إذا تصاعدت المواجهة مع واشنطن فربما تصل الأمور إلى هذا المستوى، وهو أمر مصيري لا يمكن لأي سياسي في إسرائيل تحمل مسؤوليته، لذلك أخذ البعض من الاتجاه اليميني المتطرف في إسرائيل وتيار اليمين الجديد في أميركا، يكرر مقولة إن «العدو الأول والخطر الأكبر» على إسرائيل ليس إيران أو «حزب الله» و«حماس» بل الرئيس الأميركي المشكوك في نواياه. ما الذي يجب فعله عربيا تجاه تصاعد الخلافات بين أوباما ونتنياهو؟ العرب هم المستفيدون حقا من أي خلاف أميركي إسرائيلي مهما صغر أو كبر شأنه. فهناك معركة شد أعصاب ومن المهم للطرف العربي أن يكون فاعلا وناشطا وليس متفرجا على المواجهة التي يقودها أوباما ضد نتنياهو.

لقد اتضح أن الرئيس الأميركي يتحلى بالكثير من الصبر لكن لا ينقصه الإصرار لتحقيق أجندته، والدولة الفلسطينية المستقلة واحدة من أهم بنود أجندته الخارجية. الخيار الأفضل هو استثمار الخلافات الأميركية الإسرائيلية النادرة، ودعم مبادرات أوباما وتسهيل مهمته كجزء من الصراع المصيري ضد الكيان الصهيوني المارق والخارج على القانون الدولي، والذي يمارس الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتطهير العرقي في الضفة الغربية.

* باحث وأكاديمي إماراتي

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top