غيفارا الكويتي!

نشر في 04-03-2009
آخر تحديث 04-03-2009 | 00:00
 جاسم القامس لم أستطع تمالك نفسي من الدهشة وأنا أشاهد «الملحمة» التي عرضتها قناة «الوطن» على مدى حلقات حول حياة الشهيد الشيخ فهد الأحمد الصباح، خصوصاً في نهاية الحلقة الثانية عندما وضعت صورة للشهيد وهو يرتدي قبعة الجيش، وبجانبها صورة مماثلة للمناضل اللاتيني تشي غيفارا. كان وضع الصورتين بجانب بعضهما بعضا بحد ذاته مثار «تبقق عيون»، إلى أن تسمع صوت أحد المعلقين يقول إن غيفارا كان شخصاً فقيراً ساهم في ثورات وجاهد مع الفقراء، بينما الشيخ فهد الأحمد كان شيخاً، ومع ذلك فقد اختار رحمه الله ساحات القتال في سبيل قضايا أمته... ثم يختم بقوله إن فهد الأحمد كان أفضل من غيفارا.

ومع احترامي للشهيد وتقديري لدوره في ساحات القتال... لكن الأمر الأول الواجب بيانه حول تلك الفقرة من ذلك الفيلم الدعائي هو أن غيفارا لم يكن فقيراً، فقد كان أقرب للطبقة الغنية في الأرجنتين مما أتاح له دراسة الطب علاوة على القراءة والاطلاع على عشرات الكتب ساهمت في تشكيل فكره ورؤيته التي لاتزال إلى اليوم وقوداً محفزاً ومثلاً للعديد من الطامحين للتغيير والثورة والأمل في شتى بقاع العالم... فاختار غيفارا أن يترك حياته مع أسرته في الأرجنتين ليحرر شعوب أميركا اللاتينية من الإمبريالية والاستعمار، وهو ما حصل، فحارب مع أبناء جلدته. ولست هنا بصدد أن أدخل في مقارنة بين الشهيد الشيخ فهد الأحمد، و«الشهيد» غيفارا لأن مجرد المقارنة «قد» تكون ظالمة... لأحدهما.

في نفس اليوم الذي عرضت فيه قناة «الوطن» تلك الحلقة، عرضت قناة «سكوب» لقاءً مع مجموعة من المواطنين ممن أطلقوا على نفسهم «كويتيون لأجل الكويت» بحضور مذيع «دايخ» أعتقد أنه يفضل الاستماع لنفسه أكثر من الاستماع لمن يقابلهم، فكان دائم المقاطعة لطرح أسئلة غبية.

وفي تلك المقابلة، كان هناك حديث جميل للأستاذ عبدالعزيز الرشيد (بو بشار)، وهو زميل الشهداء الأسرى الشاعر فايق عبدالجليل والملحن عبدالله الراشد وخالد إدريس، الذين كان لهم، بالإضافة إلى آخرين، دور يكاد يكون من أجمل الأدوار أثناء فترة الغزو العراقي، فراح عبدالجليل يكتب القصائد فيما كان يلحنها الراشد ويعدها للتسجيل خالد إدريس بغناء مجموعة من زملائهم منهم «الصخرة السوداء» الضابط المتقاعد ولاعب المنتخب الوطني مرزوق سعيد، فأخرجوا بذلك 18 أغنية تحكي واقع الاحتلال، منها «على الحدود» و«يانا الذيب» و«نبقى نبقى كويتيين»، غنوها في أحد المنازل أثناء الغزو فرسموا من خلالها صورة جميلة من صور النضال الوطني. وقد عرض أثناء المقابلة تصوير نادر لعملية تسجيل الأغاني عرض بعضها لأول مرة وتم بعد ذلك التصوير بأسبوع أسر المشاركين فيها إلى أن استشهدوا. كان مجرد رؤية رجال كبار كَسَت اللحى وجوه بعضهم وهم تحت الاحتلال، منهم الشاعر والملحن وعقيد الجيش، يسري في الجسم شعوراً بالهيبة والتواضع في الآن ذاته.

علمت بتفاصيل قصة فايق والراشد وإدريس ومن معهم لأول مرة على وقع مقاطعات المذيع الدايخ لشرح الأستاذ عبدالعزيز الرشيد المشوق، بينما في قناة أخرى عرضت قصة «غيفارا» على مدى حلقات بإنتاج بدا ضخماً، ولا ننسى، إضافة للفيلم، تخليد ذكرى الشهيد فهد الأحمد بإطلاق اسمه على منطقة وصالة كرة يد ودوري كرة قدم (قبل أن تأتي القوانين الرياضية) وغيرها، فيما هنالك العديد من «الغيفارات» الكويتيين ممن لم تخلد ذكراهم كما ينبغي برغم أدوارهم المشرقة ليس في فترة الاحتلال فحسب بل في غيرها أيضاً، فمنهم من ساهم في تشكيل «الشخصية» الكويتية والتراث الكويتي كما نعرفه الآن كالفنانين خالد النفيسي وعبدالعزيز النمش وعلي المفيدي وآخرين قد لا يعرفهم الناس.

وعزائي أن هؤلاء جميعاً، من استشهد في سبيل الوطن ومن انتقل إلى الرفيق الأعلى ممن أثروا مجتمعنا، كانوا يقومون بعملهم ليس لأجل الخلود بل لأجل الوطن.

back to top