الدعم الحكومي لمؤسسات المجتمع المدني: تنمية للديمقراطية... أم تقويض لها ودعوة إلى الكسل؟ هل تستحق جمعية دعماً حكومياً إذا عجزت عن إقناع الناس بالتبرع لها؟

نشر في 14-12-2008 | 00:00
آخر تحديث 14-12-2008 | 00:00
No Image Caption
مع تزايد طلبات إشهار جمعيات النفع العام، وتنامي ثقافة المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، تبذل مؤسسات المجتمع المدني جهوداً في الحصول على حصتها من التبرعات الخاصة، بينما تطالب غيرها بزيادة دعمها الحكومي.

يبحث هذا التحقيق في فكرة تمويل مؤسسات المجتمع المدني ومصادره وتأثيره على الديمقراطية. وثمة سؤال جوهري يمهد للدخول في الموضوع: مادامت مؤسسات المجتمع المدني كالنقابات وجمعيات النفع العام والمبرات الخيرية والأندية والروابط الثقافية والاجتماعية والرياضية لا تهدف إلى الربح، ومادام العمل فيها تطوعياً، فلماذا تحتاج إلى المال من الأساس؟

الجواب، نعم هذه المؤسسات تجتهد في المجالات الإنسانية والديمقراطية والاجتماعية والثقافية والخيرية، خدمةً لأعضائها ومساهمة في تنمية المجتمع وتوعيته دون قصد الربح تحصيناً لأهدافها السامية، كما أن أعضاءها يعملون تطوعياً تحصيناً لجهودهم بعيداً عن شبهات الانتفاع والمصلحة الخاصة، إلا أنها في سبيل تحقيق أهدافها تتكبد مصروفات تشغيلية لا مفر منها، كتلك المتعلقة بتأمين مقر لأنشطتها واجتماعات أعضائها، وأجور العاملين بها كموظفي الإدارة وعمال النظافة، وتكاليف تأجير المواقع والمعدات والخدمات لإقامة أنشطتها والإعلان عنها، وتكاليف طباعة المواد الإعلامية التوعوية.

وتأتي مصادر تمويل مؤسسات المجتمع المدني من أساليب التمويل التقليدية، كرسوم الاشتراك التي يسددها أعضاء المؤسسة، لكنها في الغالب لا تسد حاجاتها الأساسية لأن تلك الرسوم رمزية، فتلجأ إلى جمع التبرعات من الأفراد والجهات التي تؤمن بأهدافها وتدعم أنشطتها، أو من الشخصيات العامة والشركات التي تطمح إلى تعزيز صورتها في المجتمع في مجال العلاقات العامة.

ومع مرور الزمن اتجهت مؤسسات المجتمع المدني إلى أساليب مبتكرة، كبيع المنتجات والهدايا والمواد الإعلامية لاستغلال الإيرادات في التمويل، أو تنظيم الفعاليات والأنشطة والحفلات وتحصيل رسوم المشاركة بها، كما تجتهد المؤسسات في جذب الشركات لرعاية أنشطتها مادياً مقابل قيام المؤسسة بالترويج للشركة الراعية قيامها بمسؤوليتها الاجتماعية. وابتكرت بعض المؤسسات أساليب استثمارية كتأجير مسارحها وقاعاتها لجهات أخرى لإقامة بعض الأنشطة والفعاليات، واستثمار مرافقها لمشاريع تجارية كالمطاعم والمحلات، وتتجه بعض المؤسسات إلى المساهمة في صناديق استثمارية تدر عليها أرباحاً سنوية ثابتة، وبينما تستمر المؤسسات في ابتكار أساليب تمويلها، يظل الدعم الحكومي أكثرها إثارة للجدل.

دعم الدولة للمجتمع المدني

تكمن الحكمة من تقديم الدولة دعماً مادياً لمؤسسات المجتمع المدني في أنها إحدى صور التزام الدولة بتنمية الديمقراطية التي يمثل المجتمع المدني أحد أركانها، لكن لأن مساهمات الدولة تأتي من المال العام وبسلطة تقديرية من الحكومة، فذلك يجعلها مثار جدل وعرضة للتشكيك بسوء الاستغلال، وتبرز بعض السلبيات كثمن تدفعه الديمقراطية مقابل تنميتها.

تثار شبهات سوء استغلال المال العام من قبل الحكومة عبر تطويعه لابتزاز مؤسسات المجتمع المدني أو شراء ولائها، وهذا من شأنه أن يقوض أهم الأدوار التي يقوم بها المجتمع المدني كأحد أوجه الرقابة الشعبية على أداء الحكومة. ومن أبرز الأمثلة ما قامت به حكومة جون هوارد في استراليا خلال العقد الماضي من تقييد لحرية بعض المؤسسات في التعبير عن رأيها مقابل حصولها على الدعم الحكومي. ومن جانب آخر، هناك سلبية سوء استغلال تلك الأموال من قبل المؤسسات تتعلق بأوجه صرفها، كالاختلاسات التي قد يرتكبها الأعضاء أو الموظفون في تلك المؤسسات، أو صرفها على أنشطة وجهات غير قانونية وممنوعة كتمويل الإرهاب أو أحزاب سياسية أو جهات خارجية.

وعلى أقل تقدير، تجنح المؤسسات إلى الكسل والاتكالية حتى يصبح بقاؤها قائماً على تمويل الحكومة، ما يفقدها مصدر قوتها وهو الاستقلالية والاكتفاء الذاتي، الأمر الذي يؤدي إلى عزوف أعضائها وداعميها عن تمويلها، فينتفي فعلياً سبب وجودها، إذ كيف يتسنى لمؤسسة تطمح إلى تحقيق مطالبها الضغط على مراكز القرار وإقناع الشارع إذا لم تكن قادرة على إقناع أعضائها وداعميها بالتبرع لها لضمان استمرارها؟ وتتضخم هذه السلبيات مع غياب الشفافية والرقابة المحاسبية والقوانين واللوائح التي تنظم المجتمع المدني وتقلص سيادة القانون.

أنوع الدعم الحكومي

• الإعانة العامة

• وهي مبلغ ثابت ودوري لإعانة المؤسسة على تغطية التكاليف الأساسية اللازمة للنهوض بنفسها.

• المنحة غير المشروطة

• ليست محددة بمبلغ ولا بزمن، ولا تصاحبها شروط أو التزامات.

• المنحة المشروطة

• تصاحبها شروط بالإضافة إلى التزام المؤسسة بتنفيذ مهمة أو تقديم خدمة محددة (مثل دعم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي للمؤتمرات العلمية التي تقيمها مؤسسات المجتمع المدني).

• عقود الشراء

• توكل الدولة مهمة تقديم خدمات اجتماعية محددة إلى إحدى المؤسسات المتخصصة، بموجب عقد شراء تدفع فيه الدولة مقابلاً مادياً (تقريباً، كما حصل مع حملة ترشيد).

• التعويض

• تقوم الدولة بتعويض المؤسسة عن تكاليف خدمات إنسانية قدمتها، كالرعاية الصحية التي تقدمها المؤسسات الإنسانية في مناطق الحروب والمجاعات والأوبئة.

• توفير المقر

• تقوم الدولة بتوفير مقر للمؤسسة دون مقابل أو بقيمة رمزية.

• استغلال المرافق العامة

• تسخّر الدولة مرافقها العامة كالساحات والمسارح والحدائق وغيرها للاستغلال من قبل المؤسسات لإقامة أنشطتها.

• الإعفاء الضريبي

• تعفى مؤسسات المجتمع المدني من دفع الضريبة، وفي بعض الدول تعفى الشركات من دفع الضريبة على ما تبرعت به من أرباحها لمصلحة مؤسسات المجتمع المدني.

الدعم بالمطابقة (Matching Funds)

في محاولة لخلق تزاوج بين مبدأ مساهمة الدولة في تنمية الديمقراطية وأهمية نهوض مؤسسات المجتمع المدني بنفسها، ابتكرت بعض الدول المتقدمة ديمقراطياً أسلوب الدعم بالمطابقة، وهو أن تقدم الدولة منحة بمبلغ يعادل (أو يطابق) التبرعات التي جمعتها المؤسسة، وبذلك تلتزم الدولة بدورها في تنمية الديمقراطية، وفي الوقت ذاته تتحمل المؤسسة نصف العبء للنهوض بنفسها، الأمر الذي يتطلب الخروج للشارع وملامسة هموم الناس لإقناعهم بالتبرع لها.

ولسد الثغرات القانونية والمالية، تصاحب هذا الأسلوب منظومة قانونية متكاملة تحدد الآليات التي يتم على أساسها تقديم المنح، كتحديد سقف أعلى للمنحة حتى لا ترهق الميزانية المخصصة ولإعطاء المؤسسات الصغيرة فرصة أفضل للنهوض بنفسها، وتحديد سقف أعلى لقيمة التبرعات المؤهلة للمطابقة، ومن ذلك على سبيل المثال مطابقة التبرعات التي تبلغ قيمتها 100 دينار أو أقل بالنسبة للافراد، و5000 دينار أو أقل بالنسبة للشركات، إذ بذلك يتم تشجيع المؤسسات على جذب أكبر عدد ممكن من المتبرعين بمبالغ صغيرة، مما يوسع قاعدة المؤيدين لها، بدلاً من الاعتماد على عدد قليل من المتبرعين بمبالغ كبيرة.

وتشترط بعض الأنظمة صرف التبرعات قبل طلب مطابقتها، للحد من التلاعب عبر قيام متبرع بإيداع مبلغ كبير مؤقتاً في حساب المؤسسة بهدف الحصول على دعم حكومي يعادله، ومن ثم يقوم باسترجاعه. كما لا ينبغي إغفال الضوابط البديهية الأخرى كالشفافية والرقابة المحاسبية وأوجه الصرف القانونية وغيرها. يذكر أن أسلوب الدعم بالمطابقة متبع بشكل أساسي في الولايات المتحدة، لاسيما في تمويل الحملات الانتخابية والاحزاب السياسية باعتبارها مؤسسات مجتمع مدني أيضاً.

آراء ومبادرات

من ضمن الجهود الأخيرة للمؤسسات الكويتية في تطوير القوانين المنظمة للمجتمع المدني، صرح رئيس الجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام أحمد العبيد بأن الجمعية تقدمت بمبادرة إلى المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية بتخصيص 10 في المئة من نسبة الـ1 في المئة المخصصة لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، أو خصم نفس النسبة من الزكاة ومساهمة الشركات في ميزانية الدولة، وذلك لدعم مؤسسات المجتمع المدني، ويضرب العبيد مثالاً توضيحياً بأنه «إذا كانت أرباح الشركة 10 ملايين دينار، فإن ما يتوجه منها إلى المجتمع المدني يعادل 10 آلاف دينار فقط».

ويقول مؤسس بيت عبدالله د. هلال الساير إنه «لا يمكن التعامل مع جميع المؤسسات بالطريقة ذاتها، فبعضها يحتاج دعماً ثابتاً لأنه يقدم خدمة إنسانية كبيت عبدالله الذي يقدم رعاية للأطفال المصابين بالسرطان، إذ يتيح لهم قضاء المرحلة الأخيرة من حياتهم في جو من المرح والسعادة بعيداً عن الألم»، لافتاً إلى أن «تكلفة المشروع بلغت 9 ملايين دينار». ورحب د. الساير بفكرة الدعم المطابق الذي «علاوة على كونه دعماً إضافياً للمؤسسات، فإنه يعزز الرقابة الحكومية على التبرعات التي تجنيها».

رئيس الجمعية الكويتية لحماية البيئة د. مشعل المشعان قال إن «الدعم الحكومي لمؤسسات المجتمع المدني ضئيل جداً مقارنة بما تقدمه الحكومة للأندية الرياضية، الأمر الذي يحد من قدرة المؤسسات على إقامة الأنشطة»، مشيراً إلى أن تصنيف دولة الكويت من قبل الأمم المتحدة كدولة غنية يحجب عن مؤسساتها المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة إلى مؤسسات المجتمع المدني في مختلف الدول، الأمر الذي يجعل بعض المؤسسات في دول فقيرة لديها ميزانية أكبر من نظيراتها في الكويت. واقترح المشعان نظاماً للدعم الحكومي يقوم على استحداث معادلة رياضية تأخذ في الحسبان عدد أعضاء المؤسسة ونوعية أنشطتها وحجمها ومدى تأثيرها وعدد المشاركين فيها، بحيث يتناسب الدعم مع فاعلية المؤسسة. ووصف المشعان فكرة الدعم المطابق بأنها جيدة، إلا أنه أوضح أنها «قابلة للتطبيق في الدول التي تفرض فيها الضرائب على الشركات، فالشركة تتبرع للمجتمع المدني، وتحصل على خصم في الضرائب. أما في الكويت، فليس هنالك ضريبة تدفعها الشركات، وبالتالي لا يوجد ما يحفز الشركات على التبرع».

مستقبل المجتمع المدني في الكويت

أمام مؤسسات المجتمع المدني في الكويت استحقاق مهم قريباً جداً، فبعد الزوبعة التي أثيرت أخيراً بشأن اشتراطات إشهار المؤسسات وضوابط اتصالاتها، التأم مجموعة من المؤسسات وشكلت لجنة في ما بينها لصياغة قانون جديد ينظم المجتمع المدني، وسوف تكون إشكالية التمويل إحدى ركائز هذا القانون، إذ تتفاوت الآراء حول مصادر التمويل وآلياته وسبل صرفه. فيبقى السؤال المهم بعد حوالي نصف قرن من نشأة المجتمع المدني في الكويت: هل سيخطو المجتمع المدني بنفسه باتجاه الديمومة والنهوض بالنفس والانسلاخ من عباءة الرعاية الحكومية، أم ستبقى عقلية القرن الماضي هي المسيطرة على صائغي القانون؟ سترينا الأيام.

قانون الحكومة المقترح يناقض شروط «الشؤون» الجديدة

على الرغم من تصريح إدارة الجمعيات الأهلية بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتاريخ 21 يوليو 2008 عن التوسع بإشهار الجمعيات، بأن الوزارة «اشترطت أن فتح الباب يعني منع تقديم أي شكل من أشكال الدعم المادي تطلعاً من الوزارة إلى أن تنهض هذه المؤسسات بدورها من تلقاء نفسها،» إلا أن قانون جمعيات النفع العام الجديد الذي تعتزم الحكومة تقديمه وثار حوله لغط أخيراً نص في مادته الـ«19» أنه: «يخصص في ميزانية الوزارة اعتماد مالي لاعانة الجمعيات ويصدر الوزير قراراً بالقواعد والاسس التي تصرف بها هذه الاعانات، كما يخصص فيها اعتماد مالي لاعانة المشروعات الاجتماعية التي تتبناها الجمعيات بعد دراستها والتأكد من جدواها».

التمويل الحكومي  في القانون

قانون جمعيات النفع العام (24/1962)

مادة 24: يخصص في ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل اعتماد لإعانة الأندية وجمعيات النفع العام، ولوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل صرف الإعانة المقررة دفعة واحدة أو على دفعات بعد تقديم مشروع الميزانية للعام التالي معتمداً من الجمعية العمومية.

مادة 25: يجوز لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن تساهم في تمويل الجمعيات والأندية بالشروط التي تضعها اللجنة المختصة بالوزارة على أن يكون من بين أسس منح الإعانات الحكومية:

- قيام الجمعية أو النادي بمزاولة نشاط يسد فراغاً في وجوه الرعاية الاجتماعية أو الثقافية للنهوض بالمجتمع.

- نشاط الجمعية في تحقيق أهدافها وزيادة عدد الأعضاء فيها وتسديدهم لاشتراكهم.

- إذا أقدمت على تنفيذ مشروع اجتماعي مبتكر يخدم الأهداف الاجتماعية في الكويت.

- خدمة المجتمع المحلي من النواحي الاجتماعية أو الثقافية أو الرياضية أو الدينية.

- التقارير الدورية التي تعدها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عن نشاط النادي أو الجمعية.

مادة 26: لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل زيادة أو وقف الإعانة طبقاً لظروف الجمعية أو النادي ولاعتمادات الميزانية السنوية للوزارة.

12 ألف دينار حكومية للجمعيات القديمة فقط

تحدد وزارة الشؤون حالياً الدعم الحكومي بمبلغ 12 ألف دينار تمنحه سنوياً لجمعيات النفع العام القديمة، أما الحديثة التأسيس فإنها في الغالب لا تحصل على الدعم.

تعليقات

نظام المطابقة دعم إضافي للمجتمع المدني... كما يعزز الرقابة الحكومية على التبرعات

د. هلال الساير

ليس في الكويت ما يحفز الشركات على التبرع لمؤسسات المجتمع المدني

د. مشعل المشعان

اقترحنا تخصيص نسبة من تحصيل «التقدم العلمي» أو «الزكاة» لدعم المجتمع المدني

أحمد العبيد

back to top