حكومتنا بين الحزم والتعسف

نشر في 19-04-2009
آخر تحديث 19-04-2009 | 00:01
 سعود راشد العنزي بين التعسف والحزم خيط رفيع جداً، لكن الفرق واضح جلي بينهما... فالحزم ليس انتقائياً بل يطبق على الجميع من دون تمييز وهو يتولى صغائر الأمور وكبائرها طالما خالفت القانون، كما أنه يأتي نتيجة طبيعية لاستقرار النظام ودولة القانون وسيادته، لا ردة فعل لطارئ أو وسيلة لتوجيه رسائل سياسية أو أمنية.

والحزم جزء لا يتجزأ من هيبة القانون والدولة، وهو وليد طبيعي لحكومات تمتلك الرؤية والبرنامج، ولديها خطة ومواقف ثابته منسجمة مع الدستور والنظام، وهو سلوك طبيعي يمارسه الموظف الصغير قبل الوزير، ويقبله الناس من دون تبرم أو امتعاض أو جزع.

أما التعسف فهو على النقيض من الحزم، إذ يأتي متقطعاً وانتقائياً، فيطبق حيناً ويهمل عن سابق عمد وترصد أحياناً كثيرة، كما أنه يأتي مبالغة في محاسبة مخطئ «بظهولة» أكبر مما يستحق الأمر، كمن يستخدم مدفعاً لقتل عصفور، والمتعسف قد ينفض الغبار عن قانون منسي، وينتقي وقتاً لتطبيقه بعد أن تندَّر المخالفون في انتهاكه على مرأى ومسمع ومراقبة «متعسف» اليوم.

وقد يقول قائل إن التعسف قد يشكل سلوكاً مستمراً، وهذا صحيح في الدول القمعية، أما في الكويت فالأمر مختلف، فحكومتنا تظهر اللين والقسوة في غير مكانهما، فتطبق «حزمها» المفاجئ بشكل متعسف مع فرعيات 2008 وبعد أقل من عام تصد عنها كما تصد معظم قطط هذه الأيام عن الفئران، بل تراقبها وكأنها تشاهد فيلماً تم تصويره على سطح القمر، وهي الحكومة ذاتها التي «طولت بالها» كثيراً على «صراخ» المرشحين للمجلس المنحل، واكتشفت مدى مخالفتهم للقانون هذه المرة.

أفهم جيداً الأرضية التي بنيت عليها الاتهامات الموجهة إلى من اعتقل أخيراً من المرشحين وغيرهم، لكني لا أستطيع فهم مظاهر الاعتقال وأسلوبه مع البعض منهم، فأنا على يقين أن أياً من هؤلاء المتهمين لم يكن بحاجة إلى أكثر من اتصال هاتفي يطلب منه الحضور إلى النيابة العامة أو أمن الدولة أو أي جهة لديها سلطة التحقيق أو الحجز.

فهل يا ترى سيتحول تعسف الحكومة هذا إلى نهج؟ أخشى ذلك! فتصريحات الوزراء التي أريد منها تبيان مدى حزم الحكومة تشير إلى فقدان الخيط الرفيع بين الحزم والتعسف.

فهذا وزير الإعلام يهدد بالويل والثبور ويعلن مراقبة وزارته لجميع وسائل الإعلام بحثاً عن مخالفين للقانون، وهذا وزير الداخلية يكثر استخدام حرف السين أو «سوف» ملحقاً إياها بالتهديد أيضاً باستخدام «الفرق الجاهزة» لمن تسول له نفسه مخالفة القانون (الفكرة كانت أن هذه الفرق شكلت للتعامل مع الفرعيات، لكن يبدو أنها، أي الفرق، لم تعلم حتى الآن بإقامتها جهاراً نهارا، أو ربما لم تصلها «الأوامر»)، وهذا وزير الخارجية يكتشف أهمية مقارعة الحجة بالحجة بعد قبول استقالة الحكومة ويؤجلها إلى ما بعد الانتخابات، أما وزير المالية ومحافظ البنك المركزي فقد قررا أن يريا «العين الحمرا» للشركات المخالفة قبل اتخاذ قرار دعمها، ولا أعلم ما إن كانا قد قررا محاسبة مجالس إدارات تلك الشركات التي ضيعت أموال الناس التي وثقا بها، بينما يتحدث الكثيرون عن قيام بعض أعضاء تلك المجالس ببيع أسهمهم قبل الانهيار الكبير تاركين الناس لمصيرهم المجهول.

للإجابة عن سؤالي: أظن أن كل ما يجري ليس سوى «هبة» كويتية سرعان ما تنجلي وتعود المياه الى مجاريها المعتادة، حيث اتخاذ القرارات ثم التراجع عنها تحت الضغط النيابي، فأما الحزم فسيبقى حلماً بينما التعسف فهو سلاح مؤقت!

back to top