تقدير امتياز عربي لاوباما


نشر في 02-02-2010
آخر تحديث 02-02-2010 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله يقول الدكتور بيتر ثيربر، أستاذ الدراسات الأميركية بالجامعة الأميركية في واشنطن، إن الرئيس باراك أوباما وعد بتغيير السياسات العقيمة السائدة في واشنطن، لكنه وبعد مرور سنة على رئاسته حدث العكس تماماً حيث استطاعت سياسات وممارسات السياسيين في واشنطن من تغيير الرئيس أوباما، لذلك قرر الدكتور ثيربر أن الرئيس أوباما لا يستحق أكثر من تقدير «ضعيف جداً» لأدائه خلال السنة الأولى في البيت الأبيض، خصوصاً أن السنة الثانية من سنوات الرئاسة الأميركية هي أكثر صعوبة من السنة الأولى، حيث جرت العادة أن يفقد حزب الرئيس أغلبيته في الكونغرس الأميركي بعد الانتخابات النصفية المقررة في شهر نوفمبر 2010.

كذلك وبعد استعراض دقيق لأقواله وأفعاله، قرر محلل صحيفة «الواشنطن بوست» المخضرم، ديفيد برودر، إعطاء الرئيس الأميركي أوباما درجة «غير مكتمل» للسنة الأولى من رئاسته. يقول برودر، الذي كتب كثيراً عما يجري خلف الأضواء والكواليس في البيت الأبيض، إن أوباما وعد كثيراً ونفذ قليلاً وفقد ثقة قاعدته الحزبية في الوقت الذي ضاعف من استياء المستائين من المعارضين له. والأهم من ذلك وجد أوباما أن المؤسسة الأميركية الحاكمة صعبة كل الصعوبة، والنظام الأميركي معقد كل التعقيد ولا يستجيب للتغير سريعاً. أما الشعب الأميركي الذي صوّت لمصلحة التغير بأغلبية مطلقة فإنه فقد فجأة الرغبة والثقة في التغيير في أقل من سنة.

أما تشارزس كراوثامر، أحد أهم كتاب اليمين المحافظ، ومن أشد أنصار اللوبي الصهيوني في واشنطن، فقد أعلن أن «سنة 2009 هي سنة سقوط أسطورة أوباما» الذي بدأ السنة الأولى من رئاستة كملك لملوك العالم، وانتهى به الأمر في بداية سنته الثانية إلى تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أدنى مستوى تصل إليه شعبية أي رئيس أميركي خلال نصف قرن.

ربما لم يسقط أوباما كما زعم كراوثامر، وربما لا يستحق تقدير امتياز، لذلك فإن تقدير ديفيد برودر بأن الرئيس الأميركي يستحق «درجة غير مكتمل» هو التقدير الأكثر موضوعية للسنة الأولى من رئاسة أوباما بالنسبة للأجندة الداخلية.

تقدير «غير مكتمل» هو تقدير إيجابي أكثر مما هو تقدير سلبي، وهو تقييم آني أكثر مما هو تقدير نهائي ويشير إلى أن أوباما مجتهد وقادر على تحقيق أهدافه ولديه رصيد مهم من العمل الجاد، لكن غلبه الوقت ولم يتمكن من تحقيق ما وعد به خلال سنته الأولى نتيجة لظروف قاهرة وخارجة عن إرادته. كما تشير درجة «غير مكتمل» وجود أسباب مقنعة بأن أوباما بذل الكثير من الجهد لتحقيق أجندته الداخلية والخارجية، وأنه قادر بما يملكه من معطيات زعامية مؤسسية على تحقيق برنامجه لو أُعطي المزيد من الوقت. بل إن كل المؤشرات تقول إنه يستحق أن يعطى فرصة جديدة قبل الإعلان النهائي عن نجاحه أو فشله في السنة الأولى. فتقدير «غير مكتمل» يوحي بأن الثقة عالية بأوباما، وفرص نجاحه كبيرة أنه سيحصل على درجة متفوقة في نهاية عام 2010.

لذلك كله لا ينبغي التسرع في إصدار الحكم النهائي على أداء أوباما خلال السنة الأولى التي شهدت تراجعاً كبيراً في شعبيته في الداخل الأميركي رغم أنه، ووفق آخر استطلاعات الرأي يحتفظ بشعبية كبيرة تصل إلى 72% في الخارج الأميركي.

فالعالم الخارجي، بما في ذلك المنطقة العربية، يقدر الرئيس الأميركي، وينظر إليه باحترام، ويتعاطف مع نهجه الإصلاحي والتوفيقي. لقد نجح أوباما مبدئيا في خلق صورة إيجابية لأميركا في العالم، وساهم في تخفيف حدة العداء تجاه الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي، وتراجع كثيراً الشعور بالعداء والكراهية للسياسات الأميركية خلال عام واحد من رئاسة أوباما.

ومهما كان فشله في الداخل الأميركي، فإن أوباما جعل العالم أكثر استقراراً وأمناً، وخلق أجواءً إيجابية في العلاقات الدولية. كما أنه بعث بأكثر من رسالة وفي أكثر من مناسبة أن الولايات المتحدة لن تتصرف خلال رئاسته بعنجهية وغطرسة وأحادية، وأنه يستخدم نهج «القوة الناعمة» بدلاً من «القوة الغاشمة» لحسم الخلافات المستعصية.

كان أوباما دائماً واضحاً أنه يفضل الحوار والعمل الدبلوماسي ولا يحبذ المواجهة حتى في التعامل مع الأعداء، كإيران التي مد لها يد المصافحة دون أن ترد طهران التحية بمثلها حتى الآن، وحتى عندما اضطر إلى إرسال 30 ألفاً من القوات العسكرية الإضافية إلى الجبهة الأفغانية المشتعلة، فإنه تأمل طويلاً، وفكر كثيراً، وأخذ وقته قبل أن يتخذ مثل هذا القرار الذي يحدد مصيره السياسي، ويتعارض على ما يبدو مع كل ما يؤمن به. لكن الأهم من كل ذلك أن أوباما بذل جهداً غير عادي من أجل التواصل مع العالمين العربي والإسلامي، وتحدث عن الإسلام باحترام وأعرب عن تقديره الشديد للحضارة الإسلامية.

ربما ارتكب أوباما وفريق عمله أخطاءً عديدة دفعت إلى تراجع شعبيته وجعلته يستحق تقدير «غير مكتمل» لأجندته الداخلية، لكن الرئيس الأميركي يستحق أكثر من تقدير «غير مكتمل» من الخارج، خصوصاً من العالمين الإسلامي والعربي. فالذي لا شك فيه أن مواقف أوباما المعتدلة في الخارج واندفاعه تجاه العالم الإسلامي هما من أهم أسباب الاستياء منه في الداخل الأميركي المعبأ ضد العرب والإسلام والمسلمين.

فالمؤسسة الأميركية العنصرية حتى القمة والمتصهينة حتى القعر تشن حملة خبيثة لتشويه صورة أوباما، ولن تنسى أبداً محاولته للضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان، ولن تنسى له الانحناءة العفوية أمام الملك عبدالله، ولن تنسى أنه أسقط من القاموس كلمة الإرهاب التي كانت ملازمة لكل مسلم وعربي، وستحاول جاهدة منعه من التواصل مع العالم الإسلامي. كما أن هذه المؤسسة ستحاصره من أجل عدم تنفيذ ما وعد به في خطابه المشهور في القاهرة «ببداية جديدة في العلاقات العربية الأميركية»، و»أنه لن يدير ظهره للقضية الفلسطينية بعد الآن».

لذلك وعلى الرغم من الاستياء العربي المشروع تجاه تراجعه السريع عن مواصلة الضغط على الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، فإن أوباما يستحق تقدير «امتياز» عربي على الأقل لمشاعره الصادقة، ونياته الطيبة، ولأنه على الأقل قال كل الأمور الصحيحية خلال السنة الأولى. وعليه فإنه بدلاً من النقد العربي الممل والذي يردد كالببغاء ما يقال في الخارج، المطلوب دعم عربي يمكن الرئيس الأميركي من مواجهة ضغط اللوبي الصهيوني الذي قرر إعدام أوباما أميركياً في سنته الأولى، والقضاء عليه عالمياً في سنته الثانية.

*باحث وأكاديمي إماراتي 

back to top