إعلام سيد ودول مستعبدة

نشر في 22-07-2009
آخر تحديث 22-07-2009 | 00:00
 بلال خبيز لا بأس أن يتحوّل قائد سياسي تاريخي إلى مخبر إعلامي. لا بأس أيضاً أن تنعدم مصادر المعلومات إلى الحد الذي تصبح معه الشائعة مضمونة التصديق والانتشار. ولا بأس أيضاً وأيضاً أن يصبح العمل السياسي برمته مجرد جهد هائل لتكذيب الشائعات. مع ذلك، يجدر بنا نحن الإعلاميين، أن نتضامن مع زملائنا. ذلك أننا ولسبب غامض، يتعلق بأحوال الديمقراطية في المنطقة ومفاهيمنا حيالها وحولها، نفترض أن الديمقراطية قد تزهر وتورق ويشتد عودها خارج إطار الدولة الجامعة، وبمعزل عنها.

لكن المؤسسات الإعلامية، بعضها على الأقل، في منطقتنا العربية، تستطيع أن تتخذ لنفسها مرجعيات خارج إطار الدولة وخارج إطار الأمة، إذا كان من الممكن الحديث بعد عن أمة. هذا فضلاً عن قدرتها على تخطي الحواجز والحدود والعبور إلى متن الشؤون الوطنية والداخلية لكل دولة. غير أن القضايا التي يهوى أهل السياسة والإعلام اللعب معها والتلاعب بأوتارها هي قضايا عامة تخص عموم العالم العربي وتمس كل دولة من دوله على حدة. وبكلام أوضح، يستطيع أي إنسان في أي بلد من بلاد العرب تبني قضية فلسطين، والتعامل معها بوصفه يملك الحق في تقرير السياسات الفلسطينية نيابة عن الشعب الفلسطيني وسلطاته الرسمية. والحق أن الموضوع الذي ثار غباره في الأيام الأخيرة هو من هذا النوع من المواضيع بالضبط، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يتدخل فيها القاصي والداني في تقرير صلاحية السياسة الفلسطينية الرسمية، ومدى ملاءمتها لشروط الصراع الأمثل مع العدو الإسرائيلي.

واقع الحال أن العدو الإسرائيلي هو عدو للعرب عموماً، لكنه يحتل أرضاً فلسطينية بوجه خاص. الذي يعرفه الفلسطيني ويختبره يختلف بطيبعة الحال عما يعرفه اللبناني ويقرره في هذا المجال، ومن كان يعيش في الشتات يملك رؤيته التي تختلف عن رؤية القابع تحت نير الاحتلال في أفضل سبل الصراع وأكثرها فائدة. ورغم أن هذه الاختلافات في المواقع وتالياً في الوقائع والمعاناة وفلسفة العداء من الأمور التي يقر بها الجميع، فإن الجميع، من المحيط إلى الخليج يهوى إعطاء الدروس للفلسطينيين في كيفية إدارة صراعهم. هذا التداخل المعقد، قد يكون له إيجابياته في أحيان كثيرة، لكنه لا يخلو من السلبيات وبعضها شديد الخطورة. وإذا كان مفهوماً في ما مضى من عقود أن يتدخل الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في شؤون الفلسطينيين السياسية والعسكرية على حد سواء، فلأن الفلسطينيين قيادة وشعباً كانوا يعرفون أن مصر منخرطة دولة ونظاماً وشعباً في الصراع المسلح. لكن الحروب العربية الرسمية ضد إسرائيل قضت نحبها منذ وقت طويل، وليس ثمة مَن يستطيع اليوم أن يدَّعي أنه يعد العدة لمثل هذه الحرب، وأن بعض النشاط الفلسطيني، يمكن أن يعكر عليه أجواء استعداداته. على أي حال، كانت حرب غزة الأخيرة نموذجاً فاضحاً، أكل خلالها الفلسطينيون تصريحات وشربوا دعوات للصمود. لكن الأسلحة المكدسة والصواريخ الموجهة وتوازن الرعب لم يسعف الفلسطينيين في حربهم غير المتكافئة التي كانوا يخوضونها. مع ذلك لم يكف البعض عن انتقاد السياسة الفلسطينية الرسمية كما لو أن الجيوش تقاتل على أبواب حيفا ويافا، والفلسطينيون يتخاذلون.

هذا في ما يخص الجيوش، أما في ما يخص الإعلام والإعلاميين، فالأمر يبدو أفدح وأكثر ضراوة. إذ يطلب الإعلاميون من مكاتبهم من الشعب الفلسطيني عدم التقاعس أمام الموت أو محاولة النجاة منه. وواقع الحال أن وسائل الإعلام بطبيعتها تهوى الدم والحروب، وتتعيَّش غالباً على الكوارث. وإذ إن هذا التعيش هو من طبيعتها الصرفة، فإن ذلك لا يفترض أن يخول للإعلاميين دعوة الناس إلى القتال والموت على نحو صريح كما تفعل بعض وسائل إعلامنا. بل يجدر بأهل الإعلام أن يدركوا المفارقة التي يقوم عليها عملهم، وأن يتصرفوا بموجب هولها، ذلك أن الكوارث والحروب، تقتل الناس في الشوارع والبيوت والملاجئ والمدارس، لكنها تجعل الإعلاميين أبطالاً، وبكلام آخر، ينبني مجد الإعلامي على دم الناس الغافلين. وهذا أدعى إلى التفكر والاتعاظ. إذ يبدو التحريض على الحروب والقتال من قبل الإعلاميين، كما لو أنه مطالبة للعبد بأن يموت من أجل مجد سيده. والعبد في هذه الحال ليس سوى الشعب الذي يدَّعي الإعلامي الدفاع عنه.

رغم ذلك لا يسع السلطة الفلسطينية أن تدافع عن نفسها في مواجهة وسائل إعلامية، ذلك أن هذا يعتبر مسّاً بالحريات. إنما ثمة قائل قد يقول: طيب فليكن مسّاً بالحريات، لكن الإعلام أحياناً يطغى ويتجبر إلى حد أنه يمس حياة مَن يدَّعي أنه يدافع عن حرياتهم.

* كاتب لبناني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top