الحرامية

نشر في 13-06-2008
آخر تحديث 13-06-2008 | 00:00
 د. عبدالمالك خلف التميمي لقد تقدمت وسائل الاتصال واخترع الكمبيوتر، وأصبح الإنترنت وسيلة سهلت التواصل على كل المستويات بين البشر في تاريخنا المعاصر وهي جزء من حضارة العصر، وقد نعيش لنرى مخترعات أكثر تقدماً، لكن المفارقة أن الآثار الجانبية لهذه المخترعات سلبية وليست إيجابية كلها وعلى الدوام، فاختراع الذرة مثلاً كمصدر للطاقة البديلة إنجاز كبير ومهم في حياتنا لكنه في الوقت نفسه قد يؤدي إلى استخدامه لإنتاج سلاح نووي مدمر للبشر والحياة على وجه الأرض. وحتى لا نبتعد عن الموضوع الذي نريد التركيز عليه هنا نقول هناك استخدام سيئ للإنترنت، وهناك استغلال واحتيال عبر هذه الشبكة الخطيرة التي وصلت إلى كل بيت في العالم تقريباً.

وإذا كان العلماء يسعون ويعملون الليل والنهار من أجل تطوير حياة الإنسان بتطوير فكره، والتقدم التكنولوجي بهدف توفير وسائل أفضل للحياة فإن الحياة فيها الخير والشر، وهناك إنسان فاسد يسعى بأنانيته ومصالحه الذاتية ونزعة العدوان والشر لديه باستغلال أحدث ما توصلت إليه البشرية من مخترعات ليضعها في الاتجاه المعاكس للهدم وبث قيم الفساد والتخلف. لقد استقبل كاتب هذه الأسطر سيلاً من الرسائل النصية على بريده الإلكتروني كما استقبل الآخرون مثل هذه الرسائل تذكر أسماء مرسليها بأنهم يعملون في مواقع قيادية في مؤسسات مصرفية في عدد من دول العالم خصوصا من دول أفريقية تخبرنا بأننا ربحنا كذا مليون دولار أو جنيه إسترليني، ويطلبون رقم حسابنا لتحويل هذه المبالغ مقابل رسوم بسيطة هكذا وبكل بساطة تنهال علينا الملايين من دون مقابل ومجاناً، ونعرف تماماً أنها كاذبه وغير حقيقية، ومرسلوها مجموعة من «الحرامية» يريدون استغلال بعض الناس الذين لا يدركون مخاطر تلك الرسائل، ويقعون في الفخ الذي نصبه لهم أولئك الأشرار، فهم يرسلون آلاف الرسائل عن طريق البريد الإلكتروني عسى ولعل البعض يقعون في الشباك فيكسبون ولا يخسرون شيئاً، وكم سمعنا عن أناس قد انطلت عليهم تلك الحيل والأكاذيب.

وكل يوم نتلقى اتصالات من جهات مجهولة تدّعي أنها مؤسسات على مستوى عالمي تخبرنا بأننا ربحنا رحلة حول العالم مجانية، أو أن رقم الموبايل الخاص بنا قد ربح في القرعة أو غير ذلك من الأساليب وتقدم من قبل أناس محترفين لديهم منطق الإقناع وترويج مثل تلك القصص الخادعة.

ويبدو أنه ليس هناك مقدرة لدى الدول على وقف هذه القرصنة، وأن منعها يعتمد على وعي الناس والحذر الشديد، والتفكير العميق قبل الانسياق وراء ادعاء أولئك المحتالين الذين طوروا من أساليب الإقناع وتولاها محترفون يجيدون صنعة الاحتيال والاستغلال غير المشروع ليوقعوا بعض البسطاء ويسلبوهم أموالهم برضاهم، فهذا يبعث برسالة نصية عبر الإنترنت من كينيا وآخر من بوركينا فاسو وثالث من ملاوي... إلخ.

المشكلة لا تقتصر على جريمة أولئك المحتالين، لكن أيضاً هي مشكلة من تنطلي عليهم تلك الحيل، فهل بلغت السذاجة والجهل حداً لا يدرك فيه المحتال عليهم أبعاده ذلك النصب والقرصنة في عصر التعليم والوعي والتقدم المعاصر؟! ونحن متأكدون أن عدداً كبيراً من مستخدمي الكمبيوتر والبريد الإلكتروني قد تابعوا وربما وقعوا ضحية مثل تلك الأساليب الشريرة، وكلما يزداد التقدم يزداد معه التخلف والفساد، لكن تشخيص الداء لا يكفي على الرغم من أنه مرحلة مهمة على طريق العلاج. وإن طرح المشكلة دون اقتراح حلول تبقي القضية مبتورة وناقصة وعليه نطرح هنا بعض المقترحات التي يبدو من الصعب تحقيقها ولكن لا بد من قولها وهذا أضعف الإيمان.

أولاً: توعية الناس بمختلف الوسائل لمعرفة أهداف أولئك المحتالين والقراصنة وهذه مسؤولية الحكومات والإعلام والمثقفين، وهذه التوعية يجب أن تدخل المدارس في كل مراحل التعليم العام.

ثانياً: كشف وفضح تلك الأساليب بصورة مستمرة عن طريق وسائل الإعلام، وعدم إهمالها حتى نحد من الظاهرة كمرحلة أولى ومن ثم القضاء عليها في المراحل التالية وإن كان ذلك صعباً وربما مستحيلاًً.

ثالثاً: مطالبة الحكومات بملاحقة أولئك المحتالين في دولهم عن طريق «البوليس الدولي» وغيره، فهذه جريمة تتطلب مكافحتها على المستوى الدولي.

رابعاً: تحرك جمعيات حقوق الإنسان في الدول المتضررة من تلك القرصنة والتحايل للضغط باتجاه وقف تلك الظاهرة وكشفها.

خامساً: ونستغرب سلبية المستهدفين بتلك الرسائل الذين يعلمون أهداف ودوافع هؤلاء الحرامية.

إن مثل هذا الابتزاز والقرصنة والتحايل يجب مواجهته لوضع حد لهذه الظاهرة، وهي ليست مقتصرة على دول العالم الثالث، لكنها أيضاً من إنتاج وممارسة أناس في الدول المتقدمة، وإن التخلف صناعة دولية وليست مقتصرة على دولة أو شعب دون غيره.

ألا يكفي الفساد والتحايل الداخلي في مختلف جوانب حياتنا حتى يأتينا الفساد العابر للحدود عبر الإنترنت؟! وهل نحن من الغباء والسذاجة لتنطلي علينا مثل هذه الأساليب؟

إن هناك تراكماً هائلاً من التخريب والفساد لا تحملها جمال قارون في عالم اليوم يتطلب تراكماً لقيم الخير والمواقف النبيلة لمواجهة ذلك كله. وتحتاج الإشكالية حملة منظمة للصمود تجاه هذه الموجة العاتية من الفساد والحرمنة أو الجريمة المنظمة الخادعة وهذه مسؤولية نتحملها تجاه إنساننا ومجتمعاتنا.

back to top