الزَّوْل زُوْله... والحَلَايا حَلَايَاه...

نشر في 09-05-2008
آخر تحديث 09-05-2008 | 00:00
 عبدالله بن خميس كان بنو لام يسكنون قلب نجد، ومركز ثقلهم بالعارض، وكانت لهم صولة وجولة وسلطان... لا ينازعون السلطة، ولا يزاحمون القوة، وكان رئيسهم يدعى وديد بن عروج... شجاعا، فارسا، وزعيما لا يزاحم في الزعامة، له ناقة ذلول لا تجارى في اصالتها، وجدها واحتمالها، وكانت دائما لا تحمل الشحم من كثرة ما يجهدها في مغازيه... فهي ابداً طليح، وصاحبها ما آب من سفر الا وأزعجه الى سفر بالبين يزمعه، ومات ولما يقض من ادراك دنياه وطرا... فارتاحت الذلول، وسمنت، وحملت الشحم... فأصبحت جمالية يشك في انها تلك الناحلة المقوسة... فخلفه اخوه على زوجته وذلوله...

وفي ليلة جعلت الذلول تعبث بالابل، وتريغ هذه وتعض الاخرى، وهكذا... فأرسل الاخ الزوجة لتعقل الذلول... فلما جاءتها أنكرتها المرأة مما بنى عليها من الشحم، وتلبد عليها من الوبر، فظنتها جملا... فعادت اليه وقالت: ليس هذه بالذلول، انه جمل... فقال: بلى انها هي، فعودي فاعقليها... فلما عادت وجدتها هي، فبكت واسبلت الدموع على الذي كان يطويها بكثرة اسفاره ويقوسها بكثرة غاراته واقباله وادباره.

والعربيات يفخرن بأزواج الشجاعة، ويرفعن رؤوسهن بذوي الزعامة والرياسة والخطر... وبعد ان فرغت من البكاء افرغت ما في نفسها بهذه القصيدة:

يا عارفين وديد ياوجد روحاه

يا ليت ما رزوا عليه النثايل

لاوي ابن عمي(2) كل ما جيت أبانساه

الى تذكّرني مع الذود حايل

لاوي ابن عمي كل عذراتمناه

عليه ترفات الصبايا غلايل

لاوي ابن عمي تطرب الهجن لغناه

يا مازعج فوقه بحامي القوايل

لاوي ابن عمي تنثر السمن يمناه

على صحون كنهن النثايل(3)

اخذت اخوه ابغي عوض ذاك من ذاه

البيت واحد من رفاع الحمايل(4)

الزول زوله والحلايا حلاياه

والفعل ما هو فعل وافي الخصايل

وأردفت بقصيدة اخرى، قالت فيها:

يا فاطري يا ماجري لك من العنى

مع دربك العيرات نشت لحومها

غدا عنك نواس العدى مرذي النضا

يجرها مع مانبا من حزومها

غدا عنك وارّث في مكانه زلابة

يروعه بالظلما تليلي نجومها

ياما حويتي جل ذود من العدى

اضحى عليه الغزو يفرق سهومها

وياما يثور عند وجهك من الدخن

معارك تدنى للارواح يومها

عليك مقدم لابةٍ شاع ذكره

حامي تواليها مقدي يمومها

ولما سمع الاخ (زوجها الاخير) منها من ذم اضمر لها سوءا، ولكنها اوقدت في نفسه الغيرة، وألهبت في قلبه الشجاعة، وكانت قصائدها هذه مهمازا له لم يطق بعده البقاء، فتجهز للغزو مع قومه، وظل يكسب ويبعث بكسبه، ولم يعد شهورا حتى أرهق نفسه، وأرهق من معه، واخيرا عاد، ولما أقبل على الحي تدهورت الذلول من الاعياء، وقعدت... فأقبل ماشيا، وقال للمرأة: اذهبي درّجيها حتى تصل فأنكرتها حتى عادت صغيرة منكمشة هزلى، فطاب للمرأة ما رأت وما وصل اليها من الغنائم فغنت:

ثوّرَ من العارض ركيب يهيفي

يتلون ابن عروج مقدم بني لام

ياما انقطع في ساقته من عسيفي

ومن فاطرٍ تاخذ على الجيش قدام

عقب الشحم وملافخه للرديفي

قامت تظولع مثل مرهوص الاقدام

حرٍ شهر من ما كره(5) له رفيفي

طلعه بعيد من ورى نقرة الشام

زهابهم(6) حب القرايا نظيفي

وسلاحهم دهم الفرنجي والاروام

(1) الزول: الشخص، والحلايا: الصفات يعني كأنه في شخصه وصفاته أخوه.

(2) لاوى ابن عمي: كلمة تحسر وشكوى.

(3) النثايل: جمع نثيل: وهي حفير البئر وتربته.

(4) الحمايل: جمع حمولة: وهي الأسرة.

(5) ماكره: وكنه وموضع عشه.

(6) زهابهم: طعامهم في السفر.

back to top