مصطلح التوافق

نشر في 19-06-2008
آخر تحديث 19-06-2008 | 00:00
 د. عبدالمالك خلف التميمي

أصبح لدينا رئيس جمهورية توافقي، وطرح موضوع رئيس مجلس أمة توافقي، وحل «فتحاوي- حماسي» توافقي، ومشاريع توافقية لدول مجلس التعاون، ونأمل أن يعمم استخدام هذه المصطلح في الدول العربية التى تشهد صراعاً واستنزافاً لطاقاتها في هذه المرحلة من تاريخها حتى يتوقف العنف والتطرف.

راج في الآونة الأخيرة في عدد من الدول العربية مصطلح التوافق في لبنان والعراق وفلسطين ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فما هو؟ ولماذا؟

يتداول الناس أو أصحاب القرار في فترات زمنية معينة مصطلحات سواء كانت مطروحة في الماضي أو أنها منحوتة جديدة في الحاضر لتوظيفها اجتماعيا أو سياسياً أو اقتصادياً، وهي ليست خاصة ببلد أو مجتمع، لكن ظرفاً ما يتطلب استخدام مصطلح ما في مرحلة من المراحل لتحقيق أغراض أو أهداف للقوى أو الأشخاص الذين يقومون باستخدامه وترويجه.

والمغزى في طرح مصطلح معين هو في المفهوم لذلك المصطلح وطبيعة الظروف التي وظف فيها. ومن ضمن هذه المصطلحات في وقتنا الحاضر مصطلح التوافق والتوفيقية بمعنى الوسطية، وهي ليست مخترع اليوم، إنما استخدم هذا المصطلح فكريا وبشكل مكثف في العالم العربي في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، عندما كان الصراع الفكري بين الفكر الإسلامي المستنير والفكر الغربي أيام الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم، وكانت المسألة المطروحة كيفية المواءمة بين الإسلام وإيجابيات الحضارة الغربية، أي كيفية الاستفادة من الغرب مع الحفاظ على الأصالة والقيم والثوابت في الإسلام.

أما طرح مصطلح التوافق اليوم فهو يختلف في مضمونه ومفهومه لأن طبيعة المرحلة تحمل فكراً مختلفاً كما يحدث في الواقع تغيراً جوهرياً سلبياً أو إيجابياً لا يمت بصلة مباشرة إلى تلك المرحلة من النهضة التي عاشها العرب قبل أكثر من قرن من الزمان.

إن مفهوم هذا المصطلح اليوم يحمل معنى التسوية والحلول الوسط في المفهوم السياسي أو لمعالجة مسائل سياسية، فقد وصلت الأمور في بعض دولنا العربية وصراع الأضداد والأنداد فيها إلى طريق مسدود، فإما استمرار الصراع وتفاقمه، وإما إيجاد الحلول المناسبة عن طريق تليين المواقف والبحث عن الأرضية المشتركة بين الفرقاء المتنافسين والمتصارعين.

فكان والحالة هذه أن يبادر التوفيقيون لطرح مصطلح التوافق، وكان أكثر استخداماً ورواجاً في أزمة الحكم في لبنان في مايو 2008، التي أدت نتائجها إلى ما اصطلح على تسميته الحل التوافقي والرئيس التوافقي إلخ، كما أن الصراع بين القوى الفلسطينية خصوصا «فتح» و«حماس» يطرح تدخل الوسطاء حلاً توفيقياً لم يكتمل بعد، والعراق الذي عاش صراعاً طائفياً دامياً يطرح حلاً توافقياً ومن دونه لا حل، حيث يقدم كل طرف تنازلات للاتفاق على المشتركات بين تلك القوى لإنهاء حالة التأزم التي طال أمدها.

وهذا الأمر ينسحب على ساحات أخرى مثل: السودان والصومال التي هي بحاجتها في ظل ظروف الصراع التي أنهكت البلدين منذ ربع قرن.

إن هذا المصطلح قد استخدم كذلك في ساحات عربية أخرى ليس فيها مثل ذلك الصراع، ولكن في ظل الخلاف والاختلاف السياسي منها بعض دول مجلس التعاون الخليجي مثل الكويت بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، ويبدو أن عدداً من الدول العربية يحتاج حل مشكلاتها إلى إحياء مصطلح التوافق وتوظيفه للتخفيف من حدة التوتر القائمة.

لقد أصبح لدينا رئيس جمهورية توافقي، وطرح موضوع رئيس مجلس أمة توافقي، وحل «فتحاوي- حماسي» توافقي، ومشاريع توافقية لدول مجلس التعاون، ونأمل أن يعمم استخدام هذه المصطلح في الدول العربية التى تشهد صراعاً واستنزافاً لطاقاتها في هذه المرحلة من تاريخها حتى يتوقف العنف والتطرف في المواقف والسلوك، لتسير عجلة التنمية والبناء، وإعادة بناء ما خربه أعداء التوافق والوسطية الحقيقية.

ولا بأس من استخدام مثل هذه المصطلحات ما دامت تخفف التوتر وتحقق الأمن والسلام الاجتماعي في بلدان عانت الكثير من الصراع وضياع الفرص التاريخية.

back to top