مسابقة رسوم مستوحاة منه في غوته كليلة ودمنة ... لابن المقفّع أم لفيلسوف هندي؟

نشر في 04-12-2009 | 00:00
آخر تحديث 04-12-2009 | 00:00
No Image Caption
تشهد مكتبة معهد {غوته} الألماني في الإسكندرية مسابقة لرسوم كتب الأطفال مستوحاة من قصص {كليلة ودمنة} بعالمه القصصي الحيواني الممتع، وتهدف المسابقة التي يشرف عليها الفنان التشكيلي حلمي التوني إلى اكتشاف المواهب الشابة في مجال رسم كتب الأطفال.

فتحت المسابقة الجدل مجدداً حول نسب {كليلة ودمنة}، فمع انتشار مقولة إنه نص مترجم عن أصول هندية وإن مؤلفه هو بيدبا الفيلسوف، قدم عالم الفلكلور د. محمد رجب النجار في أحدث كتبه {كليلة ودمنة – تأليفاً لا ترجمة} الصادر عن {سلسلة الدراسات الشعبية المصرية} أطروحة جديدة مؤكداً على تأليف ابن المقفع هذا الكتاب ووجود أسباب اجتماعية وسياسية دفعته الى التخفي بنسبه إلى الحضارات الفارسية والهندية.

كليلة العربية

يشير النجار إلى حالة من تجاهل لنصوص شعبية عربية، خصوصاً قصص {ألف ليلة وليلة} و} كليلة ودمنة} التي يصر علماء فلكلور كثيرون على نسبهما إلى الآداب الهندية والفارسية واتهام القريحة العربية بالضحالة والخمول في مجال الإبداع القصصي، وهو قول غير صحيح.

يوضح النجار أن {كليلة ودمنة} من تأليف ابن المقفع إلا أن الأخير أراد التمويه على السلطة السياسية الحاكمة كي لا يتحمل وزر ما في الكتاب من آراء وأفكار تدعو إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي وتصطدم بالثوابت المجتمعية.

استخدم النجار أدلة نقدية سلبية وإيجابية في نفي فعل الترجمة الحرفية وإثبات فعل التأليف أهمها: المقارنة الأدبية بين نص {كليلة ودمنة} العربي والنص الأصلي الهندي {البنجاتنترا} المفترض ترجمة {كليلة ودمنة} عنه وهي المقارنة التي خلص منها إلى أن ثمة فوارق جوهرية بين النصين، مشبهاً فعل ابن المقفع في استفادته من قصص الحيوان الشرقية بفعل لافونتين أكبر شعراء فرنسا الذي استفاد من {كليلة ودمنة} وغيرها من قصص الحيوان ومع ذلك لم يقل أو يدع أحد أبداً أن لافونتين ناقل أو مترجم.

وأحد الأدلة التي يعتمد عليها النجار في إثبات نظريته الصراع التاريخي بين الفرس والعرب في القرن الثاني الهجري والذي كان أحد أبرز نجومه ابن المقفع الفارسي الذي ألف الكتاب ونسبه إلى الفرس انتصاراً لهم في الصراع الثقافي مع العرب.

عن أدلة علم الفلكلور يرى النجار أن النص وإن كانت له أصول هندية، لم ينكرها ابن المقفع، فإن نظرية {إعادة الإنتاج} المعروفة في مناهج دراسة الأدب الشعبي تسمح للمبدع الشعبي الموهوب بإنتاج نصوصه الموروثة أو المنقولة بأكثر من طريقة وأكثر من دلالة تصل إلى مرحلة تشكيل نص جديد منطلقاً من حريته الإبداعية في صياغة النص وفقاً لثقافاته وخلفياته الاجتماعية وهذا ما حدث مع ابن المقفع.

يخلص النجار في نهاية بحثه إلى إثبات النص لابن المقفع وأحقية الحضارة العربية به وضرورة إعادة النظر في أدبنا الشعبي والاعتراف به كمعبر حقيقي عن حاجات الشعوب العربية النفسية.

آراء

يرى رئيس تحرير {سلسلة الدراسات الشعبية المصرية} الأديب خيري شلبي أن مقدمة {كليلة ودمنة} السبب في نفي البعض تأليف الكتاب فمقدمة الكتاب تفتتح بحديث الفيلسوف بيدبا ما جعل الكثير من نقاد الأدب يظن أنها افتتاحية المؤلف الأصلي بيدبا، لكنها في الحقيقة جزء لا يتجزأ من بنيان العمل الفني الفذ، ونوع من الخبث الفني اتخذه ابن المقفع قناعاً يختبئ وراءه لتكون مسؤولية ما في الكتاب من نقد وتلميح وتنديد بالاستبداد وسخرية من قوة السلطان الغاشم ملقاة على ذلك المؤلف الهندي الوهمي.

في سياق متصل، أكد الباحث في الفولكلور المصري فارس خضر أن هذه الآراء ليست جديدة فقد طُرحت سابقاً بأدلة أقل ترتبط بنفي فعل الترجمة، مُشيراً إلى أن النص مؤلف بالتأكيد طالما دوِّن، بينما النص الشفهي {غير مؤلف} لاشتراك عقل الشعب الجمعي في صياغته، ليصيغ المبدع بعد ذلك النتاج الشعبي كله في صورة نهائية يدمغها بطابعه الخاص مقتبساً إذا شاء ما يريد من الحضارات الأخرى كما في نص {كليلة ودمنة} .

رواية شفاهية

بدوره، رجح د. صلاح السروي (أستاذ الأدب الشعبي في معهد الفنون المسرحية) أن النص الهندي الأصلي وصل إلى ابن المقفع عن طريق المشافهة، والرواية الشفاهية تنفي فكرة قدسية النص فبإمكان كل راوٍ الحذف من النص والإضافة إليه كما يشاء كما في سيرة بني هلال التي تتابع عليها الرواة بالإضافة والحذف حتى صارت بعيدة عن أصل القصة التاريخي، وهذا ما حدث مع نص {كليلة ودمنة} . ففكرة التأليف والنقل في النصوص الشعبية مطاطة، خصوصاً عند نقل نص شعبي من لغة إلى أخرى.

ولفت السروي إلى مشكلة حقيقية في التعامل مع نصوصنا الشعبية التي تعاني من الإهمال التاريخي بسبب سيطرة الفكر الكلاسيكي الذي يعلي من شأن أدب النخبة على حساب أدب العوام، لذا يركّز كثر على الشعر كأدة مفضلة لدى النخبة مع تهميش الأنواع الأدبية الأخرى. كذلك أوضح السروي أن الاهتمام بالأدب الشعبي لم يظهر إلا مع رواج الفكر الماركسي المهتم بالطبقات الدنيا، لذلك لم يؤسس أول كرسي للأدب الشعبي في الجامعات العربية إلا في عام 1960 في القاهرة أبان ازدهار الفكر الاشتراكي.

{كليلة ودمنة} أول كتاب ينتقل بقصص الحيوان الرمزية من الشفاهية إلى الكتابية، وأول إصدار في {أدب الأطفال}، وأول نص أدبي في النثر الفني الكتابي في تاريخ الأدب العربي، إضافة إلى أنه أول كتاب يهبط بالمعرفة السياسية من احتكار النخبة إلى مستوى العامة.

يتميز الكتاب بأن جميع أبطاله من الحيوانات البرية فالأسد هو الملك، وخادمه ثور، وكليلة ودمنة اثنان من حيوان ابن آوى وهما الراويان الرئيسان. ودفع النص كتاباً كثيرين الى محاكاته أمثال: أبو العلاء المعري في كتابه {القائف}، وابن عربشاه في {فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء}، وابن الهبارية في {الصادح والباغم} . ومن غير العرب نظمه شعراً فارسياً أبو جعفر الرودكي، وتأثر الشاعر الفرنسي لافونتين به في قصصه المنظومة شعراً.

back to top