الزميع: القوى الهامشية هيمنت على الساحة السياسية العصيمي: هل المطلوب انتزاع حكم الشعب والعودة إلى نظام الفداوية؟ في ندوة نظمتها الجريدة وأدارها غانم النجار (الجزء الأول)

نشر في 05-04-2009 | 00:00
آخر تحديث 05-04-2009 | 00:00
خلصت ندوة نظمتها «الجريدة» بعنوان «تشخيص الأوضاع السياسية وحالة الاحتقان السياسي في البلد» الى أن التوتر الدائم في الحياة السياسية وحالة الاحتقان تتحملها الحكومة والمجلس والناخبون. وأكدت أن عدم وجود تنظيم للحراك السياسي في البلد أدى إلى بروز عناصر الاحتقان والقوى الجزئية التي أصبحت هي القائدة للحياة السياسية.

وشارك في الندوة التي أدارها الدكتور غانم النجار كل من النائب الأسبق المحامي مشاري العصيمي، ووزير الأوقاف والتنمية الإدارية الأسبق الدكتور علي الزميع.

افتتح النجار الندوة بالحديث عن محاورها وهدفها وهو اعطاء وإن كان بشكل محدد تقييم للوضع الحالي الذي نعيشه وحالة الاحتقان والاحباط المسيطرة على الناس وفقدان الامل بالتغيير في المستقبل، وتساءل النجار عن الاسباب التي أدت إلى هذه الحالة في المشهد السياسي.

وأجاب الزميع ان هناك اسبابا كثيرة من الصعب حصرها في نطاق محدد، فمنها اسباب جزئية لكن هناك سببا رئيسيا في العادة لا يتم التطرق اليه خصوصا من السياسيين وهو ان التجربة الديمقراطية في الكويت فيها اشكالية الحداثة، إذ أن التجربة حديثة وارتبطت بتطور الدولة والمجتمع وجاءت مع صدور الدستور، وهو امر يحتاج إلى بحث ودراسة.

حداثة التجربة الديمقراطية

وقال الزميع ان هناك بعض الناس في التعايش السياسي اليومي لا يهتمون بمسألة حداثة التجربة الديمقراطية، لكن ثمة فئة يجب أن تهتم بهذا الجانب وتركز عليه خصوصا أن ثمة جهودا لهذه التجربة، فمؤسسات المجتمع المدني تم اهمالها خاصة من القوى الوطنية والسياسية وبدأت تقتل، كذلك فإن المطالبة بتطوير التجربة لم تبدا بشكل جدي الا بعد تحرير الكويت خلال السنوات الـ18 الماضية، وهذا لا يعني العودة إلى موضوع النطر في الدستور وتعديله كما أن هذه القضية ليست فقط مسؤولية الحكومة انما ايضا هناك دور للقوى السياسية التي اهملت هذه القضية، لذلك فإن مشاريع القوانين في موضوع الاحزاب السياسية لم تطرح إلا في السنوات الخمس الأخيرة، وما حصل أن التجربة الديمقراطية بدأت ناقصة وليس الدستور هو الناقص، فالدستور مظلة تستوعب كل الممارسات، وهذا النقص في الممارسة السياسية واستكماله بقوانين وقرارات ادارية وسياسية ادى إلى ان التجربة الديمقراطية في بعض اشكالها تعيق تشكيل الدولة والمجتمع الحديث، فقضية عدم وجود قانون الانتخاب والأحزاب الحديثة المعلنة رسخ القضية الطائفية والقبلية واصبح هناك طرح مفاده ان الديمقراطية هي التي جاءت بالقبلية والطائفية وهي التي دمرت المجتمع والدولة الحديثة من خلال الواسطة واختراق المؤسسات.

الدستور محطة كبيرة

وعلق النجار متسائلاً: أليس ثمة تراث ديموقراطي قبل الدستور؟ وردّ الزميع بأن الدستور محطة كبيرة لاستكمال مسيرة بدأت من أوائل العشرينيات وقبل صدور الدستور، لكن كان يفترض استكمال هذه التجربة بعد 10 أو 15 سنة دون تعديل الدستور إنما من تحت مظلته، فمضى نحو نصف قرن ولم يتم تفعيل التجربة الديمقراطية.

وأشار النجار الى أن ما حصل في الكويت خلال السنوات القليلة الماضية كان يفترض ان ينعكس على تحسّن الأداء مثل منح المرأة حقوقها السياسية، والمطبوعات والدوائر الخمس، وإلغاء قانون التجمعات، وفصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء، وتفعيل قانون توارث الإمارة وإدانة أشخاص بسبب شراء الأصوات للمرة الأولى أليس يفترض ان ما يحصل نوع من حالة من المخاض لهذه الأحداث وربما تؤسس لمرحلة قادمة، خصوصا أن الاحداث كبيرة.

احتقان سياسي

وعلق النائب الأسبق مشاري العصيمي بأن ما أوصلنا إلى حالة الاحتقان السياسي الدائم في البلد هي مثلث يتحمل اطرافه الناخب ومجلس الأمة والحكومة، واعتقد ان هناك دورا كبيرا على المواطن في عملية الاختيار، اذ ان الاختيار خاطئ وفي الغالب الأعم نتيجة لعدم وجود اعلام رسمي هادف يساعد المواطن في التوعية بمواصفات المرشح والدور السياسي لعضو مجلس الامة، فهذا الامر جعل اختيارات الناخب إمّا لأسباب قبلية أو طائفية، وتم فرز المجتمع، كما أن من الظواهر التي بدأت تستشري موضوع شراء الاصوات والانتخابات الفرعية، وإذا لم تتم محاربتها بشكل جدي فسنرى اشخاصا يشترون الضمائر ويبيعون الوطن وهذه حالة خطيرة جدا، لذلك نريد معرفة مدى جدية الحكومة في محاربة هذه الظواهر خصوصا ان الحكومة قامت مشكورة في الانتخابات الماضية بمواجهة ظاهرتي الفرعيات وشراء الاصوات، لكن السؤال؛ هل تستمر هذه المواجهة وهل هي سياسة حكومية دائمة ام نقلة نوعية تعتمد على مزاج الوزير ومجلس الوزراء.

عناصر سيئة جداً

وأشار العصيمي إلى أن هذه الظواهر أفرزت عناصر سيئة جدا، فنحن كلنا عشنا هذا الدور وشفناه وجئنا في مرحلة من المراحل لنجد أن هناك اربعة من النواب متهمون باختلاسات اموال عامة ومطلوبون امام المحاكم واثنان منهم عينوا وزراء.

وذكر أن قضية الاعتداء على المال العام أصبحت لم تعد تمس الشرف والامانة سواء بالنسبة للوزراء او النواب وهنا يأتي دور الناخب في هذه المسألة.

الاستجوابات نوعان

ولاحظ العصيمي أن الاستجوابات تنقسم إلى نوعين، إما استجواب جاد للاصلاح أو استجواب للابتزاز السياسي والمالي والمصالح الشخصية، مشيرا إلى ان اي استجواب يطرح تعلن حالة من الطوارئ في البلد وكأن النائب عندما يمارس حقه في الاستجواب ارتكب خطيئة وتجاوز لدوره، وبالتالي تبدأ الحكومة في تأييد الوزير ويعلن مجلس الوزراء وقوفه ضد الاستجواب حتى قبل ان تقرأ محاور الاستجواب وهذه كارثة خصوصا اذا كانت محاور الاستجواب تتضمن تجاوزا على المال العام.

واشار إلى أنه مع الوقت سيشعر كل وزير ان مجلس الوزراء يقف معه ولا يهمه الاستجوابات وبالتالي المزيد من الاستجوابات.

وتطرق العصيمي إلى نظرية الخط الاحمر وان استجواب رئيس الوزراء خط أحمر، مؤكدا انه إذا مشينا في هذا الطريق فمعناه تحصين رئيس الوزراء عن المساءلة السياسية وهو ما يعني الغاء النص الدستوري في محاسبة رئيس الوزراء وهذا يوصلنا إلى نتيجة ان رئيس الحكومة باتت لديه حصانة وهو في منأى عن أي محاسبة ولا يمكن لأي احد أن يساءله وبالتالي ستكون هناك الكثير من التجاوزات والمخالفات طالما أنه محصن.

واشار إلى ان كل وزير في المستقبل يعلم علم اليقين ان رئيس الوزراء محصن وبالتالي يذهب بالقرارات التي يريد اصدارها إلى مجلس الوزراء ليصدرها من أجل الحصول على تحصين لقراراته من خلال حصانة رئيس الحكومة. وهذا سيؤدي إلى استشراء الفساد من خلال عدم مساءلة رئيس الوزراء او الوزراء.

شراء ضمائر النواب

وذكر العصيمي ان اي استجواب يطرح تفتح ابواب الوزارات لشراء ضمائر النواب وهو ما جعل الكثيرين يبادرون بالاعلان عن تأييد الاستجواب من أجل الحصول على مكاسب معينة وانجاز معاملات «بالهبل» في وقت ترتكب اخطاء وتجاوزات للقانون بهدف كسب اصوات النواب.

واشار إلى ان الممارسة أظهرت ان الحكومة إذا ارادت اصدار قانون فإنها تصدره، لأنها تملك القدرة على ذلك، لكن المشكلة انه لا توجد جدية لدى الحكومة، وقد وصلنا إلى درجة انه حتى وزارة التخطيط ألغيناها، بينما لدينا وزارة لشؤون مجلس الامة، مشيرا إلى ان هذا الأمر مقياس لحالة التخبط التي نعيشها.وتساءل عن اسباب وضع وزارة لمجلس الأمة إلا إذا كان لشراء ضمائر وتسهيل الواسطات وانجاز المعاملات.

وذكر العصيمي ان الدور الثالث في معادلة الوضع الحالي هو مجلس الامة الذي تحولت علاقته مع الحكومة إلى نوع من الابتزاز والدليل الاستجوابات الأخيرة، إذ بات النواب يهددون رئيس الوزراء بالاستجواب إذا لم يحيلوا «فلان» إلى النيابة، أو إذا أُقر قانون معين، رغم أنه من حق الحكومة اقتراح القوانين، والحكم في النهاية للمجلس، فلا يجوز مساءلة الحكومة على قرارات اصدرها المجلس إنما على التجاوزات التي ترتكبها.

عدم التجانس والمحاصصة

وتساءل النجار لماذا لا تلعب الحكومة الدور القيادي وتقود زمام المبادرة في المجلس لإقرار ما تريده من قوانين خصوصا ان لتلك القوانين القدرة على ذلك؟

وردّ العصيمي ان الحكومة فاقدة عنصر المبادرة والرؤية، ليس هذه الحكومة فقط انما عن كل الحكومات التي تم تشكيلها بسبب عدم التجانس نتيجة اسلوب المحاصصة والترضيات المتبع في التعيينات الوزارية من بين افراد الاسرة الحاكمة.

وتساءل عن دور الاسرة الحاكمة في عقد اجتماع لتقرير مصير مجلس الامة وهل يحل دستورياً أم غير دستوري، فالمادة الرابعة من الدستور حددت ان الكويت امارة في ذرية المغفور له مبارك الصباح والمادة السادسة تنص على ان الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للامة، مصدر السلطات جميعا، فلا يوجد ذكر لعبارة الاسرة الحاكمة في الدستور وبالتالي ليس لهم دور في بحث حل المجلس.

واشار الى ان ثمة خلطا اساسيا لدى الاسرة الحاكمة بين الامارة والحكومة، فهل المطلوب انتزاع الحكم من الشعب والعودة الى نظام «الفداوية» و«الخيازرين» هذا امر لا يمكن ان يتم، لكن في النهاية في القضية التي مررنا بها كان هناك صوت عقل لأنه من غير المعقول ان نصل بعد الغزو والتداعيات الاخرى الى التفكير في الانقلاب على الدستور. غير ان المشكلة الاساسية تبقى ان بعض افراد الاسرة الحاكمة لا يؤمنون بالديمقراطية ويظلون يحاربونها ويحاولون التدخل بالانتخابات.

البلد في حالة هلامية

وعلق الزميع ان موضوع الاداء الحكومي وفق القوى السياسية راجع الى نقص في عملية التطور السياسي في الكويت، إلّا في ما يتعلق بالحركة الايجابية التي بدأت بعد تحرير الكويت وافرزت في السنوات الاخيرة قانون المطبوعات وحقوق المرأة، مشيرا الى ان البلد في حالة هلامية. لان الحكومة لا تمثل اغلبية ولا توجه لديها ولا تملك رؤية والدليل انه طوال تاريخها لم تقدم برنامجا او خطة تنموية للدولة، رغم ان هذه قضية مطلوبة ومنصوص عليها بالقانون.

وأشار الى أن القوى السياسية لا تملك إطاراً مؤسسياً رسمي وبالتالي لا تملك برامج حقيقية مطروحة على الساحة تؤثر في تطوير الوضع حتى تؤثر في الاداء الحكومي، موضحا ان جزءاً من حالة الاحتقان ان البلد لا توجد فيها برامج لا من النظام السياسي او القوى السياسية، فالتجربة لا تؤدي الى هذا الطريق، فالحكومة تشكل دون ان يكون لديها برامج او اغلبية وتركيبتها مزاجية، ولا تتم بناء على رؤية محددة اما القوى السياسية فأما انها قوى مصلحية او طائفية او قبلية او احزاب ضيقة ليست احزاباً رسمية تملك رؤى خاصة احيانا لا تجرؤ على طرحها في الساحة وبالتالي هذه القوى الهامشية في المجتمع أصبحت هي القوى المهيمنة في الساحة السياسية من خلال البرلمان وباقي تركيبة المجلس إما من النوعية نفسها أم من ناس ليس لهم حول ولا قوة وبالتالي اصبحت القوى القائدة في الساحة السياسية لا تملك رؤى ولا برامج ولا حتى مؤسسات شعبية وقتلت مؤسسات المجتمع المدني التي كان بالإمكان أن تكون قوى ضغط ايجابية وأقصيت عن الحياة العملية.

على رجل واحدة

وتساءل النجار عن حالة وصلنا لها ان نائباً واحداً بمفرده بإمكانه خلق ازمة في البلد دون ان يكون خلفه تنظيم او حزب لكن باستطاعته ان يوقف البلد على رجل واحدة، فهل يعود ذلك إلى غياب مصادر القوة داخل المجتمع وتشتتها؟

وعلّق الزميع ان الحياة السياسية في الكويت غير منظمة لا قانون ولا غيره، وهذه اشكالية وبالتالي اصبحت بحال عبث لكل القوى وباتت القوى الجزئية هي التي تقود بينما الاغلبية مغيبة والسبب عدم وجود تنظيم للحراك السياسي في البلد.

واشار النجار الى أن «حدس» التي تعتبر اقوى تنظيم مر على الكويت، ولن يكون بالمستقبل مثله في الامكانات الا انها لم تستطع ان تستمر لان القوة ضايعة، فهل من المعقول أن تضطر حدس الى ان تتحول الى جانب آخر ولتبدأ في الاستجوابات.

وعلق الزميع انه بعدم تأطير القوى السياسية فإننا نسمح لكل القوى الجزئية ان يكون لها دور وقيادي ايضا بينما قوى الاغلبية لا توجد آليات لتتجمع وتشكل فكراً ومؤسسات.

واشار الى ان الاغلبية الموجودة ليس لها تمثيل في الاطار التنظيمي للحياة السياسية، فهي اما ان تخالف او تدخل مع هذه القوى التي هي مجرمة بالقانون، وهنا الخطورة فمن يمثل الامة لا يستطيع الوصول، وحتى لو قاتل مثل بعض الرموز ينسحب بعد فترة لعدم وجود مصالح قبلية او مصلحية له وتبدأ الساحة تخلو الا من الذين يدفعون بالاحتقان.

انقلب السحر على الساحر

قال النجار ان السؤال الذي يحيره انه ليس من المعقول ان الحكومة تملك كل مصادر القوة ومع ذلك لا تستطيع اتخاذ قرار، فبالتأكيد ثمة خلل معين.

ورد الزميع بأن الحكومة دعمت حراكا سياسيا غير منظم فانقلب السحر على الساحر، فهي خلقت رموز القبلية والفساد والطائفية والاحزاب الجزئية والمشوهة غير الرسمية ثم طلبت النجدة، بينما كلنا نعرف المثل القائل «عدو عاقل خير من صديق جاهل» هؤلاء فرطوا من يد الحكومة واصبحوا يمثلون ازمة وطنية وازمة على الحكومة التي لو استكملت التجربة الديمقراطية بالاحزاب لوجدت قوى عاقلة منظمة تملك برامج وتستطيع عندها الحكومة والنظام التعامل معها

back to top