صوتوا للمرأة... فعضوية البرلمان لا تدخل تحت بند الولاية العامة

نشر في 17-05-2008
آخر تحديث 17-05-2008 | 00:00
 د. إقبال العثيمين كما هو ملاحظ، فإني عموماً قليلة الكتابة، ولكن عندما يلازمني موضوع ويلح على يتلبسني كما يتلبس الليل النهار. ودافعي للكتابة اليوم هو تلك الفتوى التي- لغاية في نفس يعقوب- ازداد بثها في هذه الأيام واستبسل أصحابها على إيصالها لجماهير الناخبين! ومفاد هذه الفتوى هو أنه تحرم مشاركة المرأة ترشيحاً في الانتخابات لكونها ولاية عامة! نشر هذه الفتوى وخصوصاً في هذه الأيام يعتبر إحدى الوسائل التي يستخدمها بعضهم في حملاته لمناهضة مشاركة المرأة السياسية ومحاولة تأليب الرأي العام ضد المرشحات، سعياً لاكتساب أصوات فئة ترفض مشاركة المرأة واستحقاقها لما نصت عليه الرغبة الأميرية في منح المرأة حقها السياسي، وسعياً أيضا إلى تقليص الساحة الانتخابية مما يوفر ويحقق كسب للمزيد من الأصوات المؤهلة للحصول على مقعد في البرلمان، ولاسيما بعد أن برهنت المرأة على قدرتها الفائقة في المواجهة والتحدي من خلال إصرارها على المشاركة في الترشح وخوض تجربة الانتخابات النيابية إضافة إلى طرح برامج تنموية مدروسة.

إن الاختلاف في وجهات النظر الفقهية يعد ظاهرة صحية تغني العقل المسلم بخصوبة في الرأي، وذلك من خلال الاطلاع على وجهات نظر متعددة، ورؤية الأمور من أبعادها وزواياها كافة. لكن يبدو أن أسلوب نبش قضايا الخلاف بين الفقهاء وأهل العلم ما زال يستهوي كثيرين، وخصوصاً مَن له مآرب أخرى في طرحها وفى هذا الوقت بالذات! نحن جميعا نعلم بأن الأفكار الدينية في الإسلام كانت ولا زالت تتأسس على النص الديني بوصفه كاشفاً للمصداقية، ومحدداً لقواعد السلوك الدينية والاجتماعية ومنهجاً متكاملاً يوضح للإنسان جوانب علاقاته بخالقه وبنفسه وبغيره من البشر، ونجد أن الخلاف واقع بين الفقهاء وأهل العلم من المسلمين بأمور عدة، خصوصاً في ما يتعلق بالتأويل وتفسير النص. ونحن بتطرقنا إلى هذه الاختلافات الفقيهة هنا لا لنعمق الهوة ونؤصل الاختلاف بيننا، بل لنتعلم أسلوباً نلتقي عليه في حل خلافاتنا الفقهية حتى يغدو أسلوب حياة لنا في تعاملنا مع الناس. لأن الإسلام يتسع إلى تلك الاختلافات التي لا تهدد وحدة أمته، كما أن الاختلاف لا ضير فيه ما دام لهذا الاختلاف ضوابطه وحدوده، وآدابه.

في موضوعنا هذا، الخلاف فيه هو اختلاف اجتهادي وليس نصي، حيث إن قسماً من العلماء يرى حرمة حق ترشيح المرأة، وآخرون يرون جوازها. والفيصل في ذلك حسب ما أرى هو النص الديني، وحينما ننظر في كتاب الله المنزل فإننا لا نجد آية واحدة تنص صراحة على حرمة مشاركة المرأة أو كراهة ذلك، ومن الصحيح أنه لم يرد نص بجواز مشاركتها، كما أنه من الصحيح أنه لم يرد نص بتحريم ذلك، ويبقى الأمر عائداً إلى اختلاف وجهات النظر التفسيرية والتأويلية، وحتى الآيات القرآنية الكريمة التي أعطت القوامة للرجل على المرأة فنحن لا نستطيع أن نقطعها عن سياقها ونكون كمثل من يقول «ولا تقربوا الصلاة»، ويترك بقية الآية وبذلك يستدل على حكم غير صحيح. فالقوامة في الآية الكريمة حُددت «بما أنفقوا من أموالهم» وهنا تكون القوامة الأسرية هي المقصودة، فالحاكم لا ينفق من أمواله الخاصة على رعيته، ورب الأسرة فقط هو المكلف بذلك الأمر، لذا وجبت له القوامة وتصريف أمور أسرته وفق ما يرى ووفق ما يندرج في حدود قدراته وإمكاناته، ونخلص من ذلك إلى أنه ليس هناك في الإسلام ما يحرم ترشيح المرأة للانتخابات. حيث إنه لم يرد في القرآن الكريم ما يحرمها على المرأة. أما بالنسبة للحديث النبوي الذي رواه البخاري عن أبي بكرة لما بلغ النبي (ص) أن فارساً ملّكوا ابنة كسرى، قال: «لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة»، فهذا الحديث اختلفت الآراء بشأنه؛ فأولاً: لا يصح تفسير الحديث خارج سياقه التاريخي وظرفه الاجتماعي. أي أنه خضع لقراءة خارج البيئة التاريخية التي انطلقت منه. ثانياً: الحديث قيل في الأمر العام أي بالخلافة من دون غيرها من الولايات. أي أن المقصود بـ«لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، أنهم قد جعلوها حاكمة عليهم ولها مطلق الحق في إصدار القوانين واتخاذ القرارات الرئاسية والسيادية والتعيين والعزل وقيادة الجيوش وغير ذلك من القرارات المتعلقة بهذا المنصب المتفرد في سلطاته واختصاصاته!

أما تقوم به المرأة أو الرجل تحت قبة البرلمان فلا يعدو المشاركة مع زملاء آخرين بسن قوانين يأمرون بها في المعروف وينهون عن المنكر. وهى قوانين تخص أفراد المجتمع كافة رجالاً ونساءً. وهذه القرارات التي تطرح في المجلس لا يكون لها قوة النفاذ إلا بعد إقراراها وتنفيذها من قبل مجلس الوزراء، أي أنها ولاية تفويضية وليست ولاية عامة والولاية التفويضية للمرأة جائزة شرعاً بدليل الآية القرآنية ﴿المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) * سورة التوبة. الآية 71.

لذا، وكما أوردت مسبقا أنها ليست سوى فتوى أريد بها باطل. وأوصيكم بالمشاركة في انتخاب النواب الأصلح رجالاً كانوا أم نساء، الذين يهتمون بالشعب ويحرصون على شؤونهم، ويسعون من أجل تطور البلاد وتنفيذ المهام الكبرى. كما أود أن أوصى طلبة العلم والمعرفة بمواصلة البحث والاجتهاد في شؤون الشريعة من أجل تحرير المفاهيم وتوضيح الرؤية.

أسأل الله السداد والرشاد إلى ما فيه الخير والصلاح

back to top