يسقط الريس

نشر في 20-08-2008
آخر تحديث 20-08-2008 | 00:00
No Image Caption
 سليمان الفليح كان ذلك في أوج السبعينيات الميلادية، زمن الثقافة والفكر والحماس والصعلكة وامتشاق الكلمة الشجاعة في وجه الأنظمة التي اسهمت في الهزيمة، واستحالة الأدب العربي إلى «الحبر الاسود» ليكون مطابقا لذلك القهر الأسود الذي مني به المثقف العربي الحالم بالحرية والعدالة والتحرير ومقاومة الفساد، الذي أدى إلى تلك الكارثة التاريخية التي تشرخ من خلال دويها الوجدان العربي، كان ذلك الزمان وكنا الصعاليك الذين نرتدي بناطيل الجينز والقمصان المشجرة، وكان ذلك في أم الدنيا مصر، مجموعة صعاليك كبار وصغار، محترمين ومبتدئين آنذاك مثلي، وكنت حينها ضيفاً معززا مكرما في بيت الصديق الشاعر الراحل فتحي سعيد، وكان زارنا في البيت الشاعر والمسرحي الراحل أيضا نجيب سرور، وكان ينزف قرفا من الدنيا، فقال لنا ما رأيكم أن نستدعي صديقنا فؤاد بدوي ليقلنا بسيارته إلى ضفة النيل أو يقلنا إلى المقبرة! خرجنا فالتقينا في مقهى ريش فوجدنا أمل دنقل في أوج النرفزة والتوتر وقلنا ان الشلة اكتملت، ولم يبق إلا القديس ألا وهو عبدالرحمن الخميسي، فقال لنا إنه الآن على موعد مع الرئيس السنغالي ليوبولدسنغور، الذي تنازل أخيرا عن الحكم ليتفرغ للشعر، فقلنا للرجل نرجو إذ ما جاء مساء أن يلتحق بنا قرب مطعم حمام فذهبنا إلى زاوية صغيرة لنستمتع بمحبة النيل العظيم.

***

ولم تمض ساعة أو أكثر حتى هبط علينا القديس ومعه الشاعر سنغور الرئيس السابق لجمهورية السنغال و«قعدنا» هناك نتبادل انخاب الشعر و«القافية» والضحكات المجلجلة، حينها خطرت علينا فكرة مجنونة ألا وهي أن نحتفي باستقالة سنغور من السياسة وعودته إلى عالم الشعر، لذلك حملنا سنغور على الأكتاف ورحنا في مظاهرة صغيرة نهتف... عاش الشعر... يسقط الرئيس، عاش الشعر يسقط الرئيس، وسرنا في أول شارع صادفنا، ولأن مصر آنذاك كانت تعج بالمظاهرات بعض الأحيان فقد طوقتنا قوى الأمن سريعا وظنوا أننا نهتف بسقوط الرئيس السادات، وحينها تقدم إلينا ضابط كبير وهو يحمل سلاحه فالتقاه القديس الخميسي وقال له: الله هو مفيش رئيس إلا رئيسكم، إحنا نهتف بسقوط رئيسنا الخاص! فقال له الضابط ومن هو رئيسكم، فقال هذا «الاسود» الذي نحمله على الأكتاف فقال الضابط: ومن يكون فقال: إنه رئيس جمهورية السنغال السابق ليوبولد سنغور وهو أشرف رئيس جمهورية على وجه الأرض، لأنه استقال من الرئاسة ليتفرغ للشعر. ففتح الضابط فمه دهشاً، وأعتقد أنه ظل مفتوحا حتى اليوم!

back to top