ديوانيات الاثنين: الحدث ليس بعيداً ولا يمكن نسيانه (6)

ديوانية العنجري تشهد أول اعتراض من السلطة على التحرك الشعبي
المواطنون والنواب يعبرون عن احتجاجهم بأداء صلاة عشاء في مسجد فاطمة حضرها الآلاف

نشر في 11-02-2009
آخر تحديث 11-02-2009 | 00:00

منذ تسعة عشر عاماً وتحديداً في الرابع من ديسمبر 1989، حين كانت الكويت تعيش زمنا مأزوماً بلا دستور، بدأت «الحركة الدستورية»، وهي تحالف شعبي موسع قاده 30 نائباً في مجلس الأمة الذي حُلَّ عام 1986، وفعاليات مبدعة من مختلف قطاعات الشعب الكويتي، المطالبةَ بإعادة العمل بالدستور الذي تم الانقلاب عليه وتعليق بعض مواده وفرض الرقابة المسبقة على الصحافة وقمع حرية التعبير في الثالث من يوليو 1986.

وبما أننا نعيش هذه الأيام في أجواء تأزيمية وحالة احتقان سياسي ملحوظ، وتتردد أقاويل هنا وهناك عن أن النية قد تتجه إلى انقلاب ثالث على الدستور، فإنه من الضرورة بمكان التذكير بما جرى في البلاد آنذاك عسى أن تنفع الذكرى.

على مدى هذه الحلقات تروي «الجريدة» قصة التحرك الشعبي بين عامي 1986 و1990.

خلال الأسبوع الماضي كانت أحاديث الدواوين تتمحور حول لقاء ديوانية القطامي والحضور الكبير والكلام الذي قيل، فكان من لم يحضر الشامية عازماً هذه المرة لحضور ديوانية العنجري في النزهة حيث اللقاء الثاني يوم الأثنين 11 ديسمبر 1989.

في غضون ذلك، بدا في اجتماعات النواب بعد لقاء القطامي الحديث عن الحاجة إلى ضرورة تشكيل جسم آخر ضمن الحركة الدستورية يتولى مهمة نقل الخطاب الإعلامي بصورة أكثر كفاءة وأكثر فاعلية لتصل رسالة النواب لأكبر عدد ممكن من المواطنين في ظل التعتيم الإعلامي الذي فرضته السلطة برقابتها المسبقة على الصحف. ووسط هذه الأحاديث، استقر النواب على تشكيل اللجنة الإعلامية للحركة الدستورية والتي ترأسها الدكتور غانم النجار وضمت في عضويتها الشهيد الأسير النائب فيصل الصانع والمرحوم النائب سامي المنيس وجاسم السعدون ومحمد القديري ونصار الخالدي. وقد استطاعت اللجنة الإعلامية التي كانت تعقد اجتماعاتها بمنزل النائب فيصل الصانع بمنطقة كيفان أن تسهم في كسر الحصار الإعلامي الذي فرضته السلطة بطريقة محكمة، وذلك على الرغم من محاولات التضييق والملاحقة التي كان عانى منها أعضاء اللجنة فيما بعد، إلا أن اللجنة تمكنت من خلال عملها من التواصل مع مراسلي وسائل الإعلام العاملية واللجان الدولية كما تمكنت من إنتاج شريطين فيديو حول الحركة الدستورية سميا بـ «حد 1» و «حد 2» تم من خلالهما شرح أهداف ومنطلقات الحركة الدستورية. وقد كانت فكرة أشرطة الفيديو بالإضافة إلى الكاسيت أسلوباً فعالاً في كسر الحصار الإعلامي المفروض من قبل السلطة، إذ تم تداول هذه الأشرطة على نطاق واسع بين المواطنين.

ليلة النزهة

في النزهة كان موعد لقاء الليلة بديوانية مشاري العنجري، فوجيء العنجري في صباح ذلك اليوم باتصال من مختار منطقة النزهة ابراهيم القطان طالباً مقابلته في ديوانه. فأتى القطان لديوان العنجري الذي علم من خلال ذلك اللقاء بأن الحكومة قد ضاقت بتجمع الأسبوع الماضي، إذ طلب منه المختار إلغاء تجمع الليلة بناء على أوامر وزارة الداخلية و ما أسماه بـ «تعليمات عليا»، وقال له «أوامري هي بمنع اللقاء واذا لم يتم منعه فسيتحمل والدك المريض كامل المسؤولية لان التجمع سيكون في بيته». وتلقى العنجري رسالة المختار ونقلها للنواب في لقاء جمعهم ذلك المساء بديوانية حمود الرومي بالفيحاء بعد صلاة المغرب. فقدر النواب المسؤولية الملقاة على عاتقهم وقرروا تقدير الموقف مع حلول الموعد، وتوجهوا جميعاً ليقفوا في الساحة المقابلة لديوانية العنجري.

فوجئ النواب لحظة وصولهم بحضور كثيف لدوريات الشرطة التي لم تكن متواجدة في لقاء القطامي الأسبوع الماضي. ومع ترجل النواب من سياراتهم اكتشفوا أن الأمر قد تعدى الدوريات فكان هناك تواجد كثيف لرجال الأمن في أماكن ظاهرة وبعيدة عن الأنظار بالإضافة إلى تواجد للقوات الخاصة مع كلاب بوليسية، كما لوحظ تطويق الديوانية والساحة المقابلة لها والمنطقة المحيطة. إلا أن أكثر ما أثار دهشة الجموع كان اللافتة التي وضعت على باب الديوانية، وكتب عليها بخط اليد «الديوانية مغلقة بناء على أمر وزارة الداخلية هذا اليوم».

بدا في تلك الليلة أن النواب لم يكونوا الوحيدين الذين أتوا باكراً، بل أن بعض من المواطنين قد حضر مع أذان العشاء ليفاجؤوا بالمنظر ذاته من منع للجمهور من دخول الديوانية، وهو أمر غير مسبوق أن تمنع السلطات الأمنية مواطنين من دخول ديوانية.

ومع نهاية الأذان، اصطف بعض النواب والحضور أمام باب الديوانية المغلقة لأداء صلاة العشاء وسط هدوء عم المتواجدين، فيما لوحظت أعداد غفيرة من المواطنين تنزح نحو الديوانية بعد أن أوقفوا سياراتهم في أماكن بعيدة. وبعد نهاية الصلاة، اعتلى رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون سلم الديوانية محاطاً ببعض النواب، وتحدث للحضور بواسطة مكبر يدوي للصوت، فشكر للمواطنين تلبيتهم للدعوة واستنكر إغلاق السلطة للديوانية رغم أن التجمع سلمي. وتقدم بعض رجال الأمن ناحية السعدون محاولين إيقاف حديثه وأمر المتجمهرين بالتفرق خلال دقائق، إلا أن السعدون واصل كلمته حتى نهايتها، معلناً أن تجمع الأسبوع القادم سيكون لأداء صلاة العشاء بمسجد فاطمة في ضاحية عبدالله السالم. وبعد إنهاء السعدون لكلمته، انفض الجمع الذي قدر بنحو 2000 شخص بهدوء.

استنكار واعتذار

قوبل تعامل السلطة مع تجمع العنجري باستنكار واضح، خصوصاً بعد تناقل أخبار ما جرى بين المواطنين في أحاديثهم اليومية، فأرسل النواب ومجموعة الـ 45 وبعض جمعيات النفع العام برقيات استنكار إلى ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله. الأمر الذي أشعر السلطة بأنها أخطأت بفعلتها تلك.

وفي صباح يوم السبت التالي، 18 ديسمبر 1989، استدعى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد كل من النواب مشاري العنجري وصالح الفضالة وحمود الرومي وأحمد باقر ومبارك الدويلة إلى مكتبه في وزارة الخارجية قبالة الخليج العربي، وكان ذلك أول لقاء بين ممثل للحكومة ونواب مجلس 1985. وفي اللقاء أعرب وزير الخارجية عن أسفه لما جرى و مقدماً الاعتذار باسم الحكومة للنائب مشاري العنجري قائلاً أن ما تم من منع قد جرى بشكل خاطيء فالديوانية في الكويت لها قدسيتها، وأبلغهم أن الحكومة على علم بتجمع الأثنين القادم في ضاحية عبدالله السالم ولن تمنع هذا التجمع.

الاحتجاج الصامت

وبعد يومين من لقاء الشيخ صباح بالنواب، جاء يوم الاثنين 18 ديسمبر الموعود للقاء مسجد فاطمة بضاحية عبدالله السالم. فاكتظت مداخل الضاحية بالسيارات الآتية من جميع مناطق الكويت لأداء صلاة العشاء في ذلك اليوم، الذي تقرر أن يكون لقاءً شعبياً من دون إلقاء خطب، يهدف إلى الاحتجاج صمتاً على أحداث الاثنين الماضي بديوانية العنجري، ليستمر بذلك أسلوب المعارضة العاقلة والهادئة التي تحدث عنها جاسم القطامي في ديوانية الاثنين الأولى.

توافد إلى المسجد قرابة 3500 شخص، وسط حضور نسائي ملحوظ عند مصلى النساء، فأدى الجميع الصلاة، وساد الهدوء المنطقة المحيطة بالمسجد، التي اكتظت بالناس الذين لم يسعهم مسجد فاطمة ذو البناء الدائري. وبعد الصلاة، خرجت الجموع من المسجد، والتف الناس في حلقات حول بعض النواب مدة قاربت الساعة، سرت خلالها أنباء بأن لقاء الأسبوع القادم سيكون في ديوانية النائب محمد المرشد بالخالدية بعد صلاة العشاء. ثم تفرق الحضور بهدوء، وعادت ضاحية عبدالله السالم إلى طبيعتها.

ديوانيات الاثنين: الحدث ليس بعيداً ولا يمكن نسيانه (6)

النواب في رسالة استنكار لولي العهد: كدتم تفجرون الموقف لولا عناية الله وحكمة المواطنين

سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الموقر حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

انطلاقاً من إيماننا بضرورة وحدة الجبهة الداخلية في مجتمعنا وخاصة في الظروف الراهنة، ومن رغبتنا نحن الموقعين أدناه في تطوير مجتمعنا الكويتي بشكل ديموقراطي، وانطلاقاً من إيماننا بروح الأسرة الواحدة ومن التقاليد الكويتية الراسخة التي تعتمد على الحوار، فإننا نأسف للقرار الصادر من الحكومة بإغلاق إحدى الديوانيات الكويتية اعتادت اللقاء بزوارها، وذلك في إجراء لم يسبق له مثيل يتنافى مع ما للديوانية من معنى في قلوب الكويتيين وعاداتهم، ومما يؤسف له أكثر أن وزارة الداخلية حشدت قواتها في مواجهة المواطنين واستعدت عليهم القوات الخاصة، جلبت الكلاب المدربة وغيرها، وكادت مثل هذه التصرفات أن تفجر الموقف لولا عناية الله ثم حكمة المواطنين، ومن الغريب أن تتخذ مثل هذه الإجراءات في مواجهة مواطنين مسالمين لا هدف لهم إلا إعلاء شأن البلاد ووحدة مجتمعها والحفاظ على دستورها.

وحفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه في ظل حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى.

أحمد عبدالعزيز السعدون - صالح يوسف الفضالة - سعد فلاح طامي - مشاري جاسم العنجري - فيصل عبدالحميد الصانع - عبدالله يوسف الرومي - خميس طلق عقاب - د. يعقوب محمد حياتي - سامي أحمد المنيس - د. عبدالله فهد النفيسي - دعيج خليفة الجري - د. أحمد عبدالله الربعي - خالد العجران - جاسم عبدالعزيز القطامي - حمود حمد الرومي - د. ناصر عبدالعزيز صرخوه - ناصر فهد البناي - مبارك فهد الدويلة - محمد سليمان المرشد - أحمد يعقوب باقر - عباس مناور - حمد الجوعان - راشد سيف الحجيلان - أحمد نصار الشريعان - د. أحمد الخطيب - هاضل سالم الجلاوي - عبدالعزيز عبداللطيف المطوع.

ضوء: النائب الموثق

من حضر ديوانية النائب محمد المرشد، التجمع الشعبي الرابع في ديوانيات الاثنين، لا يمكنه أن ينسى النائب السابق العم محمد الرشيد الذي يعد أحد رموز الحركة الوطنية وأحد رواد «الحركة الدستورية». ففي تلك الديوانية، وبينما توقف رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون عن حديثه ليراجع أفكاره من كتيب صغير وضعه أمامه، وقف العم محمد الرشيد من مكانه ممسكاً بكاميرته الفوتوغرافية ليلتقط صوراً للجمهور الجالس أمامه، ثم التفت إلى السعدون الجالس بجانبه ليلتقط صورة له وسط ابتسام السعدون، ليلتفت بعد ذلك إلى يساره حيث يجلس النواب مبارك الدويلة وجاسم القطامي والدكتور عبدالله النفيسي والأسير الشهيد فيصل الصانع ليلتقط لهم صورة أخرى وهم مبتسمون فيرد عليهم بالابتسام كعادته.

العم محمد الرشيد الذي تعرض للمضايقات والاعتداء من قبل السلطة في ديوانيات الاثنين، وخصوصاً في أحداث الجهراء التي سنأتي إليها لاحقاً، له أرشيف هائل من الصور والوثائق من تلك الحقبة، ونشكر نجله الدكتور أنس الرشيد على تزويده «الجريدة» ببعض المواد القيمة من أرشيف والده الغني.

من أشعار ديوانيات الاثنين

كأس الألم نشربه لاجل الوطن حالي

واللي عشق ديرته حاله مثل حالي

موبس فخرنا مضى، لا فخرنا حالي

خاب الذي ظننا من قوم مكاري

نفدي الأمل بالعمر دوم الفدى كاري

أرضى يضيع العمر بس تبقى أفكاري

دين الوطن مو أجل انسدده حالي

(يتبع)

شاهد ملفات فيديو توثيق حلقات ديوانيات الاثنين على يوتيوب

النواب أنشأوا اللجنة الإعلامية بعد بروز الحاجة إلى تواصل إعلامي أفضل فكانت أشرطة الفيديو والكاسيت التي أنتجتها اللجنة فعالة في كسر الحصار الإعلامي

مختار النزهة ابلغ العنجري ضرورةَ إلغاء الديوانية بناء على تعليمات عليا وإلا فسيتحمل والده المريض كامل المسؤولية

الحضور فوجئوا بوجود أمني كثيف من الشرطة والقوات الخاصة ومعها كلاب بوليسية وبتطويق الديوانية وإغلاق بابها

الشيخ صباح الأحمد يستدعي خمسة نواب إلى مكتبه ويعتذر باسم الحكومة من العنجري على خطأ إغلاق الديوانية
back to top