اللغة العربية... خارج التداول الإنكليزية صارت اللهجة الرسمية في المرافق العامة

نشر في 04-02-2009 | 00:00
آخر تحديث 04-02-2009 | 00:00
تشهد شوارعنا العربية سيلاً من الكلمات الإنكليزية التي طغت على معظم الأحاديث الشخصية والرسمية، إضافة إلى بعض المرافق كالمحلات والمطاعم والمقاهي التي جعلت اللغة الإنكليزية اللغة الأولى، وتسبب هذا الأمر في تعرض العديد من المواطنين والمقيمين ممن يذهبون إلى تلك الأماكن للإحراج والضيق، وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن الحديث بالإنكليزية من أهم عوامل «الكشخة»، يعتز الكثيرون باللغة العربية ولا يرضون بغيرها بديلاً، بالرغم من إتقانهم للعديد من اللغات.

سيل من الكلمات الانكليزية تستخدم في الاحاديث التلفونية وفي اللقاءات العادية والسياسية والاجتماعية، وعند الذهاب الى المطاعم واثناء الجلوس على المقاهي، اضافة الى العديد من الشركات التي اعتمدت اللغة الانكليزية لغة الحديث والمخاطبة، رغم أن العاملين فيها من الجنسيات العربية، وطبيعة عمل الشركة لا يتطلب تحدث الانكليزية في الأساس، ويتساءل العديد من المواطنين والمقيمين خلال ترددهم على مثل هذه الأماكن «وين قاعدين»؟ بعدما يقابلهم موظف الاستقبال بـ«welcome» و«can i help you»، ولا يتم قبول العديد من الشباب في مثل هذه الوظائف التي تناسب مؤهلاتهم بحجة عدم تحدثهم الانكليزية، حتى أن بعض الشركات والمحلات التجارية صارت تتسارع الى تطبيق اللغة الانكليزية كلغة العمل، إذ يرون أنها واجهة جيدة للشركة من شأنها كسب ثقة الجمهور.

المطاعم والمقاهي

وفي الآونة الأخيرة كثر تداول المصطلحات الاجنبية بين المواطنين والمقيمين، ورغم اننا نعيش في بلد عربي، لكن هناك العديد من المحلات والمقاهي التي أجبرت زبائنها على تحدث الانكليزية بتوظيفهم عمالة أحادية اللغة، فلغتهم الأولى هي الانكليزية، ولايعنيهم الزبائن ممن يتحدثون اللغة العربية، ولايبالون من الإحراج الذي قد يسببه هذا الأمر لهم، لاسيما اذا كان الفرد مع اسرته، ولم يستطع التحدث مع العامل باللغة الانكليزية، وتمسكت هذه المحلات بتعليمات الشركات الأم في الخارج، وضربت بلغة بلدنا عرض الحائط، وصار المقيم على ارض الكويت مضطرا الى تعلم اللغة الانكليزية لأنها اللغة المستخدمة في أماكن يُحب الذهاب اليها.

لغة الخادمات

«ستاربكس، كنتاكي، ماكدونالدز، بيتزا، برجر كنج، هارديز، باتت اسماء هذه المحلات تعبر هذه الظاهرة، إذ تشكل خطورة كبيرة على اللغة، فزبائن مثل هذه المطاعم والمقاهي يحتاجون الآن إلى مترجم خاص يرافقهم للتحدث نيابة عنهم، ويضطر الآن المواطن الكويتي الى تعلم العديد من اللغات، بداية من لغة التحدث مع الخادمات، مرورا بالتحدث مع المقيمين الأجانب، وصولا الى التحدث مع عمال المطاعم والمقاهي.

صار المواطن يتعرض لمصطلحات أجنبية يوميا، وتسميات المأكولات لم تعد عربية، فالمشوي أصبح يُكتب ويُعلَن عنه باسم جريل، والدجاج المشوي أصبح يُسمى بمصطلح يُكتَب بحروف عربية «تشكن تكا»، وهناك أسماء أخرى رسخت في عقولنا على أنها اسماء عربية مع انها في الحقيقة اجنبية مثل «بنك، بوفيه، بيبسي، صب ميل، كريم كراميل، بيتزا، جالكسي، فيتا، بروستد، لتر، كوفي شوب، ايس كريم، كيلو، جيلي، كافيه… وسواها، ونحتاج الى قاموس يترجم لنا معاني هذه الكلمات.

دور الدولة

وبعد أن كانت اللغة العربية في فترة من الفترات هي اللغة المتداولة والمرغوبة في التعلم، وأقبل على إتقانها العلماء والمفكرون والأدباء، وترجمت العديد من الكتب العربية من طب وفلك وفلسفة ورياضة الى اللغة اللاتينية لتدرس في جامعات اوروبا، الا أنها تراجعت بسبب تخلي ابنائها عنها، وسعى اعداؤها إلى القضاء عليها ما استطاعوا، وأصبحت الدولة شريكة في المشكلة. ولم تستطع الدولة مواجهتها.

الأستاذ الأكاديمي الدكتور مانع المانع، الذي كان جالسا في مقهى «ستار بكس» رأى أن الاعتماد على العمالة الأجنبية دون العربية يرجع الى عدم وجود عمالة عربية ذات كفاءة عالية قادرة على القيام بهذه الوظائف، ورأى أن الكويتيين لا توجد لديهم أي مشكلة في التحدث باللغة الانكليزية، ولايتسبب هذا الأمر في إحراجهم.

وأشار الى أن اللغة العربية مشروع كبير مسؤول عنه الحكام العرب، والحفاظ عليها، يكون من خلال مجمع اللغة العربية «الميت» الموجود في مصر، بعد أن كان من أروع الوسائل التي حافظت على اللغة العربية في فترة الخمسينيات والستينيات، وهذا المجمع كان يثري اللغة العربية ويفسرها.

ضريبة العولمة

واعتبر أستاذ الحضارة العربية والإسلامية بجامعة الخليج الدكتور صلاح الدين ارقه دان أن ظاهرة تحدث الانكليزية على الاراضي العربية هي «ضريبة العولمة» فالعولمة تبحث عن المعايير، ولكل شركاتها معايير محددة يجب تنفيذها، ففي مثل هذه المطاعم والمقاهي نجد معايير محددة في الشكل ونوع التعامل وكذلك العمالة المتوافرة ولغة التحدث.

وأشار الدكتور ارقه دان الى أن العولمة بمعناها الثقافي والاقتصادي يحتمان على هذه الشركات التعامل مع جنسيات معينة، وطالب المواطنين والمقيمين بجعل اللغة العربية لغة الحوار وإجبار العمال على تحدثها، حتى لو وجدوا صعوبة في التعامل معهم، مشيرا الى انه خلال سفره الى اوروبا يصر على التحدث باللغة العربية في المطاعم، الأمر الذي يزعج زملاءه، لأنهم يعلمون انه يتحدث الانكليزية، وازدادت تلك الظاهرة لأننا نشجعها، فعلى سبيل المثال بدلا من ان يقول الأب بابا او ابي بات يقول «دادي».

وقال إن هناك فرقا حضاريا واقتصاديا وثقافيا بين العالم الناطق باللغة الانكليزية متمثلا في الولايات المتحدة الاميركية، والعالم الناطق باللغة العربية، كما ان الانسان المهزوم نفسيا يحاول دائما الالتحاق بالعالم المتقدم، وإذا رجعنا الى القرن الخامس عشر فسنجد ان العالم العربي هو المتقدم آنذاك، لذلك وُجِدت ازمة في حضارة الفاتيكان، فكما نجد الآن اشخاصا في بلادنا العربية يحاربون ظاهرة التكلم باللغة الانكليزية، فانه في القرن 15 كان هناك افراد يحاربون ظاهرة التحدث باللغة العربية في العالم الغربي.

حركة التعريب

حركة التعريب أخذت تنشط في دول المغرب العربي تخلصاً من آثار اللغة الفرنسية المتغلغلة في مفاصلها الحيوية لتحلّ مكانها اللغة العربية، لكن اللغة العربية في واقع الحال لم تلقَ من دولها الدعم الذي يرتقي بها إلى مواجهة التحديات، لذلك لم تحقق أهدافها.

المجمع العلمي

في القرن الماضي، من أجل الحفاظ على اللغة العربية تم انشاء «المجمع العلمي العربي» بدمشق عام 1919، ثم أُنشئ «المجمع الملكي» في القاهرة عام 1932، ثم اتحد المجمعان في مجمع واحد أيام وحدة مصر مع سورية باسم «مجمع اللغة العربية»، ثم توالى قيام مجامع لغوية أخرى في عدد من البلاد العربية، فحقّقت لغتنا العربية نجاحات كبيرة، إذ أصبحت لغة رسمية في هيئة الأمم المتحدة، وفي المنظمات الدولية، وبدأت تنتشر في الدول الإسلامية، وفي دول آسيا وإفريقية، واستطاعت مجامعنا اللغوية والعلمية أن تبرهن على مرونة هذه اللغة ورشاقتها وحيويتها، وقدرتها على التطور، وتلبية حاجات العصر وأنجزت عدداً من المعاجم العلمية واللغوية بينها معجم القرآن الكريم.

back to top